صناعة الفخَّار: في زيارتي لإستراليا الجميلة، ذهبت إلي كنيسة القديسة دميانة في إحدى ضواحي القارة الإسترالية، وبعد الصلاة أعطاني الشماس إناءاً من فخَّار به ماء، لكي أرش به المصلين إذنا لهم بالخروج، وقد إندهشت جداً وأنا في بلد متقدم ويقدم إلي إناء فخَّاري من حضارة الماضي البعيد، ولكنني أعجبت بالفكرة وقدمت كلمة صغيرة قلت فيها أن أهل هذه الكنيسة يشكرون لأنهم أول من فكر في حضارة الفخَّار، وأعتقد أن العالم كله سوف يفكر في إعادة أواني الفخَّار على مستوى الماء وعلى مستوى إعداد الطعام، لأن الفخَّار من طين هو نفسه الطين الذي خُلق منه الإنسان، ولأن الفخَّار لا يحمل الأمراض مثلما تحملها أواني البلاستيك، وذكرت لهم ما جاء في الكتاب المقدس عن الفخار والفخاري وعن الترنيمة التي تقول أيها الفخاري الأعظم، أنا كالخزف بين يديك. وذكرت لهم أن هذه الترنيمة تغني بها شرحبيل في النادي القبطي، وعندما أنشدها كانت لحناً عذباً علي فمه وبصوته الجميل. سوبا ودنقلا: وقبل أن أتحدث معكم عن فخّار سوبا وفخَّار دنقلا من واقع وثيقة شيني، أذكر لكم بعض ما جاء في دائرة المعارف الكتابية عن الخزف والذي عرفته دائرة المعارف بأنه ما عمل من طين وشوي بالنار فصار فخّاراً، وأن هذه الصناعة هي أقدم الصناعات في تاريخ البشر، وأنها كانت من المواد المهمة التي تدفن مع الميت، وأن مصر تقدمت علي بابل في هذه الصناعة، وكان يصنع منها أنابيب الصرف، وأواني حفظ السوائل والفواكه، وأواني الطهي، وإنتشرت هذه الصناعة في فلسطين حيث بدأها الفينيقيون، وكان تشكيل طين الخزف يتم باليد، ثم أخترعت العجلة أو الدولاب، وكانت تستخدم القوالب، وهناك إشارات في العهد القديم لعملية صناعة الخزف، فلقد ذكر الخزافون في أخبار الأيام وفي أشعياء وأرميا والمزامير، كما ذكر ناحوم درس طين الخزف إعداد لعملية التشكيل، وتكلم أرميا عن بيت الفخاري وهو مكان صناعة الفخَّار والذي كان مكاناً كبيراً تنشر فيه الأواني الفخارية تحت حرارة الشمس ليتماسك، وذكر أرميا نفسه دولاب الفخَّار، وكان هناك دولاب يدار باليد وآخر بالرجل، وكان يصنع من الفخار القدور والقوارير، والمراحض، والجرار، والأقداح والكاسات والاباريق، والقنينة لحفظ الأطياب والعطور، وأواني الماء مثل الإناء الذي قدم إليَّ في كنيسة القديسة دميانة بإستراليا. وقد إستخدمت كلمة إناة من فخّار إستخداماً مجازياً فالأشرار تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ].(مزمور9:2)، وجاء عن بولس قول الرب إنه: إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ.(اعمال15:9)، كما أن الذين يرفضون الإنجيل هم آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَكِ(رومية22:9)، وَلَكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضاً، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهَذِهِ لِلْهَوَانِ. فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هَذِهِ يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّساً، نَافِعاً لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدّاً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. (تيموثاوس الثانية2: 20-21)، كما أوصي بطرس الرسول الرجال أن يكونوا: سَاكِنِينَ بِحَسَبِ الْفِطْنَةِ مَعَ الإِنَاءِ \لنِّسَائِيِّ كَالأَضْعَفِ، مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً كَالْوَارِثَاتِ أَيْضاً مَعَكُمْ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ، لِكَيْ لاَ تُعَاقَ صَلَوَاتُكُمْ. (بطرس الأولي7:3). لقد ذكرت كل هذا لكي أفتح شهية عالم اليوم على هذه الأواني الخزفية التي سوف تكون علاجاً للإنسان من أمراض العصر، ومن التلوث الذي تجره علينا أدوات البلاستيك ومشتقاته، وقد جاء عن حضارة بلاد النوبة الإهتمام بالخزف، والذي كان يستعمل كل الإستعمالات، وكان يوضع على شكل صليب، ولم يزل يوضع هكذا في مقدمة بيوت أهل حلفا لنوال البركة، ولدحر قوات الشيطان التي يدحرها الصليب المقدس، ويقول شيني أن الفخّار عند النوبة كان جميلاً وملفتاً للإنظار، ووجدت منه كميات كبيرة، ويميز تشيني ومعه علماء الآثار بين فخَّار دنقلا وفخَّار سوبا، لأن فخَّار دنقلا يشمل على أواني صغيرة من طينة ناعمة عليها طلاء أبيض أو أصفر أو فاتح أو برتقالي، وعلى الكثير من هذه الأواني نجد أشكالاً لحيوانات مطبوعة ومختومة في الوسط، كما نجد أيضاً شعارات مسيحية، وأيضاً الكثير من الرسوم التقليدية مثل رؤوس الطير، والصلبان، وأغلب الطير المرسوم رسم الحمامه لأنها ترمز للروح القدس الذي ظهر على شكل حمامة في يوم عماد السيد المسيح في نهر الأردن من يوحنا المعمدان، وكان أجود أنواع الفخَّار في دنقلا في القرن التاسع والعاشر الميلادي، ويؤكد تشيني أن النقوش والرسوم التي على الفخَّار تأثرت كثيراً بالفن القبطي، بل كما يشهد تشيني فإن فخَّار دنقلا رسومه أكثر جمالاً ودقة من الفخَّار القبطي. أما سوبا فإن الفخَّار فيها يحمل بين طياته سراً غامضاً، فهو فخَّار جميل عليه طلاء أسود عمل بعد الإحراق، وعلي الفخَّار زخرفة على شكل زهور صغيرة بلون أحمر، وأصفر فاتح، ونوع فخَّار سوبا دليل على خلفية حضارية راقية، ويستمر شيني في الغزل في فخَّار سوبا بأنه مصقول صقلاً جيداً، وعليه طلاء أسود وأحمر، وكثير الإنتشار في الجزيرة وعلى إمتداد النيل الأزرق، وشمالاً إلى قدور شمال الكبوشية، وفي تراث السودان الحضاري الآن كمية كبيرة من هذا الفخَّار، وكان أهل النوبة قد حاولوا كثيراً في صناعة الزجاج، وقد وجدت مخطوطة عن حياة القديس مينا، والذي كان يرسم علي الفخَّار، وهو قديس مشهور وفي المخطوطة رسوما ونقوشا باللغة النوبية مكتوبة بحروف قبطية. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته