لم يحل رابع أيام عيد الأضحى على الخرطوم، إلا وفجر عضو مجلس السيادة الانتقالي رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان /شمال مالك عقار مفاجأة من العيار الثقيل لدى لقائه أعضاء السلك الدبلوماسي، بإعلانه عن مبادرة وصفها ب(حل أزمة الاستيلاء العسكري على السلطة واستكمال السلام)، الأمر الذي أثار الدهشة لجهة تناقض موقف الرجل من بقائه ضمن حلفائه العسكريين في الحكم وفي الوقت ذاته يطرح مبادرة لإنهاء استيلائهم على السلطة. مراحل ومحطات.. ماذا قال مالك عقار؟ الرجل السيادي أعلن عن مبادرة سياسية جديدة لحل أزمة الاستيلاء العسكري على السلطة في 25 أكتوبر 2021، واستكمال عملية السلام وإغاثة النازحين واللاجئين بتقديم الدعم الإنساني العاجل لهم، واستكمال الترتيبات الأمنية. وبحسب عقار تتلخص مراحل المبادرة في أولًا البدء بالاتفاق على تحديد الصلاحيات والمهام بدقة بين أجهزة الدولة المختلفة، وعلى رأسها المجلس الجديد الذي اقترحه البرهان، وقال (إذا ما جاء بهذا الاسم أو بأي اسم آخر فهو لا يختلف اختلافًا كبيرًا عما اقترحته الجبهة الثورية واقترحته قوى الحرية والتغيير في أطروحاتهما المختلفة). وأضاف بأن هذا المجلس إذا تم تحديد واجباته بدقة ومراعاة لحساسية الوضع ومطالب الشارع، سيكون قد أجاب بشكل جيد ومقبول على سؤال العلاقة بين المدنيين والعسكريين وساهم في حل مشكلة تدخل الجيش في السياسة التي ظللنا نعاني منها في السودان منذ الاستقلال، وسيساعد في كسر الدائرة الشريرة للانقلابات العسكرية والديمقراطيات الموءودة في السودان. أطراف المبادرة.. لجان المقاومة تؤول للغياب مبادرة عقار أثارت الدهشة لجهة تحديده أطرافها دون التطرق ولو تلميحًا للجان المقاومة التي يعتبرها كثيرون الفاعل الأكبر في المشهد السوداني.. وحدد مالك، الجهات التي يجب أن تتفق على تحديد واجبات المجلس الجديد بأنها المكون العسكري والمكون المدني المتمثل في قوى الحرية والتغيير والموقعون على اتفاقية سلام جوبا باعتبارهم الشركاء الدستوريين الثلاثة في تأسيس المرحلة الانتقالية. وأعلن مالك عقار انه سيقوم بطرح ورقة مبدئية على المكونيْن العسكري والمدني وشركاء السلام للاتفاق على تحديد هذه الصلاحيات والمهام، وسيدعو بعد ذلك لتكوين لجنة فنية من ممثلين قانونيين لكل هذه الجهات بالإضافة إلى خبراء وطنيين، وخبرات دولية نطلبها من بعثة الأممالمتحدة (يونيتامس) من أجل صياغة هذه الواجبات والمهام في نص دستوري قانوني دقيق، نتجنّب فيه الفجوات اللغوية وعدم الدقة القانونية التي جاءت في صياغة الوثيقة الدستورية في عام 2019. حكومة الكفاءات.. التراجع عن المستقلة وبحسب المبادرة المطروحة من رئيس الحركة الشعبية فإن المرحلة الثانية هي مرحلة تكوين حكومة كفاءات وطنية بالإضافة إلى اختيار رئيس وزراء توكل له إدارة البلاد ومواجهة مهام عاجلة، في مقدمتها معالجة الأزمة الاقتصادية والتقليل من تأثيرها المتزايد على المواطنين، واستكمال عملية السلام، والتصدي للفساد، وإصلاح الخدمة المدنية، واستكمال تشكيل هياكل السلطة القضائية والمفوضيات، إضافةً إلى تجهيز البلاد لانتخابات حرة ونزيهة تضمن المشاركة العادلة والشاملة للجميع، بحيث تركز الأحزاب السياسية على مهمة التحضير للانتخابات في جو سياسي صحي وطبيعي. ويذهب عقار إلى أن المرحلة الثالثة هي مرحلة حوار وطني شامل يشارك فيه الجميع ما عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول، ويضمن مشاركة القوى السياسية والاجتماعية الجديدة التي برزت بعد الثورة، وتنظيمات الشباب والنساء والمهمشين واللاجئين والنازحين، الذين تم تجاهل قضاياهم لفترات طويلة. وأضاف: هذا الحوار الوطني ينبغي أن يجيب على الأسئلة المهمة التي تم تجاهلها في السودان منذ الاستقلال، مثل قضايا العلاقة بين المركز والهامش، وقضايا تحقيق العدالة والمحاسبة والعدالة الانتقالية وقضايا تنمية الأطراف ومشاكل العنصرية والتمثيل السياسي، بالإضافة للاتفاق على شكل عملية صناعة الدستور الدائم في السودان، وهي كلها عناصر ضرورية لنجاح معادلة الاستقرار في السودان. مبادرة عقار والثورية .. مقاربة مقبولة لا يبدو أن مالك عقار في تفجيره لمفاجأته تلك تجاوز ما سبقه إليه البعض ، خصوصًا في الجبهة الثورية التي استبقت أيضًا انقلاب البرهان وطرحت في مارس من هذا العام مبادرة لحل الأزمة السياسية، وقالت إنها تشمل مرحلتين، الأولى تشكيل حكومة تدير الفترة الانتقالية، والثانية حوار بين الفرقاء السياسيين حول نظام الحكم والدستور والانتخابات.. وطالبت "الجبهة الثورية" حينها بإيقاف "العنف" ضد المتظاهرين وشددت على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في ختام المؤتمر الأول للجبهة التي تضم حركات مسلحة وقعت على اتفاق سلام جوبا عام 2020م، في ولاية النيل الأزرق استمر 4 أيام.. مبادرة الثورية حددت أطراف المرحلة الأولى بين شركاء الفترة الانتقالية المنصوص عليهم في الوثيقة الدستورية (2019) بهدف التوصل إلى حكومة تدير الفترة الانتقالية"، فيما قالت إن "المرحلة الثانية حوار بين القوى السياسية يفضي إلى حلول بشأن موضوعات تختص بنظام الحكم والدستور والانتخابات". مبادرات حلفاء العسكر.. حواجز نفسية وبحسب الوقائع فإن ثمة حواجز نفسية تحول دون قبول الشارع الثائر لأي مبادرات قادمة من الجبهة الثورية أوتسهم في التفاعل معها تهدئة ، لجهة أن الكثيرين يعتبرون الجبهة الثورية بتقسيماتها المختلفة متواطئة في حدوث الانقلاب. ويتمسك أنصار هذا الرأي بدليل يتمثل في سماح المكون العسكري لأنصار الجبهة الثورية سواء الحركات المسلحة أو قادة المسارات بالاعتصام في محيط القصر، ويحتفظون بمقاطع فيديو تظهر أحد قادة الجيهة الثورية وهو يهتف (ما بنرجع إلا البيان يطلع) في دلالة واضحة لعمق التحالف بين الطرفين العسكري والجبهة الثورية.. فيما يذهب المحلل السياسي هيثم محمد أحمد ابا الزين في حديثه ل(السوداني)إلى أن أكبر الحواجز النفسية تلك المرتبطة بمالك عقار ما يجعل مبادرته غير مستساغة من قبل الثوار، لجهة مهاجمته منذ فترة ليست بالبعيدة حراك الشباب المناهض لانقلاب 25 أكتوبر، ووصفه المظاهرات التي تشهدها البلاد بمنزلة الإرهاب ضد الدولة، وقال إن من يقومون بها أطفال مكانهم ساحات اللعب ومقار تلقي العلم، معتبرًا أن ما يحدث فوضى وليست ثورة، وحذر مالك من نزول قواته إلى الشارع لأن ذلك يعني عودة الحرب وضحايا بالآلاف وليس 100 مثلما حدث في تظاهرات الخرطوم وتهكم من مثل هذا النوع من المطالب. وأضاف: الثورة غادرت سلميتها وما يحدث في الشوارع عنف. ويرى ابو الزين أن أكبر الحواجز تتمثل في إصرار الجبهة الثورية ومالك عقار ضمن ثنايا مبادراتهم على الاحتفاظ بالعسكر ضمن المشهد السياسي وهو ما لن يقبله الشارع بتاتًا. مبادرات أخرى .. هل يقبلها الشارع؟ في ظل استفحال الأزمة السياسية بالخرطوم وانعكاسها اجتماعيًا واقتصاديًا وأمنيًا، يرى كثيرون أن ثمة مبادرات أخرى تشهدها الساحة ويمكن لها أن تجد التفهم نوعًا ما، لأنها استراتيجيًا تصب في اتجاه خروج العسكريين من المشهد. وطبقًا للوقائع فإن أبرز المبادرات التيتشهدها الساحة حاليًا مبادرة توحيد قوى الثورة التي طرحتها آلية وحدة قوى الثورة لإسقاط الانقلاب، وقامت بتنفيذ ورشة بهدف إنشاء لجنة تسييرية مؤقتة على أن تتشكل من «15 إلى 20 » شخصية وطنية مشهود لها بالعمل الثوري وتتمتع بقبول واسع بين القوى الثورية وأطياف الحراك الثوري، ويتلخص دورها في التوافق السياسي بين قوى الثورة السودانية على أن تكون تمهيدًا لتكوين المجلس الثوري الذي ينهي عملها بمجرد تشكيله بغرض تفادي تضارب المصالح. أيضًا تشكيل مجلس ثوري يمثل كافة أطياف الحراك الثوري على أن يتم تكوينه من « 50 – 100» شخص ليكون بمنزلة مركز القيادة السياسية الموحد لقوى الثورة . وبينت الآلية طريقة إنشاء المجلس الثوري الذي يتم اختيار غالبية أعضائه من لجان المقاومة مع استكماله من القوى الثورية الأخرى مشترطة عدم قبول أي شخص في المجلس حال شغل أي منصب دستوري أو كان عضوًا في المؤتمر الوطني والأحزاب المتحالفة معه خلال حكم البشير . وشملت مهام واختصاصات المجلس الثوري، قيادة العمل الثوري والعمل السياسي مع تبني ميثاق سياسي موحد مبني على مواثيق لجان المقاومة والمبادرات الأخرى المطروحة من قبل قوى الثورة . وشهد مايو الماضي بروز ما يعرف بمبادرة تجمع الأطباء السودانيين بالولايات المتحدةالأمريكية وتعرف اختصارًا ب(سابا)، حيث تم آنذاك الإعلان رسميًا عن انعقاد اجتماع مشترك بين تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم، بدعوة واستضافة من مبادرة سابا – تجمع الأطباء السودانيين بالولايات المتحدةالأمريكية، وذلك لنقاش سُبل وإمكانية إنشاء المركز الميداني الموحد بين لجان المقاومة وكل القوى السياسية والتجمعات المهنية والمدنية المناهضة لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، وناقش الاجتماع أثر التنسيق الميداني المشترك على تنويع أدوات النضال وتسريع وتيرة الحراك الجماهيري وضمان تقليل تكاليف الإسقاط والأثر السلبي لغياب التنسيق المشترك على الحراك الجماهيري؛ وأثر العمل الميداني المشترك بلوغًا لأعلى درجات إحكام التنسيق بين الأطراف وتتويج ذلك بالوصول بالحراك الجماهيري بأدواته المتنوعة إلى الإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل) . وتذهب التحليلات إلى أن تلك المبادرات تختلف نوعيًا عن مبادرات الجبهة الثورية وفصائلها لجهة أنها تسعى لتجميع القوى المدنية وإبعاد العسكر على عكس مبادرات الثورية التي ترى ضرورة بقائهم ضمن المشهد، بل واتخذت خطوة عملية أخرى عقب إعلان البرهان انسحابه من حوار الآلية الثلاثية بإعلانها أيضًا عدم مشاركتها فيه، وهو ما اعتبره كثيرون نوعًا من الضغط غير المبرر لإعادة إنتاج المكون العسكري ضمن المشهد السياسي.