نشر أستاذ النقل البحري بجامعة البحر الاحمر المستشار الاقتصادي الأسبق لهيئة الموانئ البحرية، د. أمين موسى الحاج، قصاصات رائعة بعنوان (الموانئ البحرية السودانية بين التخصيص لموانئ دبى العالمية والتشغيل على أسس تجارية)، اسهب فيها الحديث عن ضرورة الشراكات في مجالات الموانئ البحرية وتناول بشيء من الخوف والتوجس تجربة شركة موانئ دبي العالمية في بعض الموانئ. وبحكم رصدي ومتابعتي لأداء الشركات المشغلة للموانئ في المنطقة الافريقية والعربية وزيارتي لرئاسة شركة موانئ دبي العالمية وإطلاعي لتجربتها عن قُرب، رأيت انه من المهم ان اكتب هذه الحقائق الغائبة عن كثيرين في موضوع الشركة لإجلاء بعض الحقائق ولتوضيح بعض الالتباسات التي حوتها قصاصات د. أمين لما لها من أهمية خاصة لكونها قصاصات يكتبها وينشرها رجل خبير في علوم النقل البحري. لقد ذكر الدكتور أمين: (أن من ضمن الموانئ التى تديرها دبي خمسة من الموانئ فى حوض البحر الاحمر!!.. فضلا عن رشح من انها تحاول أن تضيف الى ذلك العدد ميناء بورتسودان، فان ذلك امر يدعو للتساؤل وربما الاستغراب حيث زيادة العبء والالتزام الذي يترتب على ذلك فى ظل محدودية حجم التجارة المتداولة في المنطقة والتي أراها لا تتجاوز الثلاثة إلى خمسة ملايين حاوية على اكثر تقدير). ربما فات على الدكتور ان دبي لا تعتمد ولا تعمل وفقاً لحجم التجارة المتداولة فحسب، بل تنظر لحجم الامكانات غير المستغلة أو المعطلة بسبب سلسلة النقل أو رداءة الخدمات من نقل وتخزين ومناولة وغيرها، وترى أن حوض البحر الأحمر به فرص تجارية هائلة لم ولن تستغلها موانئ الحوض ما لم يتم تطويرالبنى التحتية والآليات الملائمة للإنتاج والنقل حول مراكز التصنيع والإنتاج، وهو ما تصبو إليه من خلال سعيها المتواصل في الحصول على امتياز لإدارة وتشغيل الموانئ السودانية، وكما ذكر د. أمين أن حجم تجارة إفريقيا في الاقتصاد العالمي لا تتجاوز حاليًا ال 3%، لكن كل المؤشرات تبين ان فرص افريقيا التجارية من المتوقع أن تأخذ حيزًا مهمًا من التجارة العالمية وبنسب تقترب من 5٪، وكذلك الارتفاع المنتظر في التجارة البينية بين الدول الافريقية وذلك بتفعيل مناطق التجارة الحرة وتسهيل تنقل البضائع والأشخاص عبر المعابر بين الدول، وتسعى كثير من دول افريقيا لاقامة موانئ تجارية بالتنسيق والتعاون مع العديد من الشركات العالمية عبر تقديم تسهيلات متنوعة مما يضع السودان امام تحدٍ في كيفية الاستفادة من هذا النمو الاقتصادي المنتظر وامامنا فرصة سانحة للمنافسة في النمو التجاري المتوقع في القارة خلال الثلاثين او الاربعين سنة القادمة، ولن يتأتى ذلك الا باستثمار جاد ومقتدر لدعم وتطوير البنية التحتية والفوقية لموانئنا. أيضاً ذكر د. أمين: (أن العديد من الدراسات ترى ان ميناء بورتسودان لا حظ له في تجارة المسافنة (transshipment) لوجود ميناء جدة الذي توجد به ثلاث محطات للحاويات الأولى والأكبر تديرها موانئ دبي العالمية اما المحطتان الأخريان فانهما تداران بواسطة شركتين وطنيتين)، ثم تساءل د. أمين: (فكيف يستقيم ان تسعى دبى إلى ذلك وهي المنوط بها تطوير ميناء بورتسوان حسب عقد الامتياز والذي يوقع في مثل هذه الاتفاقيات، والذي يكون دائما لمدة تتجاوز الثلاثة عقود في معظم الاحوال!! فبالطبع لن تسمح باقتطاع جزء من حصتها مهما كانت الظروف)، وبحكم اطلاعي لرؤية شركة دبي العالمية أشير إلى ان فلسفة دبي لا تقوم ولا تعتمد في دراستها المرجعية على المسافنة وحدها لأن المسافنة نشاط مرتبط بعمليات الخطوط الملاحية علاوة على ان التجربة اثبتت لها ولكل الشركات المستثمرة في مجالات الموانئ ان المسافنة لا تحقق معدلات ربحية لكثرة المنافسة عليها وان المحطات التي تحقق معدلات عالية من المسافنة تبقى المحطات الخاصة لشركات الملاحة لانها تعتبر جزءا من منظومة كلفة التشغيل وليست جزءا من منظومة العوائد لهذا تنظر دبي للسودان بغض النظر عن الموانئ المجاورة كبلد له إمكانات واقتصاد ومقومات غير مستغلة للتصدير وفرص لخلق قيمة مضافة للصادرات ترفع من الطلب على الواردات وتهدف لربط ميناء بورتسودان بشبكة أوسع من الموانئ العالمية عبر الرفع من طاقة البواخر التي ترسو بميناء بورتسودان مما سيفتح آفاقا جديدة للتجارة السودانية عبر توسيع شبكة الربط المباشر للسودان مع دول عالمية وليس لاغراض الاستثمار في مجال المنافسة على المسافنة التي لا حظ للسودان فيها الآن ومن غير المتوقع ان يكون له فيها حظ في المستقبل المنظور، لهذا تجدني مندفعًا جدًا ومرحبًا بشركة موانئ دبي العالمية في السودان ليقيني الذي لا يساوره ادنى شك ان بشراكتها ستنمو صادراتنا وتزدهر موانئنا فمن غير المعقول ان يختل الميزان التجاري بهذا الشكل المستدام وتتخلف صادراتنا عن الاسواق العالمية لتخلف حركة النقل والمناولة. أما الحديث عن اتهامات دبي بأنها تستأجر موانئ المنطقة لاغراض تعزيز فرص ميناء جبل علي على حساب موانئ المنطقة حديث مردود وغير متسق مع واقع التجارة والاقتصاد وهو حديث مبني على اتهامات باطلة وغير مشفوع بأي أدلة أو براهين، فخير مثال علي ذلك التجربة التي استشهد بها د. أمين موسي لشركة موانئ دبي في مينائي عدن والمكلا دون ان يستصحب معه الظروف السياسية والأمنية التي عاشها اليمن آنذاك، فقد تزامن تعاقد دبي مع ثورة الربيع العربي وغادرت اليمن كل الشركات العالمية إلى جيبوتي وعمان وغيرها.