هل حُسمت جميع القضايا الخلافية بالتوقيع النهائي؟ نعم تم توقيع الاتفاقية النهائية لسلام جنوب السودان وذلك بعد تداول رؤساء الإيقاد المشاركين في القمة الاستثنائية حول النتائج التي دفعت لهم من الوساطة السودانية، فيما يتعلق بنقاط الخلاف بين الفرقاء فقد تمثلت في حدود الولاياتبالجنوب وكيفية تسيير المراجعة الدستورية، وكيفية سحب القوات المتفق عليها في جنوب السودان ونشر القوات المتفق عليها واختيار الوزارات بين فرقاء حكومة جنوب السودان الجديدة. ونوقشت هذه النقاط جميعها في الاجتماع الوزاري للإيقاد ورفع توصياته بشأنها للقمة التي أجازتها، وأخطر الرئيس سلفاكير بذلك وكذلك بقية الأطراف ومن ثم وقَّع الجميع. لكن واحداً من أبرز قادة المعارضة ومجموعة المعتقلين السابقين باقان أموم لم يشارك؟ باقان مريض وموجود في إحدى المدن الأمريكية لتلقي العلاج ونصحه الأطباء بعدم التحرك لأشهر. لكن لديه تحفظات عن مشاركة دينق ألور باسم المجموعة؟ لديهم بعض الخلافات داخل مجموعتهم ولكن الآن خفَّت حدتها. إذن لا توجد تحفظات من أي فصيل جنوبي؟ كل الأطراف وقعت ولا توجد أي تحفظات. متى ستُشَكَّل الحكومة الانتقالية؟ ابتداءً من اليوم الذي تم فيه التوقيع "الأربعاء الثاني عشر من الشهر الجاري" تبدأ فترة الثمانية أشهر -الفترة ما قبل الانتقالية- ومن ثم تبدأ الفترة الانتقالية، بالتالي خلال ال8 أشهر يجب أن تكون الحكومة الانتقالية قد تكونت. وهل حُسم وضع د.مشار؟ تمت مناقشة هذه المسألة، وتقرر رفع القيود الخاصة بحركة مشار والسماح له بعد ذلك بممارسة حياته بشكل طبيعي باعتبار أنه صار الآن جزءً من آلية الاتفاق في جنوب السودان وصار النائب الأول المرشح في حكومة جنوب السودان. إلى أين سيذهب مشار بعد توقيع الاتفاق؟ هو (حر).. وحسب علمي سيعود إلى الخرطوم، لكن لا أعرف إن كان سيتخذ من الخرطوم موطناً خلال الأشهر الثمانية القادمة أم سينتقل لمدينة أخرى في الإقليم، هذا شأنه. خلال الأشهر الثمانية، ما ضمانات عدم حدوث مشاكل طالما لم تتغير الحكومة؟ الترتيبات الأمنية التي سوف يتم اتخاذها في فترة الثمانية أشهر تتمثل في الشروع فوراً في تجميع القوات في مواقعها الحالية الخاصة بكل فصيل، ويتم الفصل بينها كخطوة أساسية. هنالك آليات موجودة للمراقبة تتمثل في آلية مراقبة وقف العدائيات وهي نفسها التي اخترناها كآلية لوقف إطلاق النار الدائم.. وبالرغم من وجود خروقات، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى تهديد السلام في جنوب السودان، ونأمل أن تتراجع هذه القوات تدريجياً وكلما أحرزنا تقدماً في إنفاذ الاتفاقية كلما سادت روح السلام. كيف تجعلون أو تضمنون أن يكون الاتفاق قابلاً للحياة؟ الضمانة الأساسية التي لدينا هي "المزاج" المختلف تماماً عما كان سائداً إبان توقيع اتفاقية 2015م، وقتها أعلن سلفاكير أنه يوقع تحت الإكراه، وأن لديه تحفظات وسجلها ابتداء من اليوم الأول.. بينما الاتفاقية الحالية تم الوصول إليها بعد حوار وتفاوض "هادئ وسلس" استمر لنحو الشهرين مع مختلف الأطراف للتوصل إليها، وكل الأطراف على قناعة ورضىً تام بها.. أما المسائل التي أثارت مخاوفنا حيال تهديدها للعملية السلمية، مثل موضوع الحدود، أوليناها عناية فائقة وعملنا على تطوير النص الخاص بها باعتبارها قضية حساسة حتى توصلنا إلى نصٍّ جديد أُضيف في الاتفاق النهائي.. ولا يوجد طرف حالياً يعتقد أن لديه نقطة أساسية لم تتم تلبيتها، كما لا يوجد طرف الآن يعتقد أن الاتفاقية الموجودة غير قابلة للحياة والتنفيذ، هذه الضمانة الأولى. أما الضمانة الثانية هي إحساس الجميع بملكية الاتفاقية بمن فيهم دول الإقليم، والتفاوض الذي قاده السودان لم يكن بعيداً عن يوغندا، والبلدان يعنيان الكثير لدولة جنوب السودان ودورهما محوري. كذلك إثيوبيا التي وافقت على نقل التفاوض للخرطوم فيه نكران للذات، كذلك قبول كينيا باستمرار التفاوض في الخرطوم تجنباً لإظهار موضوعات جديدة وفتح موضوعات حُسمت في الخرطوم؛ كل هذا مكَّن المفاوض السودان للوصول إلى هذا الشكل النهائي، ما يعني أن التضامن الإقليمي هو أيضاً يمثل ضمانة. بالإضافة إلى ضمانات الترتيبات الأمنية، ففي السابق نقل مشار إلى جوبا وتم توفير حراسة خاصة له، في وقتٍ ظلّ فيه الجيش كما هو.. حالياً سيُفَكَّك الجيش القديم ويُبنى آخر جديد غير إثنى، وسيعمل على تأسيسه الجيشان السوداني واليوغندي، والآن يتم إعداد المعسكرات بمدينة "جبيت"، وسيتم انتقاء أفراده من قبل قادة الجيش السوداني واليوغندي وفق شروط ومعايير مثل مدى ارتباطهم بالقادة الحاليين حتى يكونوا قادرين على تكوين جيش قومي، هذه القوات سيتم نشرها في جوبا وملكال وكل المدن الكبرى بعد سحب القوات الحالية، لذلك عندما يعود مشار سيجد جيشاً وطنيَّاً سيحميه وكذلك سلفا، وجيش الفترة الانتقالية يُسمَّى "النواة" للجيش الجنوبي. أين المجتمع الدولي من اتفاقكم؟ عندما بدأنا هذه العملية، شهدنا فتوراً من المجتمع الدولي، وعقدنا اجتماعاً مع سفراء دول الترويكا والدول الأوربية هنا بمقر السفارة بأديس أببا بعد يومين من الموافقة على استضافتنا للتفاوض، أبلغتهم فيه بأننا نتوقع أن يسير التفاوض في مسار مختلف تماماً عما كان في أديس أبابا من خلال معرفة السودان بقضايا ونفسيات وشخوص وأسلوب تعامل وخطاب الأخوة في جنوب السودان. وقلنا إن فترة التفاوض لن تستمر لوقتٍ طويل، وأبلغناهم بأننا نريد أن يكون المجتمع الدولي معنا ويدعم هذه المسألة، ولكن على الرغم من كلمات الترحيب والتشجيع التي قالوها، إلا أنه كان واضحاً جداً أنهم يتبعون سياسية سوف (ننتظر لنرى لكننا لن نُقدم على شيء بعدما قدَّمنا قصارى دعمنا للاتفاق السابق)، وقالوا إننا نتجه بهذه المسألة إلى فرض عقوبات من مجلس الأمن الدولي، فضلاً عن اتجاهنا للضغط على قادة الإقليم هنا لتصدر عقوبات ويمنع هؤلاء الناس من التحرك داخله، وأضافوا: لكننا أوقفنا هذه الخطوات لأنكم قلتم ح"تعملوا حاجة"، فضلاً عن موافقتنا بتحرك مشار داخل الجنوب والإقليم وعودته للعب دور مستقبلي في الإقليم وجنوب السودان، هذا قصارى دعمنا، بعد ذلك موقفنا يعتمد على النتائج الفعلية على الأرض. هل ما يزال هذا موقفهم بعد إبرام الاتفاق؟. أبداً، أثناء التفاوض حرصنا جداً على أن يكون المجتمع الدولي في الصورة، نقدِّم لهم تنويراً عن التطورات واتصلنا بعواصمهم، كما اتصلنا بنائب وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان ومساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق ووزيرة الدولة بالخارجية البريطانية، وأبلغناهم بأننا نسير في هذا الخط، وهذا "اتجاهنا" ونريد مساندة.. حقيقة سمعنا منهم كلاماً طيباً ولكن رغم ذلك وفي أحيان كثيرة نسمع أيضاً أصواتاً كثيرة خاصة أمريكا المشككة في استدامة الاتفاقية ومشككة في مقدرة الجنوببين، هذا قبل التوقيع وحرصوا "بالنأي" بأنفسهم عما يحدث. وما الذي تغير؟ كما قلت تواصلنا معهم خاصة بريطانيا، وزارت وزيرة الدولة بالخارجية البريطانية السودان بالتزامن مع اجتماع وزراء الإيقاد وخاطبته وخرجت بانطباع جيد ساعد كثيراً جداً في تحسين الموقف داخل "الترويكا"، ولدينا موعد اجتماع معهم كوزراء الخارجية الإيقاد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن ما يزال الموقف الإجمالي للترويكا إن لم يكن سلبياً فهو "متحفظ".. والملاحظ في بيان الترويكا في حفل التوقيع أنهم توقفوا عن استخدام عبارات الانتقاد القديمة مثل الحديث عن إمكانية عدم استدامة الاتفاق، هذه المسائل تجنبوها، وأن الاتفاق غير قابل للحياة وأن الجنوبيين غير قابلين للتعامل مع بعضهم البعض. وهذه المرة حمل البيان نقداً عنيفاً لمسار وسلوك الجنوبيين أثناء التفاوض مثل خروقات لاتفاق وقف إطلاق النار أو الاعتداءات على موظفي الخدمات الإنسانية، وكان واضحاً جداً أنهم في النهاية ما يزالون يتبنون سياسة الانتظار في أن يحرز الجنوب تقدماً، ومن ثم تأييده. ونحن ما نزال نعيب عليهم هذا الموقف، وننتظر أن يتضامنوا معنا كمجتمع دولي، خاصة الترويكا باعتبارهم الأقرب إلينا لدعم هذا الاتفاق. القائم بالأعمال قال إنه لم يطلع على الاتفاقية؟ أرجو أن يكون الآن اطلع عليها وأرجو أن نسمع منه وجهة نظر. كثيرون يرون أنكم تعجلتم في هذا الاتفاق؟ الذين يتحدثون عن تسرع السودان في مهمته نسيوا أن السودان تولى هذا الملف في ظروف "استثائية" لإكمال اتفاق 2015 الذي كان موجوداً، والمطلوب هو إعادة إحيائه وجعله قابلاً للتتفيذ بعد عامين من اقتراب انهياره. ونحن قبلنا "التحدي" وكنا نعلم تماماً أنه ليس لدينا هامش زمن طويل وأن المجتمع الدولي على وشك استصدار قرارات بعقوبات من قبل مجلس الأمن الدولي، وأنه سيسحب أي تأييد لنا ويطالب بإعادة مشار إلى جنوب إفريقيا، إضافة لذلك فإن العملية ليست جديدة ومن خلال معرفتنا بالأخوة في الجنوب فإن إعطاء انطباع كمفاوضين بعدم "الاستعجال" هو صفة سحرية "للفشل" وواحدة من أسباب فشل العملية في أديس أبابا هي وجود تواقيت طويلة والإحساس بأن التفاوض يمكن أن يأخذ وقتاً طويلاً. وعلى الرغم من أنه لم يحدد لنا سقف زمني مباشر، إلا أنه في السياق العام كنا "مضغوطين" لذلك حددنا أن ننجز المهمة خلال أسبوعين، ومن ثم أخذنا نُمدِّد ب"القَطَّارة" وهذه إحدى أساليبنا في أن نحقق هذا الاتفاق. ما هي الكروت التي امتلكها السودان لإنجاح هذه الجولة؟ معرفتنا بهم والثقة بنا وإحساسهم بالسودان بأنه البيت الكبير، وأنهم طالما أتوا إليه لن يخرجوا خاليي الوفاض، كل ذلك كان سبباً في النجاح.. وكلها كروت استخدمناها فنحن لا نملك قرارات من مجلس أمن ولا يفيدنا فرض عقوبات أو ممارسة ضغوط، تعاملنا معهم كأشقاء، وهمنا إنسان الجنوب وهذا أكبر كرت. ما دور مجلس الأمن الدولي؟ ننتظر من مجلس الأمن الدولي الكثير، وسوف نتحدث إلى الأمين العام للأمم المتحدة خلال اجتماعات الجمعية العامة عن ضرورة تفعيل قوة الحماية الإقليمية المشتركة التي كُوِّنت بقرار من مجلس الأمن الدولي، وأن يزاد تفويضها، وهي قوة أممية تضم "كينيا، روندا وإثيوبيا"، وحريصون على أن ينضم إليها السودان ويوغندا.. وصدر قرار من الإيقاد بذلك لنتمكن من ممارسة دورنا ك"ضامن" وهذا لن يتم إلا بقرار واضح من مجلس الأمن يحدد دورنا فيها واختصاصاتنا فيها. هنالك تخوفات من وجود قوات يوغندية؟ أيضاً كانت هنالك تخوفات من وجود قوات سودانية، هذه المخاوف نتيجة مرارات قديمة، لكننا في الإقليم كبرنا على الاستثمار في مشاكل وصراعات بعضنا البعض. من الذي يدفع كلفة هذا الاتفاق؟ عدة جهات، لأن الاتفاق أصناف وأنواع، الأممالمتحدة ستدفع لقوات المراقبة، والجوانب السياسية نعول على موارد حكومة الجنوب، ونعمل الآن لرفع قدرته في مجال النفط وتعويضات السلام وتكوين آليات تنفيذ الاتفاق. ما هي التحديات التي تواجه الاتفاق؟ في تقديري أكملنا مهمتنا بنجاح كبير وهو نجاح للإقليم بل للقارة وهنالك تحديات كبيرة يجب أن يتصدى لها السودان والإقليم بذات الروح والتضامن ونحن على ثقة متى ما توفرت الإرادة السياسية ستنجح المهة، وأبرز هذه التحديات هي تكوين الآليات الخاصة بالترتيبات الأمنية والسياسية الخاصة بتنفيذ الاتفاق السياسي، لكن التحدي الأمني وإنهاء الحرب هو الأكبر. ماذا أضاف هذا الانجاز للسودان وأين الرئيس الكيني؟ بالتأكيد استطاع السودان تثبيت دوره على مستوى الإقليم، وكلما تحقق ذلك كلما أخذت حصة أكبر في المحيط الدولي والإقليمي، والرئيس الكيني غاب لأسباب خاصة.