لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقوب في وثيقة الدستور الانتقالي لسنة 2022 (2)
نشر في السوداني يوم 02 - 10 - 2022

أشرتُ في الجزء الأول من مشروع الدستور الانتقالي المعد بواسطة نقابة المحامين إلى إغفاله لكثيرا من القضايا الجوهرية، وتفادى الغوص في لجج المسكوت عنها، وهو ما يفرقنا كسودانيين، يجب مخاطبة هذه القضايا التي سكتت عنها عبر صيغٍ تحقق التوافق خلال فترة الانتقال، وكان أبرز ما سكتت عنه الوثيقة مصادر التشريع، اللغة الرسمية، إعادة هيكلة القوات النظامية، تحديد الحكم الفيدرالي أو الذاتي، وبدأت الوثيقة أشبه بعطايا من المركز إلى أطراف السودان حتى تستمر سطوة الدولة المركزية وإن تم إلباسها ثيابًا جديدة، وإن تغيرت المسميات.
لنجاح الحكم الذاتي يجب تقليص صلاحيات السلطة المركزية وحصرها في السيادة والدفاع والعلاقات الخارجية، وتشكيل حكومةٍ صغيرة رشيقة مع توزيع الصلاحيات إلى الأقاليم بما في ذلك حق انشاء الشرطة الإقليمية لتنفيذ القانون وحماية المواطن في كل إقليم والتنسيق مع قيادة الشرطة الاتحادية في القضايا ذات الاهتمام المشترك.
سوف أواصل في عملية النقد والقراءة للدستور الانتقالي لسنة 2022 الذي أعدته لجنة تسيير نقابة المحامين من حيث المضمون والشكل مع التأكيد على شكر اللجنة على مجهودها وضرورة التعامل معه كمبادرة تمثل جهة أرادت رمي حجر في بركة سياسية ساكنة.
في هذا الجزء من المقالة سيكون التركيز على المسائل الفنية والإجرائية، مع أن الفصل بينها في الغالب يكون فصلًا للتعريف مع التداخل الفني فيما يتعلق بالصياغة وربطها بالأفكار.
اتسمت صياغة الدستور الانتقالي بالركاكة والالتباس في عدة مواضع، مثلما اتسمت الوثيقة في مواضع أخرى بالحشو والزوائد وضياع كثير من المفاهيم وسط هذه الركاكة.
ملاحظات فنية ولغوية
يبتدر مشرعو أي وثيقة/ اتفاق/ إعلان سياسي؛ بكتابة ديباجة تلخص الأفكار في مقدمة قصيرة، تسمى ديباجة، وحسبما جاء في معجم المعاني الجامع أن (دِّيباجَةُ في القانون الدولي): ديباجةُ المعاهدة: مقدّمةٌ تتضمَّن ذكر الدَّواعي والأَغراض التي دعت إلى عقدها.
جاءت الديباجة في مشروع وثيقة الدستور الانتقالي طويلةً ومكررة وملتبسة منذ أسطرها الخمسة الأولى، (إيمانًا منّا بثورةِ ديسمبر 2018م المجيدةِ وانطلاقًا من مَبَادِئِها فِي الحُريةِ والسلامِ والعدالةِ؛ ووفاءً لدماءِ شهدائِنا الكرامِ، وتقديرًا لمعاناة الجرحى والمفقودين وأسرهم؛ وَاسْتنادًا لدستورِ 1956م المؤسسِ للدولةِ السودانيةِ، ودستورِ 1985، الحاكمِ قبل انقلاب 30 يونيو 1989م؛ وَاعتبارًا بدروسِ الحركةِ الوطنيةِ ونضالاتِ الشعبِ السودانيِّ في ثورَتَيْ أكتوبر 1964 وإبريل 1985م؛ واستفادةً منْ تجربةِ الفترةِ الانتقاليةِ التي أعقبَتْ سقوطَ نظامِ الثلاثينَ من يُونيو 1989م وإلى وقتِ إجهاضِهَا في 25 أكتوبر 2021م؛ وَإصرارًا على إِسْقاطِ انقلابِ 25 أكتوبر 2021 ونتائجِهِ، والقضاءِ نِهَائيًا عَلى الانقلاباتِ العسكريةِ، وعُنْفِ الدولةِ؛ والاسْتبدادِ والطغيانِ، وحُكْمِ الفَرْدِ، الذي عَطَّلَ مَسِيرَةَ المشروعِ الوطنيِّ والبِناءِ والتطورِ والتنميةِ المتوازنةِ). يمكن ملاحظة التكرار الممل، لعبارات مثل انقلاب 25 أكتوبر 2021 ويونيو 1989، حيث تكررت بتواريخها خمس مرات عبر خمسة أسطر، وكان يمكن تلخيص كل هذا (الحشو) في العبارات التالية (إيمانًا منا بقيم وشعارات ثورة ديسمبر 2018 المجيدة، المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة، ووفاءً لدماء الشهداء، وتقديرًا لتضحيات الجرحى والمفقودين وأسرهم/ن، واستنادًا على دستور 1956 المعدل سنة 1985، واستلهامًا لنضالات وتجارب الحركة الديموقراطية وجماهير شعبنا في ثورتي أكتوبر 1964 وإبريل 1985، واصرارًا على إسقاط انقلاب 25 أكتوبر 2021 وإغلاق الطرق أمام المغامرين والطغاة والشموليين).
جاء في الباب الأول- طبيعة الدولة (1) جمهورية السودان دولة ديمقراطية فيدرالية، تتعدد وتتعايش فيها الثقافات والإثنيات واللغات والمذاهب والأديان؛ نظام الحكم فيها نظام برلماني، وتقوم الحقوق والواجبات فيها على أساس المواطنة دون تمييز بسبب الإثنية، أو الدين، أو الثقافة، أو اللون، أو اللغة، أو النوع، أو الوضع الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو الإعاقة، أو الانتماء الجهوي، أو بسبب أي تمييز أيًا كان.
بعيدًا عن الحشو اللُّغوي والزوائد والتكرار، ثمة خطأ مفاهيمي ورد في هذا النص، فالفيدرالية هي شكل حكم ونظام إداري يمكن تطبيقه في أي نظام ديموقراطي أو دكتاتوري؛ إلا إذا ما ارتبطت الفيدرالية بالحكم الذاتي الموسع، هنا تحتاج إلى نظام ديموقراطي حقيقي يؤمن بتوزيع السلطات والمؤسسية، وبسط قيم العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، كان يمكن اختصار كل الفقرة المرتبطة بطبيعة الدولة في عبارة ملخصها (السودان دولة مدنية ديموقراطية تتعدد فيها الثقافات والأديان واللغات والأعراق، شكل الحكم فيها فيدرالي، تتأسس فيه الحقوق على المواطنة، ورفض كل أشكال التمييز العنصري أو الاجتماعي، أو النوعي، أو الثقافي أو المكاني، أو الديني، أو الإعاقة.)
ثمة التباس آخر، وفي ذات السياق، ويتمثل في ذكر (نظام الحكم فيها نظام برلماني) مع العلم أن النظام البرلماني ليس نظام حكم لكنه نظام انتخابي، مثل أن نقول نظام انتخابي رئاسي، أو برلماني، أو نظام مختلط، تحدد قوانين الانتخابات (إجرائيًا) كيف يتم اختيار الرئيس/ رئيس الوزراء؟ وورد في البند ((3) الدولة السودانية دولة مدنية، تقف على مسافة واحدة من كل الأديان وكريم المعتقدات)، هنا يبدو النص محايدًا، وكان الأفضل الإشارة إلى دور إيجابي يؤكد احترام الأديان وكريم المعتقدات بدلًا عن النظر من علٍ، لا سيما في بلد تشغل فيه الأديان والمعتقدات مساحات كبيرة، كان الأفضل القول (السودان بلد متعدد الأديان والمعتقدات، وتؤسس فيه الحقوق والواجبات على المواطنة، وتحمي الدولة وفق القوانين حرية العقيدة، وتحترم خيارات المواطنين وحقوقهم/ن الكاملة في ممارسة شعائرهم/ن وبناء مؤسساتهم/ن الدينية.)
ورد في الفصل الثالث من الباب الثاني المتعلق بالحقوق الأساسية، الحق في الجنسية
(1) لكل مولود من أم أو أب سوداني حق لا ينتقص في التمتع بالجنسية السودانية.
(2) يجوز لأي سوداني أن يكتسب جنسية بلد آخر حسبما ينظمه القانون.
(3) تراجع الدولة عمليات التجنيس التي جرت منذ 30 يونيو 1989م وحتى تاريخ هذا الدستور.
يبدو البند الثالث الوارد هنا؛ أشبه بقرار سياسي أو حتى سيادي، لا يوفر الدستور مساحات لاتخاذ قرارات، أو تحديد تفاصيل يجب أن ينظمها القانون، أو أن تصدر عبر قرارات سياسية أو إدارية يتم اتخاذها بواسطة الأجهزة التنفيذية،
كما يمكن معالجة النص بإلغاء الجند الثالث، وتضمين نص يؤكد على حق الحصول على الجنسية بالتجنس، وفق ما ينظمه القانون مع حق السلطات نزع الجنسية السودانية المكتسبة بالتجنس؛ بإجراءات قضائية).
يقودنا موضوع الجنسية إلى قضية أخرى ذات صلة، ولا تخرج عن سياق تعريف المواطن والجنسية والمواطنة، والحقوق المتساوية، وتتمثل القضية في مسألة العنصرية، أو التمييز العنصري.
العنصرية من القضايا الخطيرة التي تنمو وتنتشر بسرعة؛ مع ارتفاع أصوات الكراهية التي تؤجج من نيران الفتنة بين السودانيين، ويجب أن تمنح الدولة الأمر اهتمامًا بتضمين نصوص في الدستور تلتزم فيها بمناهضة كافة أشكال التمييز العنصري، واعتبار العنصرية جريمة يعاقب عليها القانون، مع دعم وتشجيع منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجالات مناهضة التمييز العنصري.
سكت مشروع الدستور عن موضوع ممارسة أفراد القوات النظامية للسياسة أثناء خدمتهم في العسكرية، ومثلما تحدث الدستور عن فصل الجيش كمؤسسة من السياسة يجب النص دستوريًا على منع أفراد القوات النظامية من ممارسة العمل السياسي وحظر ترشحهم لأي مناصب دستورية أو تشريعية أثناء فترة خدمتهم في المؤسسات العسكرية.
أوردت هنا أمثلة قليلة لنصوص ملتبسة ما بين المفاهيمي والإجرائي، أو اتسمت بالركاكة بسبب الحشو والزوائد والتكرار الممل، لا أود هنا أن أزحم القارئ بتفاصيل قد تكون له مملة، لكني أهدف إلى ضرورة مراجعة كل الوثيقة بغرض ضبطها وإحكامها لغويًا وفنيًا.
هندسة اجتماعية
الدستور عقد اجتماعي لتحقيق مساومة بين الأفراد والدولة؛ تتنازل عبرها الأطراف المتعاقدة لتؤدي الدولة مهامها عبر ثقة المواطن، ويستقل فيها المواطن بحقوقه وحرياته الفردية والعامة.
كان الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، أول من ابتدر مواثيق الهندسة الاجتماعية وأطلق عليها العقد الاجتماعي، وهو: «يضع كل واحد منا شخصه وجميع قوته شركة تحت إدارة الإرادة العامة ونحن نتلقى — كهيئة — كل عضو كجزء خفي من المجموع.» والآن يؤدي عقد الشركة هذا إلى هيئة معنوية مؤلفة من أعضاء بمقدار أصوات المجلس، وذلك بدلًا من الشخصية الخاصة لكل متعاقد، ومن ذلك العقد تنال هذه الهيئة وحدتها وذاتيتها المشتركة وحياتها وإرادتها، وكان يطلق اسم المدينة على هذا الشخص العام الذي يؤلف، على هذا الوجه، من اتحاد جميع الآخرين، فيسمى اليوم «جمهورية» ضاع معنى هذه الكلمة الحقيقي في الأزمنة الحديثة ضياعًا تامًا تقريبًا، فيطلق معظم الناس الميثاق الاجتماعي أو «هيئة سياسية»، وهي ما يسميه أعضاؤها «دولة» إذا كانت منفعلة، و«سيدا» إذا كانت فاعلة، وسلطانًا إذا ما قيست بأمثالها".
ويشير روسو، في عقده إلى هندسة العلاقات بين الشعب والسلطة، وهذا يحتاج إلى تطوير جديد وفقًا للسياقات الزمانية والمكانية. من هنا نشدد على أهمية التمثيل الإثني، الجغرافي، الديني، السياسي، الأكاديمي عند عملية صناعة الدستور في السودان، ليس بالضرورة مشاركة واسعة من حيث العدد، بل فإن الأمر الأكثر أهمية هو المشاركة النوعية والتمثيل الشامل.
ولاستمرار التعاقد بنجاح تتنازل السلطة للشعب بحرية اختيار الحكام عن طريق الانتخاب المباشر، وأو البرلماني، ولكي نضمن اتساع قاعدة المشاركة يجب اختيار رئيس الوزراء الانتقالي بواسطة نواب المجلس التشريعي على أن تقدم القوى السياسية الملتزمة بالوثيقة خمسة أسماء يتم اختيار أحدهم/ن لشغل المنصب.
يمكن أخذ تجربة الدستور الأمريكي باعتباره الدستور الأقدم في العالم، فقد بذل المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية مجهوداتٍ جبارة من أجل التوصل إلى وثيقة حاكمة تمثل القانون الأعلى الذي يحدد نوع الحكم وطبيعة الدولة بعد أن نالت استقلالها من بريطانيا في الرابع من يوليو1776، بعد أن تواثقت 13 ولاية استقلت حديثًا على الدستور الكونفيدرالي، الذي تمت صياغته في المؤتمر القاري الذي عقد من منتصف 1776 إلى نهاية 1777.
أمضى الآباء المؤسسون بعد ذلك أحد عشر عامًا لكتابة مسودة الدستور الفيدرالي، والحوار حولها ثم التوقيع عليه وسريانه في عام 1789 بمدينة فيلاديلفيا في ولاية بنسلفانيا.
بلغ عدد المدعوين للمشاركة في الحوار والنقاش حوالي 71 شخصًا لكن شارك في حضور كل الجلسات 55 مشاركًا، ووقع على الوثيقة النهائية 36 شخصًا، من الملاحظات المهمة أن كل المشاركين كانوا رجالًا من البيض.
إعلان دستوري أم دستور انتقالي؟
لم يكن المحامي الأستاذ نبيل أديب غائبًا عن مشهد النقد للدستور الانتقالي، الرجل قانوني معروف، يختلف الناس أو يتفقون حول مواقفه، وهذا بحره الذي فيه يسبح. رأى نبيل، في تصريحات صحفية (أن تأسيس إعلان دستوري يتم بموجب الدستور الدائم وعبر آلية مفوضية دستورية والمؤتمر الدستوري ولا يتم من جهة واحدة، مشيرًا إلى أن المرحلة الحالية انتقالية والعودة لها تستلزم العودة للوثيقة الدستورية ولو بالتعديل.)
وقطع أديب بعدم علمه بمشروع الإعلان الدستوري الذي ستطرحه مركزية الحرية والتغيير لإقامة سلطة مدنية ديمقراطية، مشددًا على أن عيب الوثيقة الدستورية كان في عدم تنفيذها، لافتًا إلى إمكانية تعديل المواد المتعلقة بالشراكة مع العسكريين بعد قرار انسحابهم من السياسة، وهي مواد تكوين مجلس السيادة وتكوين المفوضيات. وتابع: (يجب تعديل هذه المواد بالنقاش لا بالأحكام المطلقة).
ثمة رأي لخبراء قانونيين يحمل رؤية مخالفة لرؤية نبيل أديب، حول الوثائق الدستورية الانتقالية؛ فبحسب أستاذ القانون العام في مصر، أيمن سلامة، فإن الإعلانات الدستورية خلافًا للدساتير الدائمة للدول "تصدر عن سلطة الأمر الواقع"، وهي وثيقة مؤقتة طارئة وضعت "لمواجهة ظروف وأحوال استثنائية تعصف بالبلاد". موقع اسكاي نيوز عربية. ويهدف الإعلان الدستوري، قانونيًا، إلى "الحفاظ على الوحدة الإقليمية للبلاد واستقلالها وأمنها في الداخل والخارج، بفرض أن الظروف الاستثنائية العارضة التي تهدد أمن البلاد يمكن أن تشكل ذريعة أو مطمعًا لقوى خارجية أو داخلية".
لا توجد قاعدة قانونية تحدد نوع الوثيقة التي تدير الفترة الانتقالية، وليس مهماً أن تكون الوثيقة دستورًا أو أن تكون إعلانًا لكن المهم هو مضمون ومحتوى الوثيقة، ومداها الزمني، لم تقل نقابة المحامين إنه دستور دائم، معروف أن مسألة إعداد وصناعة الدستور الدائم تختلف تمامًا عن الدستور أو الإعلان الانتقالي، نعم تتشابه مراحل الترتيبات الفنية والكتابة لكن للدستور الدائم آليات مختلفة لإجازته، فبعض الدول تطرح الوثيقة على الشعب للاستفتاء عليها، وبعضها تطرحه على المجلس أو البرلمان المنتخب، أما في مرحلة الانتقال فالمطلوب هو التوافق بين القوى السياسية والمجتمعية المؤثرة في الحراك والثورة وعملية التغيير.
لم يخرج موقف الأستاذ نبيل، عن مواقف القوى السياسية التي ركزت على المسائل الإجرائية، أو الجهة التي كتبت الدستور، وللمفارقة أن جهات سبق أن شاركت في سلطة تأسست على دساتير انتقالية؛ مثل دستور 1985 الانتقالي، الذي أعدته لجنة ضمت ممثلين من التجمع النقابي، التجمع الوطني وممثلين للقضاء العسكري، وتمت إجازة الدستور الانتقالي في اجتماع مشترك بين المجلس العسكري الانتقالي ومجلس الوزراء، ثم كان دستور 2005 الانتقالي، وكانت غلبة لجنة الصياغة فيه لعناصر من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وحكم الشريكان فترة السلام الشامل من 2005 حتى 2011.
ليس المهم مسمى الوثيقة، (إعلانا أم دستورا؟) بقدر تنفيذ ما حوته من مضامين في بلد مجبول ساسته على سنن نقض المواثيق والعهود، فدولة عظمى مثل بريطانيا لم تكتب فيها وثيقة دستورية رغم تاريخها الاستعماري وقدم دولتها، فظلت تحكمها أعراف ملكية وليبرالية لم يحتاج ساستها إلى ورق مكتوب كي يؤكدوا التزامهم بمبادئ اتفقوا حولها.
مؤتمر تأسيسي
أيضاً يتطلب تحقيق إجماع شعبي أو توافق سياسي بعقد مؤتمر تأسيسي لإجازة الوثيقة بمشاركة ممثلين وممثلات لشرائح ومجموعات سياسية واجتماعية ونوعية حتى نتمكن من الخروج من ضيق صناديق النخب إلى آفاق الجماهير، والانفكاك من سطوة الشُلل، إلى رحابة الجموع.
ثمة أمر آخر؛ يتمثل في أن عقد المؤتمر التأسيسي سيخلق منافذ يتسرب عبرها الهواء الساخن المكبوت في النفوس بسبب الشحن وخطاب الكراهية المتواتر، وتصاعد الصراعات الإثنية في مناطق واسعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.