بدأت الوفود تتوافد إلى مقر الاحتفال بميدان الحرية أو ساحة ضريح د.جون قرنق دي مبيور.. الجماهير المحتشدة منذ الصباح الباكر لم يتوقف هتافها ورقصها طرباً بحلول السلام في أرض موعودة بأن تكون فخر إفريقيا لو لا فتنة السياسة والسلطان.. قيادات المعارضة الجنوبية وأفرادها القادمون من الخرطوم التقوا بزملائهم المقيمين في جوبا، التحايا تكشف ما في الصدور من أشواق.. أعضاء المعارضة وقياداتها اتخذت مواقعها في المنصة الرئيسية بعد أن حددت المراسم أماكن جلوس كل منهم، ملزمة إياهم بارتداء ديباجة كتب عليها (VIP). رياك مشار وأنجيلينا يتبادلان التحايا والسلام مع النائب الأول تعبان دينق.. تحايا لم تستغرق أكثر من ثوانٍ معدودة.. ربما لأن لقاءً حاراً جمعهم في المطار، فقد خَرَق البروتوكول حينما ذهب لاستقبالهم في المطار. لام أكول بدى أكثر سعادة فلم تفارقه الابتسامة طوال الحفل، أما دينق ألور كان حاضراً منذ وقت مبكر، إذ أنه قد سبق المدعوين إلى جوبا بأيام. البشير ووفده البشير وصل وسط ترحيب حار من الجماهير وبصورة مغايرة عن بقية الرؤساء.. وقد جلس الثلاثة المكرمين من الرئيس البشير (وزير الخارجية الدرديري محمد أحمد، وزير الدفاع عوض ابن عوف ومدير الجهاز صلاح قوش) قرب بعضهم في المكان المخصص للوزراء. البشير جلس في المنصة وعلى يساره جلست رئيسة إثيوبيا سهلي زودي وعلى يمينه الرئيس سلفاكير ميارديت ومن بعده الرئيس اليوغندي موسيفني. بوصول سلفاكير عزف النشيد الوطني الجنوب سوداني، قبل أن يتجه نحو سلم المنصة في انتظار نزول بقية الرؤساء والضيوف للاتجاه إلى ضريح قرنق لوضع أكاليل الزهور.. مشار بعد طول انتظار وسط هتافات حارة، اعتلى مشار المنصة، كاسراً الحاجز النفسي لدى الكثيرين بمجرد حديثه، فابتدر كلمته بشكر الرئيس سلفاكير ميادريت على دعوته لهم كمعارضة للاحتفال في جوبا، قائلاً "كان من المفترض أن نحضر بعد ثمانية أشهر حسب الاتفاق لكن حينما وجهت إلينا الدعوة من سلفا كير لم يكن لنا خيار آخر غير الحضور.. وحضرنا كي نحتفل معكم". مشيراً إلى أنه بموجب نص الاتفاقية فإن حضورهم إلى الجنوب يجب أن يكون بعد (8) أشهر، وأضاف: "لكن مثل هذا الاحتفال كيف لا نأتي؟، لذا كان يجب أن نحضر"، منوهاً إلى أن تأخر حضورهم إلى ما بعد 8 أشهر يغذي التكهنات بعدم حرصهم على السلام، وأضاف: "نحن نريد السلام وقلبنا معه والجميع يركز عليه"، وتابع: "السلام هي الكلمة الوحيدة التي يريد المواطن الجنوبي سماعها". منوهاً إلى أن الكثيرين ظنوا أنه لن يحضر عقب أحداث 2016م وخروجه الذي وصفه بالصعب، كاشفاً عن عدم حضوره بمفرده بل بمعية 50 من أعضاء حركته بالإضافة إلى وفود بقية المعارضات الجنوبية. مشار استغل الأجواء الاحتفالية والفرح الجنوبي الطاغي وطالب الرئيس الجنوب سوداني بإطلاق سراح المعتقلين للاحتفال مع أخوتهم الجنوبيين، وإلغاء حالة الطوارئ، فضلاً عن إطلاق حرية النشاط السياسي، مناشداً الرئيس سلفاكير بتكوين لجان بين الحكومة والمعارضة لتمليك المواطنين في القرى اتفاق السلام وشرحه. الرجل الذي كان يتحدث بالإنجليزية تارة وعربي جوبا تارة أخرى، أكد أن السلام موجود في قلبه ولديه إرادة سياسية قوية أن تعود البلاد لهدوئها. وشدد مشار في خطابه أنهم يسعون إلى تكوين جيش موحد وشرطة موحدة لتذهب الأموال في بناء المدارس والمستشفيات. التكريم ورسائل الرئيس مطربو السودان، محمد البدري، مجذوب أونسة، عمر إحساس، عبد القادر سالم، كان من المفترض أن يغنوا بين كلمات الضيوف، لكن ذلك لم يحدث واكتفى الحضور بسماع أغنية واحدة للبدري وأونسة، قطعت أكثر من مرة.. جامعة جوبا كرمت الرئيس عمر البشير بالدكتوراه الفخرية في السِلم والدبلوماسية، وأثنت على جهوده في إحداث السلام. واعتبر مدير الجامعة بروفيسور جون أكيج أن التكريم اعتراف بالدور الكبير الذي بذله تجاه سلام جنوب لسودان، ومبادراته لإعادة السلام وقيادته الرشيدة للمفاوضات ورعايته للاتفاقية. كما كرمت المرأة في جنوب السودان الرئيس البشير والرئيس سلفاكير ميادريت والرئيس اليوغندي موسيفني والرئيس الصومالي محمد عبد الله ورئيسة إثيوبيا سهلي زودي، ورئيس الوزراء المصري مصطفى كمال ورئيس المعارضة الجنوبية رياك مشار. البشير خلال مخاطبته الحشد الجماهيري قال إن الاتفاقية ليست لسلفا ومشار والقادة المعارضين، إنما لمواطن جنوب السودان، الذي أعلن التزامه أمامه أن يعمل جاهداً كي يراه آمناً مستقراً تحيط به الخدمات من كل جانب. ودعا البشير الجميع أن يزيلوا ما وقر في نفوسهم منذ وقت الحرب، ويبتعدوا عن التوترات حتى يسيروا إلى الأمام. وأعلن البشير لأول مرة اسم "جنوب سودان جديد" - الذي كانت الحركة الشعبية اتخذته سابقاً شعاراً لها- قائلاً "سنُكمل بناءه لنرى كل المواطنين متساوين". وجدد البشير إعلان موقفه الواضح من السلام، مشيراً إلى أنه ضحى بوحدة السودان في سبيل السلام، وأضاف: "من أجل أن يشعر المواطن بالأمن والسلام والطمأنينة". مؤكداً أنه عندما اندلعت المشاكل في جنوب السودان كان السودان منذ اليوم الأول مع إيقاف الحرب، منوهاً إلى أن المواطنين الجنوبيين في الخرطوم ليسوا لاجئين بل نازحين لأنهم مواطنون لشعب واحد في دولتين. وقطع البشير بمسئوليته الأخلاقية تجاه جنوب السودان نافياً أن يكون ذلك تعدياً أو تدخلاً في شئون حكومة الرئيس سلفاكير، بل لأنه كان رئيساً للشعبين، وأضاف: "أريد أن أرى كل مواطن مستقر وآمن ويحظى بالصحة والتعليم والخدمات". خطاب طويل ابتدر رئيس جنوب السودان سلفاكير باعتذار علني لشعب جنوب السودان عن المعاناة التي سببتها الحرب بين الحكومة والمعارضة، وأطلق خلال كلمته سراح اثنين من المعتقلين السياسيين الذين كان لا ينوي إطلاق سراحهم نسبة لأنه تم الحكم عليهم بالإعدام منهم جيمس قديت المتحدث باسم مشار والمحكوم عليه بالإعدام، كما أعلن عن إطلاق سراح من اعتبره "مرتزقاً" من جنوب إفريقيا، ذكر أنه سيطلق سراحه ويرحل لبلاده دون أن يبقى في الجنوب. مشيراً إلى أن اليوم سيكون بداية لانتهاء مظاهر الاقتتال، موجهاً أمراً للجيش والشرطة والأمن بالسماح بحركة المواطنين عبر الطرق البرية والنهرية. وأكد سلفاكير أنه ومشار وبقية القادة تعاهدوا على قيادة البلاد نحو التعافي وتجاوز الخلافات الشخصية. سلفا استغل كذلك المنبر ليعلن حرية الحركة للمساعدات الإنسانية وحرية الحركة والعمل للأحزاب السياسية.. وناشد النازحين واللاجئين بالعودة إلى قراهم. وداع متأخر كان من المقرر أن يتناول الرؤساء والضيوف وجبة الغداء في قاعة الحرية في الواحدة ظهراً ومنها يغادرون، لكن نسبةً لتأخر البرنامج آثروا المغادرة إلى المطار مباشرة.