يكدح الإنسانُ في هذه الحياة الدنيا كدحاً، تمضي عليه الليالي والأيام والشهور والأعوام، ويقصرالعمر ويقترب الأجل، وكلّ يوم يمضي يقترب به الإنسان من الآخرة، ويبتعد به عن الدنيا، ثم لا بدّ لهذا الكدح والسّعي من تُوقّف إنّه توقّفٌ للقاء الله تعالى:(يا أيّها الإنسانُ إنّك كادحٌ إلى ربك كدحاً فمُلاقيه). وهذه الدنيا متاعُ الغرور، كم واثقٍ فيها فجعته، وكم مُطمئنٍّ إليها صرعته، وكم مُحتالٍ فيها خدعته، العمر فيها قصير، الأحوالُ فيها إما نِعمٌ زائلة، وإما بلايا نازلة. فويلٌ لأهل الغفلة الذين صرعتهم هذه الدنيا، لا يشبعون منها مهما جمعوا، ويجمعون ولا ينتفعون..أمرنا الله بالإلفة والمودة والكسب الحلال.. والانفاق، وحذرنا من داء الغفلة. بكى أبوهريرة رضي الله عنه لما حضرته الوفاة فقال: (أما والله إنّي لا أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا، ولكني أبكي لأن الزاد قليل رغم أنه ترك علما وثروة من الأحاديث مازالت تُدرس وتتدوال على تعاقب الأجيال والأزمنة وأين نحن من ذلك. إذا سألنا أي شخص مسلم:ما أسباب تشتتنا وأوجاعنا سيجيبك ب: فُرقتنا.. حب السلطة والمال، وفرّقتنا المذاهب، فرقتنا الحدود الوهمية، فرقتنا الوطنية المزيفة، لكن إذا سألته:ما الذي يجمعنا: سيجيب ب: يجمعنا الدين الإسلامي، وهذا هو مربط الفرس والحل الحقيقي الجذري والواقعي الذي سيلم شملنا. نحن المسلمين، تجرعنا ونتجرع الأحزان والمآسي في كل البلاد على كافة الأصعدة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية وفي كل الأزمنة، منذ بداية رسالة الإسلام على يد قادة قريش وحتى يومنا وواقعنا الحاضر على قادة وحاكم هذا الزمان بشتى أنواع التعذيب. تمر على أمتنا أيام عصيبة، وخصوصا في الواقع الحاضر، لذلك يتوجب على كل مسلم غيور على دينه أن يحاول بما استطاع من علم ومعرفة أن يجتهد ويجاهد ويمضي قُدما لبناء مستقبل مشرق لأمة أعزها الله بالإسلام وهوالمنهج القويم الذي أشاد به العدو قبل الصديق وحاربوه قبل ظهوره، والاستسلام والتكاسل والتخاذل ليس من شيم المسلم ولايقدم أمة، لذلك يبقى التفاؤل في غد مشرق ليس ببعيد..عندما تتحقق وحدة الأمة وكلمتها وتتوحد أقطارها وكل يسعى في هذا السياق . يقول: د/علي الصلابي.. لازلت أقول إن هذه المرحلة في الصراع، هي أصعب المراحل وأقساها، وربما آخرها وهي صراع الإنسان مع نفسه، الصراع الذي يدور بين ما يؤمن به وما يراد له أن يؤمن به. صراعه بين ثوابت دينه وقيمه وثوابته، وبين ما يتردد في سمع قلبه كل حين من نداءات تقعِد القائم، وتُسيء خلق المستقيم، وهكذا.. حتى تخور عزيمة أحدنا ..بعدما عاش معركة طويلة مع نفسه سقط في آخرها. نحن الآن في هذه المرحلة، والتي من قسوتها يرسب المئات في اختبارها كل يوم. توفي الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، عام 1996ودفن في البقيع وكان قد لخّص أوجاع هذه الأمة في عشر نقاط: 1-الويل لأمة يقودها التافهون، ويُخزى فيها القادرون. 2-الإكراه على الفضيلة لايصنع إنساناً فاضلاً، كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنع إنساناً مؤمناً؛ فالحرية أساس الفضيلة. 3-إن زوال إسرائيل لابد أن يسبقه زوال أنظمة عربية عاشت تضحك على شعوبها، ودمار مجتمعات عربية فرضت على نفسها الوهم والوهن. 4-لاأدري لماذا تهتاج أمة لهزيمة رياضية ولا تهتز لها شعرة لهزائمها الحضارية والصناعية والاجتماعية 5-التدين المغشوش قد يكون أنكى بالأمم من الإلحاد الصارخ. 6-إن الفراعنة والأباطرة تألهوا؛ لأنهم وجدوا جماهير تخدمهم بلا وعي. 7-إن إقامة صروح العدل الاجتماعي في بلد مختل كإقامة قواعد الأدب في بلد منحل. 8-إنما فسدت الرعية بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، فلولا قضاة السوء وعلماء السوء لقلّ فساد الملوك خوفاً من إنكارهم. 9-إذا أردت أن تغيّر وضعاً خاطئاً فعليك بتجهيز البديل أولاً قبل أن تُبادر بتغيير هذا الوضع. 10-مألوف في تاريخ النهضات أن اليقظة العقلية تسبق دائماً النشاط السياسي والاجتماعي رحم الله الشيخ محمد الغزالي رحمة واسعة فقد كان جريئاً، وثاقب البصر والبصيرة . سرعة الأيام مخيفة.. ما إن نضع رأسنا على الوسادة إلا ويشرق نور الفجر وما إن نستيقظ إلا ويحين موعد النوم ، تسير أيامنا بسرعة ولا تتوقف، والأحداث تتسارع من حولنا، وفتن الدنيا تموج بنا، والأموات يتسابقون أمامنا ولكن السعيد والعاقل حقاً، هو من ملأ صحيفته بالصالحات. والسؤال الذي يجب أن نقف عنده: بماذا ملأت صحيفتي هل أنا أسير للأمام أم للخلف يا ترى ما هو وزني عند الله قف وحاسب نفسك..قبل ان تُحاسب، فالأيام تمشي بسرعة، ولن يبقى لك إلا عملك الصالح .. قال تعالى:﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾. إعملوا صالحاً، أفشوا السلام بينكم، حافظوا على صلواتكم، حصنوا أنفسكم، صِلوا أرحامكم، حافظوا على من يحبونكم، برّوا والديكم، ابتسموا في وجوه الناس، اقرأوا القرآن يومياً، أكثروا من الصدقات، اعتنوا بتربية أولادكم، دققوا في دخلكم، في كسب أموالكم وإنفاق أموالكم، سبّحوا، استغفروا كثيراً، صوموا، أكثروا من الصلاة على النبي عليه السلام. ((علقوا قلوبكم بالآخرة، فالدنيا لا تدوم لأحد)). ولاتكونوا من الغافلين.. والمغفلين. ولاغرابة في الأمر فالغافلون والمغفلون كلمتان مشتقتان من جذر واحد.. الغافل من يهمل الأشياء ولا ينتبه لها من نعم وعِبر وغيرها والمغفل من يخسر قيمته بين الناس عندما يخدعونه ويتلاعبون برأسه. وعادةً ما يجتمع الغافل بالمغفل. فالغافل لايدرك المعاني العميقة وراء الأشياء..أما المغفل فيصدق ما يعرض عليه حتى لو كان كذباً . والله الذي لا إله إلا هو.. لن ينفعك لا مالك، ولا جاهك، ولا اسمك، ولاحسبك، ولا نسبك، ولا ذكاؤك(لن ينفعك إلا عملك الصالح) فانتبهوا لكل تصرفاتكم وسلوكياتكم وأعمالكم واشكروا الله على كل نعمة مهما صغُرة، واحرصوا على الكسب الحلال، والصبر على البلاء والتفاؤل والعزيمة والسعي على تخطي العقبات للوصول لأهدافنا والغاية التي من أجلها خُلقنا ولن يخذلك الله أبداً ما أحسنت ظنك وثقتك فيه ولاتكونوا من الغافلين، فقد أصبح سمة هذا الزمان وأفيونه أسأل الله ان يحمينا وإياكم من داء الغفلة ويزيل أوجاع أمتنا بعودة الإسلام وعدالته حاكماً . ختاماً.. إخوتي: هون على نفسك أوجاعها. فالحق حتماً منتصر حتى لو كانت بينه قنابل روسيا وصواريخ امريكا، وكيّد المتآمرين ومنتهية عند الله عاقبته، ونصر"طالبان" شاهد عصر لكن الفيصل والمرعب حقاً أن ينتصر الحق يومًا وليس لنا غرس في بستانه، أو حجر من بنائه غافلون ومتغافلون انتبهوووووا.