نحن لم نزل نواصل الحديث في دنيا الفن والجمال عن الخزف.. وهو من الفنون الصعبة التي تتطلب تمرساً وطول تجريب وخصوبة ذهنية تتيح للحذاق ابتداع الأشكال الجميلة التي تتحول الى أواني نادرة أنيقة نحفظها في واجهات فترينات صالوناتنا فضلاً عن الكم الهائل منها الذي يتحول الى «عدة بيت» مميزة نستخدمها في مطابخنا وموائدنا اليومية وبعضها في السودان اتخذ شهرة لروعته وسعته وهو «صحن الصيني» والتسمية هذه «صحن الصيني» قد تكون كناية عن سلامته وصلابته برغم أنه مصنوع من الطين والعبارة هذه استخدمها الزعيم إسماعيل الأزهري في تصريح صحافي له بعد نيل الاستقلال مباشرة قائلاً: «لقد حققنا استقلالاً زي صحن الصيني لا طق ولا شق». ودعونا الآن نقول شيئاً عن ذلك الطين الذي يستخدمه الخزافون في صنع خزفهم.. والطين كما نعرف هو نوع خاص من التراب تكون من تحلل الصخر وبعد ذلك حمله الماء من مصدر تكوينه الى منطقة اخرى غالباً تكون قاع نهر.. ومع ذلك فنادراً ما يستخدم الطين بحالته الطبيعية وتضاف اليه العديد من المكونات مثل صوان الأرض الناعم أو الحجر ومعادن اخرى لجعله قوياً ولمنعه من التشقق. ويمكن تشكيل الأواني الفخارية بطرق ثلاث - بنحت الطين باليد وبتشكيله في قالب أو باستخدام دولاب الخزف، ودولاب الخزف هو عبارة عن «تربيزة» دوارة أفقية صغيرة، لم يطرأ تغيير يذكر عليها خلال الأربعة آلاف عام الأخيرة إلا في وسيلة تزويدها بالطاقة «كأن تتحول من أسلوب البدال إلى الدينمو الكهربائي مختلف السرعات». ولكي يُصنع الخزاف إناء من الفخار فإنه يقذف بالطين إلى مركز العجلة الدوارة في دولابه هذا وعندما يضغط بيديه على الطين فإن الطين يرتفع بين أصابعه في شكل عمودي لولبي بعد ذلك يدفعه المرة تلو المرة الى أسفل ليجعله يرتفع بينما طوال الوقت تتحرك كتلة الطين حول مركز العجلة بحيث يصبح الشكل النهائي للإناء كامل الاستدارة.. وعندما تكون الطينة على مركز العجلة يضغط الخزاف عليها بأصابعه بحيث سرعان ما تشكل اسطوانة وبعد ذلك يمد احدى يديه داخل الإناء والأخرى خارجه.. ويقوم بضبط سمك الإناء بصورة متساوية يوزع الكتل الزائدة من الطين على الأجزاء المنخفضة السمك من الكتلة الدوارة التي سرعان ما تصبح بين يديه إبريقاً أو صحناً صينياً عميقاً وهنا يجب ان يقسى الإناء بدرجة أشد ويتم ذلك عن طريق الحرق والتسخين في أتون الحرق الى ان يتصلب الطين بشكل دائم وتعتبر عملية الحرق عملية دقيقة جداً ويعتمد النجاح والفشل فيها على عدة عوامل، يجب ان تكون الطينة جافة جداً وخالية من الجيوب الهوائية، ويجب ضبط درجة الحرارة داخل أتون الحرق لكي ترتفع ببطء لأن الطين قد يطرد الرطوبة بالتسخين ويتمدد وبمجرد أن يتم الوصول الى درجة الحرارة اللازمة يجب ان يسمح لها بعد ذلك بالإنخفاض ببطء والأهم من ذلك كله إذا انفتح باب أتون الحرق بسرعة فإن الهواء البارد المندفع سيعمل على تبريد الإناء بسرعة ويؤدي الى إنكماشه وتشققه.