وبعض الأطباء شخصوا بعض الحُمِّيات على أنها بسبب نوع من فايروسات الحُمِّيات النزفية؛ ورجحوا على أنها "حُمَّى الضنك" والناقل الأساسي هو البعوض. إذن، العلة الأساسية في تفشي هذا المرض بغض النظر عن ماهيته، هي البعوض، الذي لم تفلح جهود الولاية – المعلولة - التي أتت متأخرة في محاربته، بعد الفيضانات التي اجتاحت المدينة مؤخراً. الحُمِّيات التي تنهش جسد كسلا الوريفة، أكبر من إمكانيات حكومة الولاية؛ بل أكبر من إمكانيات الحكومة الاتحادية.. هل تصدقون إن قلتُ لكم: إنه لا توجد معامل في الولاية لتشخيص "حمى الشيكونغونيا"، وحتى في الخرطوم توجد فقط معامل بالكاد تُعَدُّ على أصابع اليد الواحدة. إذن، لماذا لم تعلن الولاية أن ما يحدث في كسلا هو حالة وباء، حتى تتدخَّل المنظمات الدولية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ بل لماذا تطمئن الولاية ووزارة الصحة الاتحادية مُمثَّلة في وزيرة الدولة بالصحة الفريق د.سعاد الكارب، بأن الوضع تحت السيطرة؛ والمرض في تناقص؟.. بينما يشتكي مواطنو الولاية لطوب الأرض من ارتفاع وتيرة المرض، حتى أصبح هاشتاق #كسلا_تحتضر أكبر هاشتاق تفاعلي في البلاد هذه الأيام، وصار أبناء الولاية داخل وخارج السودان يجمعون (التبرعات النقدية، والأدوية، وطلمبات الرش؛ والمبيدات)، لإغاثة أهلهم المنكوبين، بينما تكفَّل أمس أحد أبناء كسلا البررة باستجلاب طائرات لرشِّ المدينة، في وقت نصحت فيه ولاية الصحة الاتحادية حكومة الولاية بعدم رشِّ الولاية بالطائرات لأنه لا يجدي نفعاً ولن يُقلِّل من الإصابة بالمرض!!! بينما عزا فيه بعض المواطنين، إن سبب منع الرش بالطائرات إلى تجنب إصابة الدواجن في المزارع بمبيدات الرش!!! عجبي هل أرواح الدجاج أغلى من أرواح البشر؟.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الوضع حتى ليل أمس، كان مأساويَّاً بمعنى الكلمة.. تقول مصادري الطبية، إن مستشفى كسلا التعليمي ممتلئ تماماً بالمرضى، وبه ازدحام بصورة كبيرة، وضاقت المساحات؛ حتى أصبح هناك ضيق في التقاط الأنفاس، حيث تم إغلاق حوادث الأطفال وتحويل المرضى إلى مستشفى الكويتي.. بالأمس تم إحضار طفلين يعانيان من أعراض الحُمَّى النزفية من إحدى قرى كسلا. وتم أخذ عينة من أحد الطفلين - الذي كان دمه يملأ الأرض - من قبل وحدة الوباءات؛ التي رابطت عربتها أمس بالمستشفى بعد ارتفاع حالة الرعب والخوف في المستشفى من قِبَلِ الأطباء، الذين لا يملكون حولاً ولا قوةً لمجابهة هذا الوباء؛ في ظلِّ شُحِّ إمكانات مستشفى كسلا. وفي وقت متأخر من ليل أمس انتقل هذا الطفل إلى الرفيق الأعلى. وللأسف توفي الطفل الثاني أيضاً؛ بينما كان أهله يهمُّون بالخروج به من المستشفى؛ لعلاجه في مستشفى خاص، نسبة للمضاعفات الكبيرة التي ألمَّت بطفلهم الراحل – جعلهما الله شفيعين لذويهما وربط على قلوبهم –. حوادث الأطفال مساء أمس، كانت تخلو من الأطباء؛ الذين طاروا يخافون على أنفسهم من حالة العدوى في عدم وجود احترازات طبية كافية لهم. فلقد راح ضحية المرض قرابة 5 كوادر طبية بالمدينة بسبب الحُمَّى، التي فتكت بصفائحهم الدموية؛ فالمُعدَّل الطبيعي للصفائح الدموية للإنسان الطبيعي يكون ما بين (150/450)؛ إحدى العاملات في الكادر الطبي قبل أن تصعد روحها للمولى عز وجل؛ وصل معدل آخر فحص لصفائحها إلى (8). ويقول بعض الأطباء إن عدد الوفيات لا يقل عن (100) حالة، بينما الولاية والحكومة الاتحادية لم تُعلن عن أيِّ وفيات. بل ترفض مجرد إعلان حالة الطوارئ للوباء، على الرغم من التحذيرات العديدة السابقة من قبل المختصين بضرورة القضاء على المياه الراكدة، والحيوانات النافقة التي خلَّفتها الفيضانات، وبالتالي القضاء على البعوض؛ ومكافحة انتشاره، فهو السبب الرئيسي لانتشار الفايروس الوبائي. ما يحدث في كسلا الآن، بلا أدنى شك، فشلٌ ذريعٌ لحكومة كسلا بقيادة واليها جماع - الذي يكنكش على كرسيه كحُمَّى الكنكشة – في التعامل مع الوباء، وتقاعسه عن القيام بمهامه، هو وأركان حربه في القضاء على البرك الآسنة. هل يعتقد جماع أن إعلان كسلا منطقة وباء، سيُفقده كرسيَّه؟ يجب على الولاية إعلان كسلا منطقة وباء، بدلاً عن هذا التستر، فإعلانه حالة الوباء يضمن توفير الأدوية مجاناً، خصوصاً أن معظم مواطني الولاية من البسطاء الذي لا يملكون تكلفة العلاج، حتى صار الأطباء بالمستشفى يجمعون (الشيرنق) لشراء الدربات والبندول للمعدمين منهم. كذلك ينادي بعض الأطباء بضرورة إعلان حالة الوباء في كسلا، لأن التعامل مع أيِّ وباء له قواعد معينة تُتَّبع، خصوصاً الحُمِّيات النزفية، لأن لديها برتوكولات معينة تُتَّخذُ في مواجهتها، وقالوا إن الركون فقط لتشخيص المرض على أنه "الشيكونغونيا" يمكن أن يكلف المواطنين انتشاراً أوسع للمرض ووفيات أكثر بينهم، لأن ما يجتاح كسلا ليس "الشيكونغونيا" وحدها، إنما وجود أحد أنواع الحُمِّيات النزفية، مع إمكانية تزامن انتشار المرضَيْن. وضرورة عزل مرضى الحميات النزفية وهو إجراء ضروري ويجب تطبيقه بصرامة، لأن بعض الفيروسات تنتقل عن طريق الهواء أيضاً. ليعلم الوالي أن ما يحدث في ولايته لم يكن يحدث في العديد من الفيضانات التي اجتاحت كسلا منذ عشرات السنين. التدهور العام البيئي؛ صار العنوان البارز في كسلا، فتحوَّل جمالها إلى قبح، فالقاذورات و(الكوش) في كل مكان، على الرغم من الجبايات التي تطال الجميع، ولكن (كل عام تُرذلون). وصار الناس يبنون المنازل في مجاري السيول. لنترحم على أرواح جميع الضحايا – جعلهم الله في عليِّين وألهم أهلهم وأصحابهم وجيرانهم الصبر الجميل –؛ وكل هذه الأرواح الغالية في عنقك يا جمَّاع، وفي عنق المجلس التشريعي الذي لا يُحرِّك ساكناً؛ ويجلسون في أبراجهم العالية، وكأنهم قادمون من كوكب آخر، وليس كسلا الحبيبة. أقول لهم جميعاً (ارحلوا غير مأسوف عليكم، تُطاردكم الدعوات واللعنات، أنتم لستم بجديرين أن تكونوا في كسلا الجميلة، فشعبها لم يجد منكم الدَّواءَ ولا الهناء.. اغربوا أيا من قد حجبتم الخير عن أبنائِنا)!. ولنردد مع الشاعر المرهف عبد الوهاب هلاوي: كسلا كفارة وسلامة عين وصابت نجمه غابت.. في الجبل حزنت غمامة كسلا كفارة وبريه للأزاهر.. للخمايل للشوارع.. للمنازل للصباحات الندية.. للمساجد.. للمآذن للخلاوي.. وللمدارس لي عيون طفلة بتراجع واجباتها المدرسية.. كسلا كفارة وبريه... كسلا آسف يا اخي جدّا لي جراحك.. لي مصابك رحمة لي يوم القيامة كسلا كفارة وسلامة حبي ليك لو كان بِكفّي كان مليت من دمعي كفّي وطرت بيك في الجو يمامة.. شن اقول وأنا كلّي حسرة الصبر يا كسلا حبة إن بعد العسر يسراً ويا الحسن ليك استغاثة كسلا تلحق ليَّ ناسا الغمام يغسل دموعا والنسيم يرفع فروعا