كَانَ رشيقاً على غير العادة يتلفت يمنة ويسرة وهو ينظر إلى ما يرتديه من ملابس أمام المرأة التي قضى أمامها ما يقارب النصف الساعة، إلى أن أكمل لمساته الأخيرة بترتيب بعض خصلات من شعره التي قضى عليها الشيب لتقوم الصبغة بدورها مع رَشّة عطرٍ صارخٍ على جسده, ليتأهّب للمُغادرة مُتوكأ على عصاه ليولي وجهه شطر أحد الكازينوهات المُطلة على النيل لمُقابلة محبوبته التي تبلغ من العمر عشرين عاماً ما يقارب عُمر بنته الصغرى. لفتت تصرفاته الصبيانية نظر أفراد أسرته وهو يقوم بشراء الكروت المُلوّنة ويُزيِّنها بالورود ويوقِّع عليها بكلمات الغرام, فيما أدهشت مُراهقته المُتأخِّرة أصدقاءه بالعمل وهو يُدير جهاز التسجيل بصَوتٍ عَالٍ مُنتشياً مع أغنيات الحُب المُمتلئة بالوهلة والشجن وهو يتمايل طَرباً مع ذكر اسم محبوبته ما بين كُلِّ مقطع والآخر دُون حَياءٍ. عقلانيةٌ مفقودةٌ لم يقتصر الأمر عليه فقط، إذ أنّ هناك الكثير من الرِّجال الذين تَخَطّوا سن الأربعين التي لم يردعهم وقارها وعقلانيتها للتّعامل بحكمةٍ بعيداً عن التصرفات الصبيانية التي تنتقص من قدرهم كثيراً. نظرة المُجتمع للرجل المُتصابي تأخذ عدة مناحٍ تضعه في الغالب داخل دائرة الشك، وهذا ما أكّده الموظف أحمد عبد الحميد قائلاً: (هناك أشخاصٌ لا يحترمون أعمارهم فيتصرّفون بطريقةٍ تخصم ما تبقى من عقلانيةٍ لديهم، وذلك عندما يعيش الرجل دَور شَابٍ في أواخر العشرينات وكأنّه لم يكمل فترة المُراهقة, فهو في رأيي شخصية مهزوزة تفتقد إلى الاعتدال في التصرفات وتحتاج لمن يُقوِّمها مهما كلّف الأمر). هيجانٌ عاطفيٌّ اتّفق معه في ذات الرأي الأستاذ الجامعي حسن تاج السر بأن ما يحدث من (رشاقة) وخفة دم أكثر من اللازم فيه تقليلٌ من شأنه، الذي ينبغي أن يكون في ذلك العُمر تحديداً مُوجِّهاً ومُرشداً لمن هم أصغر منه سناً, ولكن ما نشاهده من البعض حالة من "الهيجان العاطفي" في غير مكانها والاعتداء على مساحات ينبغي أن يتمدّد فيها الشباب, مُضيفاً: يجب على من يلتفون حول تلك الشخصية أن يُوجِّهوها التوجيه الصحيح مع الترهيب من مَغَبّة ما يقوم به من فعلٍ). اضطراب سيكولوجي حلّلت الظاهرة الباحثة الاجتماعية فدوى معتصم قائلةً: (تُعتبر مرحلة المُراهقة المُتأخِّرة من المراحل الانقلابية بالنسبة للرجل والتي تحدث فيها عدة تحولات، حيث تقع ما بين مرحلة القوة والضعف، فهي تطال مجال العمل والعلاقات الاجتماعية والزوجية ليكون هناك فرقٌ ملحوظٌ في التعامل مع الآخرين بسُلوكٍ مُختلفٍ أقل ما يُوصف، ومن أعراضها الشعور بالإحباط والاكتئاب OVER, ومن أهم أسبابها الضغوط النفسية التي قد يحدث معها بعض التّغيير لعددٍ من الرجال، الذين غالباً ما يُعانون اضطراباً سيكولوجياً منذ الطفولة مثل عدم الاستقرار العائلي والاضطراب النفسي, ولكن في كل الحالات لا يُمكن تصنيف اي اهتمام بالشكل أو تغيير في المشاعر بأنه نوعٌ من المُراهقة المُتأخِّرة أو تصرف صبياني).