قلب سوداني وأغنية لبنانية آمنة نوري وأحياناً... يدهشنا حضور الكلام وتفاجئنا الكلمات بأحاديثها الأخاذة داخلنا. وترن وترن في أعماقنا طويلاً.. تلك الكلمات التي هي ليست كالكلمات.. هكذا تصورها ماجدة الرومي في رائعتها (كلمات) وهكذا تماماً صورها القدر لقلب نسي الكلام سنينا وسنين. حين جرت الأحداث على غير العادة وبدت الحياة أخيراً بالظهور على كوكبه. بدأت الحكاية في يوم عادي تماماً لا بداية له ولا نهاية ولا طعم ولا لون ولا رائحة وكان هذا القلب السوداني متكئاً متململاً كعادته على كرسي قديم في مكتب ملتهب من الحر مكتظ بالناس والغبار والذباب وتقرحات المعدة والنفوس. والتعب يرحل بلا تعب نفس رحلته المعتادة بين حشاياه وأطرافه. كان لا شيء جديد ولا شيء قديم ولا شيء في الجيب ولا في خاطر الجيب ولا حتى في خياله البعيد فبالكاد صمد ما كان فيه حتى اليوم العشرين من الشهر بعد أن وصلت الماهية متبخترة كعادتها في اليوم الثامن عشر ثم رحلت مذعورة بعد يومين فقط فيقال أن الأنفاس صارت باهظة الثمن وصار لا بد لنا أن نتنفس بالتقسيط الممل. أما هذا القلب فقد توقف عن التنفس مجبراً لا بطلاً فذرات الأوكسجين ما عادت هي الأخرى تتحمل هواء هذا المكتب. وفجأة... دخلت الدنيا مضمخة بالعطور ماشية على قدمي فتاة يافعة ورن هاتفها الجوال بأغنية كلمات لماجدة الرومي فرن الكون كله بداخل هذا القلب المقهور. رن ليأخذه بعيداً بعيداً إلى سنين الدراسة حيث كانا يجلسان سوياً على شارع النيل ليستمعا لذات الأغنية.. (كلمات) وكانت تقول له بأنه يسمعها أحلى الكلمات ولكنه لا يبني لها قصراً من وهم فما بينهما هو الحقيقة... حقيقة الوجود.. فاحاسيسهما حقيقة الحياة الإنسانية وأن الإنسان لا قاسم مشترك بينه وبين الآلات والقطط وغيرها وغيرها وفقط لأنه يعشق ويعشق. وفجأة أخرى انتبه هذا القلب على زمجرة المكتظين حوله. وسقطت الدنيا كلها من بين يديه وتحطمت فعرف بأنها هي التي كانت تسمعه الكلمات التي ليست كالكلمات وعرف بأن ما قالته عن حقيقة الوجود.. هو الحقيقة ولكنه هو.. هو الوهم الوحيد في كل هذا الكلام. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته