خرج علينا ما يسمى (مركز الرؤية) لدراسات الرأي العام، قبل 8 أيام بدراسة حول "سوق الإعلان في الصحافة السودانية" في الفترة من 1 أغسطس حتى 14 سبتمبر... الدراسة بحسب زعم المركز، تهدف إلى الوقوف على العوامل أو الأسباب التي تدفع المعلنين للإعلان في صحيفة بعينها، وذلك لمعرفة المشاكل التي تعاني منها هذه الصحف في هذا المجال. جميل جداً أن تكون لدينا مراكز علمية لدراسات وقياس الرأي العام، تقدم رؤى "علمية تحليلية دقيقة صادقة محايدة"، تسهم في التوعية... ولكن تعجبت كما تعجب الكثيرون مثلي، لما حوته الدراسة من أرقام غير حقيقية ومغالطات ومعلومات مضللة. الدراسة أقصت (السوداني) إلى المركز التاسع في ترتيب أكثر الصحف التي تحتوي إعلانات _ ومعلوم أن نشر الإعلان في (السوداني) يحتاج المعلن للحجز مسبقا على الأقل قبل 3 أيام، قسم الإعلان بالصحيفة يضطر يومياً لتأجيل العديد من الإعلانات حتى لا تتجاوز نسبة الإعلان ال 50 % من الصحيفة _ الترتيب دفع صحف معروفة بشح الإعلانات باعتراف ملاكها ورؤساء تحريرها، إلى مقدمة الترتيب. أول خطوة قمت بها، التقصي حول من يقف وراء هذا المركز... اتضح لي أن المجلس الاستشاري للمركز الذي تطرح عليه سياسات المركز وخططه وبرامجه بشكل دوري، يضم نخبة من العلماء وخبراء الإعلام، وعلى رأسهم "بروفيسور علي شمو، د. صفوت فانوس، د. هاشم الجاز، والأستاذ سيف الدين حسن العوض". العجيب أن رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات بروفيسور شمو قال قبل أسبوعين في ندوة حول مهنية الصحف للعام 2011 والتي نظمها مجلس الصحافة، إنه يعترض بشدة على نشر نسب توزيع الصحف، لأنه أمر يثير المشاكل، ولكنهم يطلعون المعلنين على الحقائق إذا أرادوا بصورة سرية... المفاجأة الداوية أن شمو قال ل(السوداني) أمس "عليّ بالطلاق ما بعرف حاجة عن مركز الرؤية"، ونفى أن يكون ضمن مجلسه الاستشاري... اتصلت على د. صفوت فانوس فقال لي بالحرف "من المحتمل قبل عدة سنوات، أن يكون اتصل عليّ أحدهم بدعوتي للانضمام للمجلس الاستشاري للرؤية، واحتمال أكون أعطيتهم موافقتي... نعم وصلتني منهم دعوات للمشاركة في ندواتهم... لكن حتى الآن لم تتم استشارتي في أي دراسة، والدراسة الأخيرة حول نسبة الإعلان بالصحف لا أعلم عنها شيئاً"!!!... أما كل من د. هاشم الجاز والأستاذ سيف الدين حسن، فهما مقيمان خارج البلاد في (قطر وماليزيا)، ولم يتسنَّ لنا الوصول لهما لمعرفة هل هما ضمن المجلس أم حالهما حال (شمو وفانوس)؟؟؟... إذن بعد تبرؤ (شمو وفانوس) من مركز الرؤية ودراسته، فيصبح جلياً وبما لايدع مجالاً للشك، أن الدراسة مجرد (فضيحة بجلاجل) وتضليل صريح وعلني، ولي لعنق الحقيقة، لخدمة أجندة الغير، تحت مسمى العلمية والمنهجية... ولكن الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، ولا تجدي معها عملية (مسح الورنيش)، ولا خياطة وترقيع (الإسكافي) للأحذية البالية. لذا قامت (السوداني) بتشكيل فريق تحقيق صحفي وإداري، للتقصي حول حقيقة الأرقام والنسب الواردة بدراسة (الرؤية). الفريق قام ولمدة أسبوع برصد حجم الإعلانات في بعض الصحف، فوجدت ما يشيب له رأس الطفل الرضيع، من فبركة في النسب وتقديم صحف على بعضها البعض، التقرير تجدونه بالصفحة الثالثة بعدد اليوم. التحليل العلمي المعروف لقياسات الرأي العام يقول (إنه يعد دعامة أساسية لإرساء وترسيخ الديمقراطية واستمراريتها... وأهم مايجب أن يتمسك ويحرص عليه الباحث الذي يجري استطلاعات أو قياسات الرأي العام هو "التمكن العلمي، الالتزام المنهجي، المصداقية، والرؤية الشاملة". ويجب أن يتضمن تقرير نتائج الاستطلاعات والمسوح النواحي التالية: الغرض من المسح، لمن وبواسطة من أجري المسح؟؟؟)... وهنا تبرز عدة أسئلة مشروعة... هل التزم المركز واتبع القواعد العلمية والعملية السليمة لمنهجية القياس؟... لمصلحة من أعد مركز (الرؤية) _ منعدم الرؤية _ هذا التقرير؟... وهل هناك دراسة لسوق إعلان صحفي لصحافة بلد بحاله تقوم على رصد مدته الزمنية (45) يوماً؟... ومن يقف وراء هذا المركز؟.... ولماذا وضع المركز أسماء (شمو وفانوس) في القائمة الاستشارية وهم منها براء؟... ومن دفع تكاليف الدراسة للمركز؟... وأخيراً نطالب البروف شمو رئيس مجلس الصحافة، بتوضيح التفاصيل الكاملة لتقرير التحقق من انتشار الصحف في العام 2012، والمنهجية العلمية المتبعة فيه، ونرجو منه الإجابة وبشفافية (هل التقرير الذي نشر مؤخراً، حقيقي ونهائي)؟!. مع علمنا التام بعدم وجود جهة معتمدة موكل لها التحقق من انتشار الصحف وتوزيعها، كذلك بعض الصحف تمتلك شركات توزيع ومطابع، وهي تكتب التقرير من تلقاء نفسها، دون وجود طرف محايد. ليس من المهم لدينا أن تكون (السوداني) في المركز الأول أو الأخير، في مقدمة نسبة الإعلان أو مؤخرته... المهم لدينا إبراز الحقائق وعدم تضليل الرأي العام... فنبارك لصاحب المركز الأول حتى يسعى جاهدا للبقاء في الصدارة، وندعم صاحب المركز الأخير، حتى يتقدم للأمام... فنحن في الأول والأخير، زملاء مهنة ترزح بين شقي الرحى (حكومات لا ترحم تكسر في مقاديف المهنة منذ الاستقلال... والاصطلاء بنيران المهنية التي تحتم علينا قول كلمة الحق، في زمن صار فيه كل شيء مزيفا)!.... أما مكانة (السوداني) فنعلمها جيداً ويعلمها جمهورها المستنير الواعي. وما التوفيق إلا بإذن الله.