دبلوماسية الخرطوم.. تألق لافت في المنطقة ترجمة: سحر أحمد أشار مراقبون في تقرير بريطاني حديث إلى أن السودان انتهج دبلوماسية لافتة للنظر مؤخراً. ففي فبراير الماضي تزامنت زيارة وزير الدفاع السوداني للرياض وزيارة وزير النفط إلى طهران – الزيارة – التي أعقبت اجتماع الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس الإيراني أحمدي نجاد على هامش قمة منظمة التعاون الإسلامي بالقاهرة في يناير، وحضور البشير لقمة التنمية الاقتصادية العربية بالرياض – التحركات – التي أعتبرها التقرير مؤشراً لتغيير النهج التكتيكي لعلاقات السودان مع الرياضوطهران والتي تعكس المخاوف الحقيقية بشأن بقاء النظام الحاكم. علاقات متصلبة يرى المحلل السياسي والباحث بقسم العلوم السياسية بجامعة لندن دانيال لارج أن علاقة السودان بالشرق الأوسط يمكن وصفها بالمتصلبة منذ استيلاء الإسلاميين على السلطة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي مما عمق عزلة السودان الإقليمية في تسعينيات القرن المنصرم، مضيفاً أن السودان انتهج نهجاً أكثر اعتدالاً في أواخر التسعينيات ونجح في خلق علاقات وشراكة نفطية مع الصين وماليزيا والهند، ويواجه السودان حالياً عقب انفصال الجنوب وفي أعقاب الربيع العربي ظروفاً مختلفة تماماً، مشيراً إلى أن علاقة السودان بإيران كان لها تأثيرها الكبير على السياسة الإقليمية، سيما وأن استراتيجية التحالف العسكري بين الخرطوموطهران تزايدت عقب أن لعب السودان دوره في الحرب بالوكالة بين إيران وإسرائيل، هذه الحرب التي ظهرت للعيان عند شن القوات الجوية الإسرائيلية هجوماً على مصنع اليرموك للذخيرة في أكتوبر من العام الماضي، وأعقبه استعراض البحرية الإيرانية لبوارجها في ميناء بورتسودان – الأمر – الذي أثار قلق واشنطنوالرياض، ونبه لارج إلى أن العلاقات الإيرانية السودانية لم تقتصر علي العلاقات العسكرية فحسب ولكنها تشمل المساعدات الإيرانية للخرطوم فزيارة وزير النفط السوداني عوض الجاز ووزير الزراعة المتعافي خلال الشهر الماضي كانت لها أبعادها الاقتصادية. قلق واحتجاج ويرى لارج أن الرياض ظلت قلقة لفترة طويلة من العلاقة بين السودان وإيران، وكانت قد احتجت سابقاً على عبور الأسلحة الإيرانية للسودان وصولاً إلى المتمردين الشيعة في اليمن، وفي ديسمبر من العام الماضي لم يتطرق مجلس التعاون الخليجي الذي تتمتع فيه الرياض بنفوذ كبير لذكر السودان في بيانه الختامي كما درج سابقاً مما يعتبر مؤشراً مقلقاً للوضع الأمني والاقتصادي للسودان، لافتاً إلى أن العام الحالي شهد جهوداً واضحة للعيان من قبل السودان لإصلاح العلاقة بين الخرطوموالرياض بما في ذلك اجتماع رئيسي المخابرات في ديسمبر من العام الماضي، مشيراً إلى أن جهود السودان الرامية للتقارب مع الرياض وحاجته المزمنة للاستثمار الخارجي تدفعه لتقليل مخاوف الرياض من العلاقة بين السودان وإيران، وأضاف لارج أن الدوافع الاقتصادية وراء علاقات السودان الإقليمية قد قويت عقب الأزمة الاقتصادية وتداعيات انفصال الجنوب وإغلاق دولة الجنوب لإنتاج النفط سيما أن الاستثمارات الخليجية بالسودان ظلت تتمتع بأهمية تاريخية تضاعفت خلال العامين الماضيين، ويرى لارج أنه على الرغم من أن السعودية ليست لها شراكة اقتصادية ذات أهمية خاصة مع السودان إلا أن الأخير قد يرحب بمزيد من الأموال السعودية وأنه يسعى جاهداً لتأمين الاستثمارات الزراعية، ففي يناير من العام الحالي خلال قمة التنمية التي حضرها الرئيس.. عقد منتدى موازي للاستثمار السوداني السعودي حاول فيه السودان على الرغم من فشله السابق في تسويق نفسه على أنه "سلة غذاء الشرق الأوسط". شراكة طموحة واعتبر لارج أن السودان والسعودية في هذا السياق قد تجاوزا مرحلة الشراكة الخطابية إلى شراكة طموحة وأن فشل المؤتمر الوطني السابق لم يمنعه من طرح استراتيجية النهضة الزراعية الكبرى والتي تهدف إلى تعويض الاعتماد السابق على النفط في بلد يتميز بطابعه الزراعي، وهو ما يتوافق مع أهداف المملكة العربية السعودية بشان الأمن الغذائي، وفي إبريل من العام الماضي أعلن مستثمر سعودي علي أنه أستأجر خمسة ملايين فدان بشرق السودان بشروط ودية للغاية، مشيراً إلى أن هنالك مؤشرات قليلة على استمرار الأمن الغذائي الجديد بشروطهم الطموحة للغاية. مضيفاً أنه على الرغم من العوامل الاقتصادية التي تظل محورية في علاقة الخرطومبالرياض وخطب ودها إلا أنها تسعى لاعادة استراتيجية الروابط العسكرية في أعقاب التدريبات السودانية السعودية المحدودة، فالمحادثات التي أجريت مؤخراً بين وزيري الدفاع اللواء عبد الرحيم محمد حسين ونظيره السعودي سلمان بن عبد العزيز أسفرت على ما يبدو عن اتفاق لتنشيط التعاون العسكري مما يشير حالياً إلى أن السودان يتعاون عسكرياً مع كل من الرياضوطهران، ويرى لارج أن محاولة السودان للحفاظ على علاقاته بالخصمين لعبة بعيدة كل البعد من أن تكون محصلتها صفراً، ومؤشراً إلى أن السودان لم يكن يوماً رهيناً سهلاً للساسة الإقليميين، ويميل إلى ممارسة وكالاته الخاصة ولكنه في ذات الوقت يعاني من انقسام قادته حول العلاقات الخارجية فبعضهم يدعو إلى تعميق العلاقات مع إيران بالإضافة للصين باعتبار أنهم يعتبرون ثقلاً موازياً للضغوط الغربية، فيما تطالب بعض القيادات بنهج أكثر توافقاً مع السعودية ودول الخليج نسبة لأهمية هذه العلاقات للسودان في ذاتها وكوسيلة للتقارب مع الغرب، ويرى لارج أنه بغض النظر عن حقيقة الخلافات الداخلية بالحزب الحاكم فإنها مفيدة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لأنها تزيد من خيارات الخرطوم. واعتبر لارج أنه مازال هناك الكثير لرؤية مقدرة الخرطوم على التوفيق بين المخاوف الأمنية والتطلعات الاقتصادية بما فيها الأمن الغذائي الذي سيمثل سؤالاً قائماً، وهنالك أيضا تساؤل عن نهج الرياض في السعي لإضعاف العلاقات السودانية الإيرانية، ولكن من المرجح أن تستمر الخرطوم في محاولة التعاون مع الخصمين لتحقيق درجة قصوى من عائداتها الخاصة.