أود ابتدار القول إن عنوان المقال لا يعبر عن وصف لحالة عامة، وإنما هو تنزيل لحكم على وقائع محددة سأوردها لاحقاً. تأتي كتابتي إستجابة للنداء الذي أطلقه الأستاذ/ ضياء الدين بلال رئيس تحرير صحيفة (السوداني) والذي دعا فيه أهل القانون لعدم كتمان شهادة الحق بشأن ما أورده من وقائع حول محاكمة منسوب وزارة العدل المستشار/ مدحت عبدالقادر. لا بد لي من التوضيح بين يدي هذا المقال عن أمر إشاعه بعض الأخوة فقد ظن بعض منسوبي وزارة العدل أن شخصي الضعيف يقف خلف الحملة الإعلامية التي تناولت بعض قضايا الفساد بوزارة العدل، وإني لأشهد الله أني براءٌ من ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب، لا أقول ذلك خوفاً من مسائلة أو مجاملة لأحد، وإنما قول الحق حتى لا أبخس جهد من تناول هذا الأمر من الصحفيين. ثم أقول إني كنت زاهدا وعازفا عن تناول هذا الأمر – لولا مناشدة الأخ ضياء – وذلك لأني ومنذ استقالتي عن العمل منذ ما يقارب العام ونصفه التزمت الصمت قناعة مني أني قد أبلغت المسؤولين بأسباب استقالتي وأحسب أن في ذلك براءة لذمتي أمام الله سبحانه وتعالى. ولا أود أن يظن الناس – كما راج في بعض الكتابات الصحفية – أن خلافي مع المستشار مدحت هو سبب استقالتي بل ربما يصدق عليه المثل القائل "القشة التي قصمت ظهر البعير" ولمن يرغبون في الاستزاده عن معنى المثل فإني أحيلهم لشرح أستاذنا الجليل/ قاضي المحكمة العليا السابق المرحوم دفع الله الرضي في إحدى السوابق القضائية المنشورة في مجلة الأحكام القضائية السودانية في سبعينات القرن الماضي. إستجابة لهذه المناشدة أكتب اليوم ولكن بين يدي تلك الكتابة سألزم نفسي بأمرين أولهما:- إني لن أورد أي وقائع علمتها بحكم عملي السابق أو تلقيتها بصفتي الشخصية، وهذا كله التزاماً بالقاعدة الأصولية في فقه الإثبات أن القاضي لا يحكم بناء على علمه الشخصي. ثانيهما:- إني لن أتطرق لأي وقائع منسوبة للأخ المستشار مدحت عبدالقادر لأن قناعتي الراسخة أن الإعلام ليس هو المكان المناسب لمحاكمة الأفراد لأسباب عديدة لا يسع المجال لذكرها، ولذلك لا ينبغي لنا أن نأتي بفعل لا نقره قانوناً أو خلقاً. لقد شغل الفساد العالم كله لما له من انعكاسات سلبية خطيرة على حياة ومستقبل الأفراد والأمم، ومن أجل مكافحته تداعت الأمم فأبرمت اتفاقيات دولية بشأن التصدي له وأنشأت العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والقطرية لذات الغرض. إن فساد الأفراد وإن عظم مقدور عليه ولكن الأخطر والأدهى هو فساد المؤسسة، وأقصد بالمؤسسة أي جهاز من أجهزة الدولة مناط به تقديم الخدمات أو حماية الحقوق والواجبات. وإني لأذكر لقاء لي بالأخ/ رئيس الجمهورية دار فيه نقاش حول الفساد ولا زلت أذكر حديث الرئيس أننا يجب أن نحمي أجهزة الدولة من الفساد لكنه خص جهازين بالذكر وشدد على ضرورة التصدي لأي بوادر انحراف فيهما وهما جهازا العدالة والشرطة وعلل ذلك بالقول إنهما يمثلان السيف والدرقة فإن كُسرا فإن ما دونهما من أجهزة الدولة أسرع كسراً وعطباً. تذكرت كل ذلك وأنا أشرع في الكتابة، واتساقاً مع قناعتي أن موقف المؤسسة هو الأخطر والأدهى فإني سأتناول مواقف الأجهزة العدلية مما طُرح عليها من وقائع بشأن القضية مثار البحث، وسأحتكم في الحكم على مواقف تلك الأجهزة للدستور والقانون الذي ينظم عملها. سننظر ونحن نتناول تلك المواقف هل التزمت الأجهزة العدلية بأحكام الدستور والقانون في تناولها لتلك القضية؟. أبدأ القول أنه وبعد الحملة الصحفية التي قادتها صحيفة (السوداني) حول فساد محتمل بوزارة العدل، استجابت الوزارة فشكلت لجنة تحقيق من ثلاثة مستشارين. والسؤال الذي يطرح نفسه إبتداءً هل كان تشكيل اللجنة يتسق وصحيح القانون؟ أم أن تشكيل اللجنة كان أول خرق للقانون في مسلسل طويل للخرق. في الحلقة القادمة نبدأ الإجابة ثم نواصل. * الوكيل السابق لوزارة العدل