يُروى يا ولاية الخرطوم بحسبانك قدوة لكل مُدن ولاية السودان أن جمال الباطن يُزيِّن الظاهر، لكن عاصمتنا مع الواقع المشين الآن المنعكس بجلاء في سعة رقعة التلوث، وأكوام القمامة المتراكمة كجبال الأماتونج، ومستنقعات المياه في الشوارع والأسواق والمناطق الصناعية، نخشى أن تُصاب عيون مواطنيها بمرض (الموية السوداء)، ولِمَ لا؟ فأنَّى اتجهنا إلى قلب المدينة المائج بالنشاط، أو سرنا على الطرقات الرئيسية، أو داخل الأحياء والحارات؛ فإن الإيذاء البصري سيتمخض في ذهاب نور عيوننا، ونجد أنفسنا في ظلمات لا نبصر شيئاً، إسناد حالة التباطؤ في تحسين الوضع وتجميل الصورة إلى ضعف الإمكانات؛ لا يبرِّر استمرار هذا الوضع المزري، ألا تخشى الولاية من أن يُقبِّح ظاهرُها باطنَها، اتساخ البيت يعني اتساخ ساكنيه لا محالة. لقد خرجت مدن وعواصم كثيرة من قوقعة العفن والتلوث والقبح بفضل أصحاب الهمم العالية، والمشاعر الوطنية الدافقة، إذ شمَّروا عن سواعدهم، وكفُّوا أثوابهم إلى أعلى الساقين، واستنفروا المواطنين، واستثمروا المتاح من الآلات والمعدات السليم منها والمتواضع، وحققوا بذلك إنجازًا هائلاً أعادوا به الرؤية البصرية إلى الإشراق والراحة النفسية، أما من يُعلِّقون الإهمال أو البطء في عملية التجميل إلى حالة العوز وضعف التمويل؛ فإنهم يزيدون (الطين بلَّة)، بمعنى أن تتحول الطرقات إلى أنهار، والنفايات إلى ناطحات سحاب، ونابشوها إلى (أسانسيرات) ينبشون أعاليها قبل أسافلها فتنهار وتنتثر كانتثار الرماد يوم ريح؛ فيصعُب حينها الاستنشاق، ولن تقي المواطنين ساعتئذٍ (كمامات كوفيد 19). يا ولاية الخرطوم، مدينتكم تتوسَّد بتقدير وكرم الله عز وجل خاصرتي نهرين من أطول وأعظم أنهار الدنيا، ماؤهما عذب زلال، ترقُد في حضنيهما كما الرضيع في حضن والديه، ألا تستحق بذلك مضاعفة العناية بها دون انتظار لتمويل حكومي في ظل عهد (اللادولة)، يلزمنا مراعاة هبة الله إلينا شكرًا له سبحانه وحمدًا، وإلا استحال الأمر نكرانًا وجحودًا. ونهديك يا ولاية الخرطوم معلومة أوردتها عدة مواقع إسفيرية حول تطور بلد إفريقي اقتتل مواطنوه في صراع قبلي مجنون حتى أوشكوا أن يفنوا جميعًا، ثم نهض معتمدًا على إمكاناته المتاحة فأحدث نهضة إعجازية خلال سنوات قليلة، يقول راصدو حركة التطور الرواندي: حازت العاصمة كيجالي لقب: (أنظف عاصمة إفريقية) بعد تبنِّي سياسة (أومجاندا) التي تقتضي أن يخرج جميع سكان العاصمة يوم السبت الأخير من كل شهر لتنظيف شوارع مدينتهم من رئيس البلاد حتى أصغر طفل". نهج مُبسَّط أخرج (كيجالي) من كبوتها ورفعها إلى مقام العواصم المتحضِّرة، أفتعجز ولاية الخرطوم عن تطبيق مثل هذه السياسة (صعبة دي) يا معالي الوالي أيَّدك الله؟!. يقال يا من يهمهم الأمر إن صلاح الباطن والاهتمام به يُضفي على الظاهر ضياء ونوراً وجلالاً وجمالاً وبهاءً، قال ابن القيم: "جمال الباطن يُزيّن الصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال، فتكسو صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسب روحه من تلك الصفات، فإن المؤمن يُعطى مهابة وحلاوة بحسب إيمانه، فمن رآه هابه، ومن خالطه أحبه". إذن فإن من تجمّل باطنه استنار ظاهره، فإن كانا كذلك؛ تجانساً في الصورة وتطابقاً في الصفات.