وضعت ذلك الكوب الزجاجي امامي استعداداً لإغراقه بمحتويات ذلك (البراد) القديم من الشاي، فركت عينيَّ برفق، وأنا أحاول طرد بقايا ذلك النعاس الذي لا يزال يتمسك بجفنيهما، ملأت كوبي، ومن ثم استدرت للعودة لغرفتي و...فجأة...اصطدمت بوجه والدتي امامي وهي تقول لي في هدوء-يسبق العاصفة-: (انت يا ولد حكايتك شنو).؟..ومع انني اعرف تماماً انها تهدف لاقتيادي لنقاش صباحي-كالعادة- إلا انني قلت لها في لا مبالاة وانا ارتشف جرعة كبيرة من الشاي: (في شنو يمة)..؟...عقدت حاجبيها وقالت لي بلهجة اكثر صرامة: (في شنو كيف يعني...إنت ياولد ما داير تعرس ولا شنو؟!)، اطلقت تنهيدة حارة من دواخلي وقلت لها بهدوء: (ياحاجة...يعني انتي ما شايفة الحاصل براك...أعرس بشنو يعني؟!...بالقالو حمد؟!)....قالت لي ولهجتها ترتفع تدريجياً: (بس ياها دي شماعتك...واسطوانتك المكررة..انو انت ما عندك قروش..وانو انت بتصرف على البيت..و....و)...قلت لها وانا اغادر المطبخ في الطريق لغرفتي: (يعني يمة حيكون شنو غير كدا...مش دا الحاصل)...اطلقت في تلك اللحظة الكثير من الحكايات عن ود ناس فلانة الذي يصغرني بست سنوات والذي تزوج قبل ايام، وعن ود ناس علانة الذي يصغرني بعشر سنوات والذي تزوج من بت ناس فلتكانة ولديه الآن ولد وبنت...قبل أن تختتم النقاش وكالعادة بعبارتها الشهيرة: (خليك كدا..قاعد زي البيت الواقف).! اغلقت باب غرفتي خلفي وانا اكرر عبارتها في سخرية..(البيت الواقف)..وقلت بهمس حتى لا تسمعني: (يا حاجة هو البيوت الواقفة الايامات دي ذاااااتا وقعت)...دقائق مرت حتى انتابني شعور مفاجئ بتأنيب الضمير...واجتاحتني الآلاف من الاسئلة على شاكلة: (طيب ما صاحبك داااااك عرس وماهيتو اقل من ماهيتك بي مراحل إنت المانعك شنو..؟؟...وطيب ما صاحب صاحبك داااااك عرس بالفاتحة سااااااكت طيب انت المانعك شنو..؟؟..). فركت رأسي بسرعة وانا احاول الاجابة على تلك الاسئلة بينما ارتسمت على وجهي ابتسامة ساخرة من حديث سابق قاله لي صديق عزيز مفاده: (يازول هوي...احسن لينا نعرس...والله العظيم نقعد كدا الناس ديل يطلعونا (.....)...اطلقت عند تلك النقطة ضحكة عالية حتى انني دلقت ما تبقى من كوب الشاي الذي كان يقبع تحت قدمي مباشرة...وردد في سخرية: (قال ..... قال). بيني وبينكم...حكاية الزواج هذه...في الظروف كالتي نعيشها هذه الايام تمثل (قفزة في الظلام) بل وتمثل (اقداماً على الانتحار ذبحاً بسكين صدئة) خصوصاً أن كنت من اصحاب الدخل (المهدود) أو المرتب (الملحوس)..لكن ايضاً (الناس لا ترحم) ولا تدعك في حالك..وستظل تنسج حولك الحكايات وتبتكر لك سيرة ذاتية من افكار بناتها ربما ستصيبك بالهلع إن أطلعت عليها وهي تتبختر على شفاه أحد اولاد الحلة (الشمشارين). اصابني الخوف عند تلك النقطة تحديداً..لذلك سحبت نفساً عميقاً..ثم قررت أن اتزوج...نعم...لماذا تنظرون إلى بدهشة؟...هل قلت شيئاً غير مألوف..؟...اليس هذا ما تريدونه...فليكن.! (نواصل غداَ)