** قبل عام تقريباً، كنت من رواد روائع مركز راشد دياب، هذا المركز الذي لم يكل أو يمل أسبوعاً منذ تأسيسه رغم متاريس الحال العام.. وقصدته ذات أسبوع، وإذ به يحتفي بالدكتور كمال أبوسن تحت أنغام الأستاذ محمد الأمين..بعد فاصل من الطرب الجميل، تحدث البعض عن المحتفى به حديثاً طيباً يليق بالمناسبة ويتناسق معها.. ثم تحدث المحتفى به الذي صعد إلى المسرح حاملاً بعض ذكرى مرحلة صبا المحتفى به، وسرد بعض تفاصيل تلك المرحلة، ومنها ما أذكره بالنص : "لقد كنت بارعاً ومبدعاً في الرتق والنسيج منذ صباي، وكنت أفضل من ينسج (العناقريب والسراير) بالقرية، وهذا بمثابة نبوغ مبكر في عوالم الجراحة التي تستدعي البراعة والخيال والإبداع وإتقان الرتق والنسيج"، فصفق الجمع الكريم للمحتفى به، الدكتور كمال أبوسن..!! ** يوم الخميس، بمستشفى الزيتونة، تذكرت تفاصيل تلك الليلة ومناسبتها، وكذلك تلك المقدمة التي ابتدر بها المحتفى به حديثه..قصدت الزيتونة لمعاودة والد الأخ الدكتور زهير السراج، شفاه الله وعافاه..رصدت بعض الوقائع التى حدثت لمريض في لحظة استقبالهم لحالته الطارئة، واستمعت إلى استياء بعض المرافقين لهذا المريض الذي استدعت حالته الإبقاء في غرفة العناية المركزة، فآثرت تلافي تلك الوقائع ومعالجتها في ذات اللحظة وبمنتهى الهدوء، فالغاية هي إصلاح خطأ وليس الرقص والطرب على صدى الخطأ، وهذا ما حدث.. إذ بحثت عن رقم هاتف مدير المستشفى حتى وجدته بطرف صديق، ثم اتصلت به وجمعته بالمرافقين للمريض.. استمع إليهم واستمعوا إليه، ثم (طابت النفوس) بعد الاعتذار عما حدث والوعد بألا يحدث لاحقاً.. وغادرتهم..كل هذا ليس مهما إلا في إطار التنبيه بأن سلطة رسمية ذات رقابة فاعلة ودائمة للمرافق العامة والخاصة، خير من سلطة رقابية رابعة ترصد الخطأ بالصدفة وتعالجه بذات الصدفة أيضاً..!! ** المهم، وقف أمامي عند باب الخروج بعض الشباب، ثم التفوا من حولي ثم شرعوا يتحدثون عن (مأساة الحاجة الزينة)، رحمة الله عليها، إذ انتقلت صباح البارحة إلى رحمة مولاها..فاقترحت لهم بأن يذهبوا بالوقائع الطبية وتقاريرها إلى المجلس الطبي ليفتي فيها بالتخصص، وبأن يأتوا فجراً إلى الصحيفة بالوقائع الإدارية وشهودها لنوثق وننشر، إذ مأساة الحاجة زينة تختلف عما حدث لمرافقي ذاك المريض من قبل بعض الإداريين، بحيث ترتقي إلى أن تكون (قضية رأي عام)..هم ذهبوا بالوقائع الطبية وتقاريرها إلى المجلس الطبي، ثم طوروا فكرة طرح الوقائع الإدارية من مساحة زاوية صحفية إلى الطرح في مساحات كل صحف الخرطوم، وهذا ما حدث أول البارحة، إذ مأساة الحاجة زينة كانت حدثاً رئيسيا في كل صحف الخرطوم، ولا تزال..!! ** ثم شاء القدر أن تتسع دائرة الحزن صباح البارحة، وأن تنتقل الحاجة الزينة إلى رحمة مولاها بعد أن ظل جرحها مفتوحاً (45 يوماً).. تبرع الابن بكليته، وزرعها الدكتور كمال أبوسن، ثم غادر صباح اليوم الثاني إلى خارج البلاد، فلم تتداوَ الحاجة زينة..فذهبوا بها إلى مصر ليكتشفوا عدم نجاح العملية، ثم عادوا بها ذات غرفة إنعاش الزيتونة، وظلت بها يوماً تلو الآخر، والجرح ينزف، حتى بلغ الزمان (45 يوماً)، ثم انتقلت إلى رحمة الله..لسنا بعلم وتخصص وخبرة سادة المجلس الطبي لنقرر(خطأ طبي ولا مضاعفات؟)، فالقرار الطبي مسؤولية وأمانة سوف يلقى بها سادة المجلس الطبي خالقهم يوم القيامة، وليس من العدل - ولا المهنية - أن نشارك سادة المجلس تلك المسؤولية والأمانة، بالتصريح أو بالتلميح..!! ** ولكن، بمنتهى التصالح مع الذات، يجب التأكيد أن قانون المجلس الطبي يلزم الطبيب بمتابعة حالة المريض بعد إجراء العملية حتى يخرج معافىً من المستشفى، ناهيك عن (غرفة عناية مكثفة)، أو يغادر إلى رحمة مولاه.. بل حتى بعد الخروج معافىً، يلزم قانون المجلس الطبي الطبيب باستخراج (كرت متابعة)، ويسلمه للمريض وبه (حالته الصحية والأدوية التي عليه تناولها)..أما في حال إدخال المريض في (غرفة العناية المكثفة)، كما حال الحاجة زينة رحمة الله عليها، فالطبيب ملزم بأمر قانون المجلس الطبي بمتابعة الحالة (يومياً)..وأن يغادر الدكتور أبوسن البلاد - والمستشفى وغرفة العناية المكثفة - في اليوم التالي للعملية مباشرة، مخالفة لقانون المجلس الطبي..!! ** نعم، غادر البلاد وكأن ما تم نسج بطنها بمستشفى الزيتونة (عنقريب أو سرير).. فماذا أنت فاعل أيها المجلس الطبي أمام حدث هكذا؟.. فالطبيب في هذه القضية يتكئ على (هالة إعلامية مجدته كثيراً)، أما المرفق الصحي فيتكئ على رئيس مجلس إدارة هو ذاته وزير الصحة بالخرطوم..ولذلك، رد فعل المجلس الطبي جدير بالمتابعة ليعلم الرأي العام إن كان الجميع في بلادنا سواسية أمام القوانين والسلطات الرقابية، أم هناك (خيار وفقوس)..؟