.بدعوة كريمة نلبي اليوم مناسبة سنوية للإمام السيد الصادق الصديق المهدي في ذكرى تاريخ ميلاده السادس والسبعين متعه الله بالصحة والعافية في متبقي عمره المديد بإذن الله. وبما أن السيد المهدي قد قرر أن يجعلها مناسبة للمراجعة فنرجو أن نساهم في ذلك فالسيد الصادق يتمتع بخصال عديدة حميدة وله مساهمات فكرية وسياسية واجتماعية ودينية وثقافية واسعة وعميقة فيها الإيجابي الكثير وفيها السلبي وفيها المواقف الصحيحة وفيها الأخطاء. وجدت أن أهم ما يتميز به تسامحه واعترافه بالآخر حيث يتمتع بقدرات فائقة في الاستماع للرأي الآخر سواء كان يتفق معه أو يخالفه ولعل زيارته مؤخرا للأستاذ نقد تؤكد روحا وسلوكا إنسانيا ودينيا راقيا مقارنة بمعظم السياسيين -السودانيين وغيرهم- بل لعلها تضع أساسا متينا لروح جديدة في السياسة السودانية نرجو أن تسري وتنساب في الشرايين والجهاز العصبي للسياسة السودانية وعقلها فتحصل الممارسة السياسية الرشيدة ولو كانت طابعها كذلك منذ الاستقلال لكان لنا شأن آخر في بلادنا. وكما ذكرت في مداخلة سابقة في عمودي لقد حقق الأمام أكثر آيات الله صعوبة في التطبيق وهي الآية (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). أهم ما ميز السيد الصادق أيضا حاكما ورئيسا للوزراء مرتين هو عدم استخدامه العنف تجاه مخالفيه أو التعسف في استخدام السلطة مثله مثل الزعيم الأزهري بعكس الحكام الآخرين في الأنظمة الديكتاتورية الذين سيسجل لهم التاريخ سجلا أسود تتحدث به الأجيال فالسيد الصادق قد تعرض أثناء فترتي حكمه لأبشع وأسوأ الانتقادات غير المناسبة بالمقالات أو التصريحات السياسية أو الكاريكاتير فلم يقصف قلما أو يزج بخصومه في السجون والمعتقلات أو يعذبهم بل يحاول دائما التوفيق ولم الشمل حتى اتهمه كثيرون بالضعف والتساهل رغم أنه كان يتمتع بأغلبية مريحة في البرلمان. ولعل أهم ما ميز السيد الصادق على المستوى الفكري للحركة المهدية منذ قيامها في القرن التاسع عشر هو محاولة جريئة في إبراز فكرة المهدية الجديدة في موجتها الثالثة بعد الجهود والسلوك الراقي لجده الإمام عبد الرحمن المهدي الذي أطلق عبارته الشهيرة بين يدي الاستقلال: (لا طوائف ولا أحزاب ديننا الإسلام ووطننا السودان) فقد نشر وقدم السيد الصادق لمناصريه وغيرهم فكرا مهدويا معاصرا، وهنا نسأل: ألم يحن الوقت لفكر مهدوي جديد في موجته الرابعة للقرن الحادي والعشرين فلعل السيد الصادق بما أوتي من فكر متجدد ومعاصر وخبرة سياسية طويلة في الحكم والمعارضة يطور الفكرة المهدوية التي كونت أول دولة قومية موحدة رغم التنوع سيما إذا استطاع أن يحدث مقاربات فكرية ودينية وسياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية مع الآخرين. وهنا أود أن أقترح عليه إدارة ورشة فكرية قوامها المهتمون بالشأن السوداني العام خاصة المهدوي من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية سيما ونحن نشهد اليوم تحولات عميقة بسبب الربيع العربي الذي يساهم السيد الصادق فيه بتكوين مؤسسة تهتم بذلك مؤخرا وأسند لأمانتها شخصية محترمة مثل د. إبراهيم الأمين. ولا يفوتني أن أذكر بعض سلبيات وأخطاء (الإمام) الصادق المهدي وقد ذكرتها سابقا فكيف تسنى له أن يصير إماما للأنصار وهو منصب (شمولي) لحزب الأمة (الديمقراطي) وهو ما رفضه في ستينات القرن الماضي ضد عمه الإمام الشهيد الهادي المهدي فالجمع بين السياسة والقداسة تهزم أفكاره وسلوكياته الديمقراطية وتضعف إمكانية إعادة توحيد وبناء حزب الأمة. كما يوصف السيد الصادق بعدم الحزم وبالتردد في اتخاذ القرارات السياسية المصيرية خاصة عندما كان رئيسا للوزراء مما أضعف نظامه وجعله عرضة للانقلاب عليه! وسؤال أخير للسيد المهدي: ألم يحن الوقت لتوسيع حزبه ليشمل المجتمع العريض الذي يتوق لحزب وسط يقوم على قدم الديمقراطية وساق المؤسسية يسع الجميع ولا يكون حكرا للأنصار وأسرته يتجاوز حزب الأمة فلا يكون مثل حزب الوفد؟ مثلا حزب موجهاته العدالة والحرية والديمقراطية والتنمية والوحدة.