البروفيسور/ معتصم إبراهيم خليل، عالم كيمياء وباحث ذو باع طويل، وهو مهتم بالاستفادة من جميع مصادرنا المتاحة حتى النفايات التي يمكن أن تتحول إلى مصدر كبير من مصادر المواد الخام ويمكن أن ترفد الاقتصاد بدخل معتبر إذا تعامل معها المختصون من خريجي أقسام الكيمياء عبر إعادة التدوير التي تعرف: "بأنّها عبارة عن جمع المواد المُستخدَمة، ثمّ تحويلها إلى مواد خام، ثمّ إعادة إنتاجها لتصبح مواد قابلة للاستهلاك مجدداً، ويُمكن أن يشمل مفهوم إعادة التدوير أي شيء قديم يُمكن استخدامه من جديد، وبمعنىً آخر هو عملية يتمّ من خلالها الاستفادة من المواد غير الصالحة والتي تُعدّ نفايات وإدخالها في عمليات الإنتاج والتصنيع الجديدة". لم يكن من باب السخرية إن كنت أنصح طلابي دارسي الكيمياء بامتهان مهنة الزبالين عند تخرجهم، إنما كان ذلك يقيناً عندي وإيماناً قوياً إنها مهنة المستقبل التي سيتنافس ويتقاتل عليها البشر. ولأن الكيمياء هي الحياة والحياة شأن كيميائي فإن الكيمياء هي الملجأ الوحيد والأخير لإنقاذ البشرية من كوارثها الآنية والمستقبلية. فسيتغول الذكاء الاصطناعي على كل المهن وسيحل الروبوت محل البشر ويمهلهم حتى العام 2030 م لتدبير أمرهم والبحث عن مهنة رزق لهم. ومما هو بين أمامنا فإن الثورة التقنية المتسارعة لتطوير الذكاء الاصطناعي تكاد تفرغ الأرض من مخزون معادنها لتحقيق طفرات جديدة في الصناعة. ولهذا فقد زاد استهلاك العناصر الأساسية والنادرة والنفيسة مثل الذهب والفضة وعناصر مجموعة البلاتين واللانثنيدات ستين ضعفاً والطلب في ازدياد عليها وسيتخطى حاجز ال 40 ألف طن سنوياً وتوجد هذه المعادن في دول قليلة في العالم. تمتنع الصين الآن عن تصدير العناصر اللاثنائية النادرة وتكاد تكون هي المصدر الوحيد لها وهي العناصر اللازمة للمواد المتقدمة والالكترونية والمحفازات والخلايا الشمسية والطاقة المتجددة وحفظ الطاقة والاقراص المدمجة والدوائر الإلكترونية المطبوعة وعدسات الكاميرات والمعدات الطبية ومعالجة المياه وصناعة الزجاج… إلخ، ومن يمتلك هذه المعادن سيمتلك الاقتصاد. وتشير التقارير العلمية الى أن ما تبقى من عمر المعادن في باطن الأرض بحساب معدل التعدين الحالي لا يتعدى 11 سنة للذهب، 22 سنة للفضة، 190 سنة للحديد، 14 سنة للقصدير، 38 سنة للزنك، 186 سنة للبلاتين، 130 سنة للكوبالت وهذه أمثلة تنبئ بقرب نضوبها من باطن الأرض. كما تدل أبحاث الكيمياء الصناعية على أن تركيز هذه المعادن النفيسة والنادرة والأساسية في المخلفات أي المعدات منتهية الصلاحية أعلى من تركيزها في خاماتها. وبسبب إفراغ الأرض من عطائها فلن يكون هناك أي مصدر للمعادن سوى هذه المخلفات، فمن مهام رواد هذه المهنة جمع قمامة العالم وإدخالها في الدورة الاقتصادية. ولقد استشعرت الدول الصناعية المعتمدة على استيراد هذه المعادن الاستراتيجية الخطر على استقلالها ومستقبل صناعاتها المتقدمة لذلك امتنعت عن تصدير المعدات منتهية الصلاحية لكبها في الدول الفقيرة وبدأت تأسس للاقتصاد المدور (Circular Economy) وصولاً لاقتصاد الفاقد الصفري (Zero-loss Economy) توفيراً لاحتياجاتها من تلك المعادن وهو اتجاه في طور النمو الجاد. وسيتم ذلك بتدوير المخلفات واسترجاع محتواها من المعادن بالطرق الكيميائية المتاحة وكل المعادن لا تفقد خواصها حتى إذا دورت ملايين المرات وبدون تدوير هذه المخلفات سيتناقص عمر المعادن في باطن الأرض التي أشرنا لها لأقل من النصف. إن عملية التدوير هذه عملية مربحة ذات جدوى اقتصادية عالية واقل تكلفة من تعدين هذه المعادن من خاماتها. مثلاً إن استرجاع المغنيزيوم من المخلفات يستهلك 10% فقط من الطاقة اللازمة لتعدينه من خاماته. وقيمة ما يمكن استرجاعه سنوياً من ذهب وفضة وبلاديوم من الجوالات واللابتوبات والحواسيب الشخصية منتهية الصلاحية تساوي ما مجموعه (2,484.4) مليون دولار، أما قيمة عناصر مجموعة البلاتين في الحفازات تقدر بما يقارب 1.2 بليون دولار. وحتى المياه المستخدمة في عملية التعدين والمصرفة للأنهار والبحار وباطن الأرض تحتوي على كم هائل من المعادن النفيسة والنادرة. فلقد أعلنت هيئة البيئة والمياه الامريكية إنها تسترجع يومياً من كل 10 أمتار مكعبة من هذه المياه ما قيمته 5,630 دولارا من الفضة والذهب. وحدث ولا حرج عن كمية وقيمة المعادن الأساسية والزجاج والبلاستيك في السيارات منتهية الصلاحية، فمثلاً تراكمت في اوروبا عام 2011 م 6.5 مليون طن . إذاً، فإن مهنة تدوير النفايات بجميع أشكالها مهنة رابحة ومستدامة ولن تقتصر فائدتها على الاقتصاد فقط إنما سترجع الفائدة على البيئة والتبيؤ حين نخلصها من المعادن السامة مثل الرصاص والكادميوم والزئبق، وعلى كيميائي المستقبل استحداث تقنيات تدوير أقل تكلفة. فلو كنت مسئولاً لسارعت بإنشاء: (كلية الزبالين). لنكون رواداً لإرفاد العالم بكفاءاتٍ لتدوير نفاياته المتراكمة، ولن يُقبل فيها إلا من حصل على 97% في الشهادة السودانية. وأنا على يقين تام أن قطاع الزبالين سيكون هو القطاع السيد مستقبلاً وستغني الحسان للحبيب الزبال. بروفيسور / معتصم إبراهيم خليل أستاذ الكيمياء مدير مركز ميك للأبحاث خبير صناعات الطلاء بالمعادن وخبير صناعة المنظفات