بناءً لمعطيات المعارك العسكرية وتوازن القوى وأوضاع الدولة الإثيوبية في الحرب التي شنّتها على إقليم التيغراي، فقد أدّت إلى خروج القوات المسلحة الإثيوبية وتفككها تماماً، حتى صار لا يعتمد عليها في العمليات الحربية، مما وضع الدولة الإثيوبية تحت عبء هزيمة عسكرية أفقدتها زمام المبادرة في إقليم التيغراي، كما أُصيبت بتوهان سياسي، أفقدها القدرة على التعاطي الإيجابي وعجزها السياسي لإدارة الحرب وسط الانتقادات والعقوبات الدولية التي تُواجهها، أبرزها توجيه أمريكا للحكومة الإثيوبية بإخراج الجيش الإريتري من البلاد. فلجأت السلطات الحكومية إلى التجنيد الإجباري بشكل عشوائي لدرجة التقاط الشباب من الأماكن العامة والأسواق وإرسالهم إلى محاور القتال، حتى بدون أن يتم تعليمهم كيفية استعمال السلاح، مما أدّى إلى ارتفاع وتيرة احتجاجات الأحزاب المعارضة في أوروميا. وبالأمس، ظهرت صور ومقاطع فيديو في مواقع التواصل الإثيوبية في احتفال بأديس أبابا بتجنيد 10 آلاف شاب من الجنسين، وقد ظهرت الأمّهات باكيات وقد ارتدين ملابس الحِداد. هذا هو الأسلوب السائد للتعبئة الذي تنتهجه حكومة آبي أحمد بالاعتماد على قوات الأقاليم الخاصة؛ وقوامها فلاحون بسطاء غير مُدرّبين لخوض الحروب بالإضافة للتجنيد القسري للشباب. في بيان مفصل، أصدرته قوات دفاع التيغراي TDF أوردت فيه تفاصيل المعارك القوية من 26 إلى 28 يوليو التي خَاضتها وخسائر العدو البشرية وفي الآليات والمعدات العسكرية والمدن والبلدات التي استولت عليها في عُمق الأمهرا. وأوضح البيان عن تدمير عدة كتائب للقوات الحكومية، وتم تدمير اللواءات الأول والثاني والرابع على التوالي، كما دمّروا الكتيبتين 21 و 32، بالإضافة إلى تدمير كتيبة ميكانيكية واللواء الأول قوات خاصة و1800 قتيل وعدد مقارب للأسرى، من بينهم ضباطٌ برتبٍ عاليةٍ. توالي قوات التيغراي تقدُّمها بعد سيطرتها على عدة مدن في عُمق الأمهرا على طريق أديس أبابا، فمن المتوقع أن تحدث تطوراتٌ كبرى في الأيام القادمة، إذ من المتوقع أن تتجه قوات التيغراي غرباً للسيطرة على منفذ "المتمة" بعد أن اقتربت منه لفتح معبر دولي إلى السودان للإمدادات، ولعبور المساعدات الإنسانية للإقليم الذي تفتك به المجاعة، ويبدو أن التيغراي ليس من خياراتهم استعادة الحمرة حالياً، والتي تتمركز فيها بعض وحدات الجيش الإريتري والمليشيات، وعلى مقربة منها تحتشد قوات إريترية ضخمة في أم حجر الإريترية للدفاع عن الحمرة، التى يعتبر سقوطها، سقوط نظام أسياس أفورقي. توغُّل قوات دفاع التيغراي في العُمق الأمهري يؤدي إلى تحالفات جديدة تُعقِّد الموقف العسكري للحكومة الإثيوبية بعد فقدانها لجيشها الوطني وتفككه، إذ من المتوقع أن يتحالف التيغراي مع "الاقو" و"القيمانت" وهما قوميتان تقطنان داخل إقليم الأمهرا، وتحدث بينهما حالياً نزاعات مسلحة كبيرة، بالذات من "القيمانت". احتلال التيغراي للمتمة، يتيح لها فتح معبر دولي مع السودان للتمدد شمالاً بمحاذاة الشريط الحدودي إلى "عبد الرافع" التي تقابل الفشقة الصغرى، كما يتيح لها التقدم نحو "ماي خدرة" والحمرة نفسها. تدور هذه الأيام نغمة مبادرات سلام لإيقاف الحرب وعقد مفاوضات مع التيغراي، تقوم بها جهات شعبية إثيوبية انطلاقاً من دعوة الحكومة استعدادها للحوار بعد إعلانها وقف إطلاق النار من جانب واحد. ليس من المتوقع أن تحقق تلك الجهود دفع أطراف الحرب بالجلوس للتفاوض، نظراً لصراع الإرادات الذي يتحكّم في القيادات التي تُدير الحرب من الطرفين. يعمل الأمهرا على إجهاض ووضع العراقيل أمام ألمانيا والتي لجأ إليها آبي أحمد من أجل الوساطة لإيقاف الحرب، بينما هناك أنباء عن أدوار تُصب في نفس الهدف تقوم بها إسرائيل والإمارات منفردتين. بينما تزداد حِدّة القتال وضراوته، ولن تنتهي الحرب إلا بهزيمة طرف.