كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. حسناء أثيوبية تشعل حفل غنائي بأحد النوادي الليلية بفواصل من الرقص و"الزغاريد" السودانية    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اللجنة العليا لطوارئ الخريف بكسلا تؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة الطوارئ    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجمع اللغة العربية
نشر في السوداني يوم 21 - 04 - 2013

قدم الأب فيلوثاوس محاضرة عنوانها الأقباط في اللغة العربية تحدث فيها عن مشاركات الأقباط في مصر والسودان في إحياء اللغة العربية والاحتفاء بمجمع اللغة العربية الذي يضم رجالاً عظماء شربوا من منهل اللغة الجميلة وقدموا أجمل الأدبيات نثراً وشعراً، وهنا نذكر:
1. يُذكر أنه في زمن الخديوي إسماعيل 1863 – 1878م برز العالم القبطي الكبير وصفي بك، الذي درس في الأزهر الشريف ووضع كتاب الخلاصة الذهبية وهو أول كتاب في النحو ووضع أيضاً كتاب "مرآة الظروف في فن الصرف" .
2. السياسي المحنك والأديب البارع والوطني الأصيل واصف بطرس غالي 1878 – 1958م قام بترجمة بعض الشعر العربي إلى اللغة الفرنسية في ديوان بعنوان "روض الأزاهر" كما قام بإلقاء محاضرات في فرنسا للإشادة بفضل العرب على الثقافة الأدبية وقام بترجمة ديوان البحتري إلى الفرنسية حتى قيل عن واصف غالي أنه كان ذا كفاءة نادرة ولو أنها كفاءةٌ حالمةٌ، وقال عنه سعد زغلول: واصف غالي أقل الناس طمعاً وأكثر الناس تواضعاً، متواضع في كبرياء، ساكن في حركة، شديد الحساسية، قوي في عجز، ماكر في بساطة، واسع الخيال، بليغ القلم والبيان، وقال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي:
غالي ما شئت في ابن بطرس غالي علم الله ليس في حق غلا
فهو رجل غالي ورفيع القيمة، ولكنه لا يغالي في شيء.
3. أما الدكتور القبطي رمسيس جرجس، فقد كان بلا منازع أحد علماء مجمع اللغة العربية 1885 – 1959م وقد كان طبيباً ومحباً للغة العربية، وبرع في الأبحاث الطبية وكتب معجماً للعلوم الطبية عربي إنجليزي فيه نحو ستين ألف مصطلح، وعُرِف بحرصه على أن يضع لكل مصطلح مقابلاً له من اللغة العربية الفصحى، مهما كان غريباً وله من المعاجم والقواميس الكثير وقدم للمجمع اللغوي عدة بحوث عن دراسات لغوية تحتاج إلى إطلاع واسع وعلم غزير وهي: 1-النسب بالألف والنون2- التميمي والتنوين 3- النحو في العربية.4- اللغة الفرعونية وعلاقتها باللغات الأخرى5- مصطلحات ابن سيناء.
وعندما انضم لمجمع اللغة العربية قال عنه الدكتور أحمد عمار: " لقد أرادت له الأقدار أن يكون معجمياً أو أن يكون مُعجمياً " فمعنى الكلمتين يكاد أن يكون واحداً كما أن حروفها واحدة، ومن ثم أهلته لهذا المركز الجليل على النحو الدقيق.
4. أما قرياقص ميخائيل المراغي 1887 – 1956م فقد أطلق عليه المؤرخون لقب المجاهد الوطني وأيضاً لقب المحامي البليغ عن الأزهر الشريف، وكان في كتابته باللغة الإنجليزية يهدف إلى ترسيخ الوحدة الوطنية، وكتب نحو مائة مقال لشرح المسألة المصرية وكان هذا باللغة الانجليزية في لندن، وفي لندن أيضاً دافع عن الإسلام وعن الأزهر الشريف وتبرع هناك بحديقة منزله لتكون منتدى ثقافياً لأبناء بلاده المقيمين في بريطانيا.
5. ونأتي إلى الدكتور البروفيسور مراد كامل 1907 – 1975م وقد كان لي شرف التلمذة على يديه في كلية اللاهوت، حين كان يدرسنا اللغة العِبْريَةِ، وهي لغة شقيقة للغة العربية، وقد نبغ في عدة لغات تصل إلى ثلاثين لغة، وقد أختير عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة في 1961م، وقام بالتدريس في معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، وله أبحاث في أصول اللغة وقواعدها وتاريخها .
6. أما المهندس الجسور بين الثقافة العربية والثقافة العالمية فإنه دكتور مجدي وهبة 1925 – 1991م، فلقد كان يعمل مترجماً وكان يملك ناصية اللغة العربية وترجم القانون الفرنسي المعروف "كود نابليون" إلى العربية وعُيّنَّ مديراً عاماً لإدارة الترجمة العربية بوزارة الحقانية ثم وزيراً للمالية وقبل هذا كان وكيلاً لوزارة الثقافة، وفي سنة 1979م أختير عضواً بمجمع اللغة العربية وكان يمثل المجمع في اتحاد المجامع اللغوية، وله بالاشتراك مع كامل المهندس قاموس المصطلحات اللغوية والأدبية والعربية.
7. ومن النساء برزن كثيرات في آداب اللغة العربية بينهن الدكتورة أنجيل بطرس أستاذة الأدب الانجليزي، التي نقلت يوتوبيا من العالمية إلى العربية، وقدمت السكرية لنجيب محفوظ إلى العالمية ولها العديد من المؤلفات باللغة العربية وباللغة الانجليزية، ولها دراسات في الرواية العربية.
8. أما الأديب المبدع والناقد الجرئ الأستاذ لويس عوض 1915 – 1990م فإنه ظاهرة فكرية يقولون إنها لا تتكرر، وهو أحد أعضاء قافلة رواد التنوير العظماء في تاريخنا الثقافي المعاصر، وهو مفكر جرئ وقد قضى سنوات طفولته في عاصمتنا الثقافية الخرطوم، وسط أجواء جميلة ورائحة تاريخ عتيق، وله ما يقرب من خمسين مؤلفاً باللغة العربية والإنجليزية وقد كتب في الثورة والأدب مقدمة في فقه اللغة، وأوراق العمر، وله معارك ثقافية حول مواضيع عربية أبي العلاء المعري ورسالة الغفران، وقد قال عن اللغة العربية إنها أحد فروع الشجرة التي خرجت منها مجموعة اللغات، وقال عنه الدكتور يوسف إدريس إنه من أعظم المفكرين العرب في كل التاريخ العربي ومقالاته النقدية مهما اختلف البعض هي أنوار متلألئة على طول الطريق إلى نهضتنا، وقال عنه دكتور مصطفى الفقي إنه كان ناقداً مرموقاً ومتذوقاً رفيع الشأن للشعر والرواية والمسرح والسينما في وقت واحد، ومزج في شخصيته بين الاهتمامات الفكرية والأدبية والفنية، وقال عنه دكتور أسامة الباز إنه كان مفكراً ديمقراطياً لا يقبل إطلاقاً فكرة الفرد وإملاء الرأي، وهو يرفض الدكتاتورية والرأسمالية العسكرية .
9. أما الأديب القبطي العظيم جرجس زيدان مؤسس جامعة القاهرة 1861 – 1914م والذي نعاه الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدة جميلة وبليغة تعبر عن مكانة جرجس زيدان حيث قال:
ثكَل الشُرق فتاه ليتني كنتُ فِداه
ليتني كنتُ أصمّا عندما الناعي نعاه
قد نعى الناعون زيداناً إلى البدر سناه
وإلى التاريخ والعلم أباه وأخاه!
وقال عنه جبران خليل جبران: من شاء أن يكرم زيدان فليرفع نحو روحه ترنيمة الشكر وعرفان الجميل، بدلاً من ندبان الحزن والأسى، ومن شاء أن يكرم زيدان فليطلب قسمته من خزان المعارف والمدارك التي جمعها زيدان وتركها إرثاً للعالم العربي.
ولجرجس زيدان إنتاجاً ضخماً أدبياً ولغوياً، وقد كتب ليبقى ما بقي الزمان، ومادام القمران، كتب للأجيال الآتية عن الأجيال الذاهبة، بلغة واضحة مفهومة، لا تعقيد فيها ولا تكلف. ولقد وجه جرجس زيدان إلى أهمية سفر أيوب باعتباره كتاباً كتب باللغة العربية، وترجم إلي العبرية، وفُقِد مِنَ العربية وبَغِيَ في العِبْرية، لأن أيوب أديب عربي بليغ، وكلماته هي شعرٌ روحي رصين، وأصدقاءه الأربعة هم شعراء وأدباء وموقع حياته موجود حيث هو مدفون في سلطنة عمان.
10. ولا يمكن إلا أن تكتب عن أديب اللغة العربية وشاعرها الروحي الصوفي قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث والذي يقف حتى الآن مع العرب في حماس أكثر من حماس العرب، ورفض أن يدخل القدس إلا مع إخوانه المسلمين، وهو أديب وشاعر وثائر وواعظ وفاهم للغة العربية، يعيش دروبها ويسلك في فيافيها وينطلق روحاً في صحرائها يتعبد ويتنسك .
أنا في البيداء وحدي ليس لي شأن غيري
لي جحر في شقوق التل قد أخفيت جحري
وسأمضي منه يوماً ساكناً ما لست أدري
وفي همسة حب يهمس من قلبه:
قلبي الخفاق أضحى مضجعك في حنايا الصدر أخفى موضعك
قد تركت الكون في ضوضائه واعتزلت الكل كي أحيا معك
ليس لي فكر ولا رأي ولا شهوة أخرى سوى أن أتبعك
يا صديقي لست أدري ما أنا أو تدري أنت ما أنت هنا
أنت مثلي تائه في غربة وجميع الناس أيضا مثلنا
نحن ضيفان نقضي فترة ثم نمضي حين يأتي يومنا
إن البابا شنودة هو الرجل العظيم، الذي يملك ناصية الكلام ويعبر عن نفسه وعن رؤياه باللغة العربية في بلاغة ويتكلم في فصاحة، فهو أظرف أدباء العصر.
11. وكان الأقباط يذهبون إلى الأزهر للدراسة فيه لكي يتمكنوا من اللغة العربية وكان الأقباط في المدارس يُدَرِسُونْ اللغة العربية، وكان هذا في مصر إلى وقت قريب حتى عام 1940م، عندما صدر قرار وزاري من وزارة المعارف يمنع المدرسين الأقباط من تدريس اللغة العربية، حتى وإن كانوا متخرجين في قسم اللغة العربية بكلية الآداب، ولكن هذا القرار لم يمنع الأقباط في مصر من النبوغ في اللغة العربية، وبالنسبة للسودان لم يلتزموا بهذا القرار، بل ظل الأقباط نجوماً مضيئة في سماء اللغة العربية، وكان الأستاذ عدلي منسي شيخ الكنيسة الإنجيلية مدرس وأستاذ اللغة العربية بمدارس كمبوني، يقولون عنه أنه ملك الإعراب، ونذكر هنا أساتذة ممتازين في اللغة العربية هم أساتذة الأجيال مثل الأستاذ عبده بشاي في الأبيض، والأستاذ عبد الكريم الشعراوي، في مدرسة الراهبات بالخرطوم، والأستاذ عبد العزيز الشعراوي، والأستاذ عبد ربه إسطاسي، والذي كان متمكناً من اللغة العربية، وتتلمذ عليه كثيرون من بينهم الزعيم الديمقراطي المرموق الصادق المهدي، ويذكر تلميذه هذا أفضال أستاذه، ويدعو أبناء هذا الأستاذ مثل دكتور حلمي اختصاصي الأنف والأذن والحنجرة وخبير البترول نبيل، وأميل، وعادل، وجرجس لكي يحضروا لقاءات الصادق المهدي باعتبارهم من أفراد أسرته، ونذكر هنا أيضاً الأستاذ يوسف غالي، والذي كان مفتشاً للغة العربية بالمدارس السودانية خلال الثمانينيات، وكانت له إشراقات لغوية ومقاطع شعرية في أحاديثه اليومية.
12. ونذكر من أقباط السودان الشقيقين منير متى ومراد متى وقد شاركا في وضع مناهج اللغة العربية للمدارس السودانية وكانا يدرّسانها، ومن الطريف أن منير متى مع صموئيل توفيق ذهبا للتدريس في جنوب السودان، وهنالك أستقبلهما التمرد وأودعهما في السجن وأرسلت طائرة من الجيش لكي تخرجهما وتنقلهما إلى الخرطوم، وهما معاً أيضاً استقبلا في زالنجي بروفسور عبد الله الطيب وأكرما وفادته وقد كان آتياً من موقع آخر لم يكرم فيه، وقال بروفسور عبد الله الطيب قصيدة يمدحهما فيها مطلعها:
جود الأكرمين من شواء ومن لحم وجودهم" قُونْقُوِليز " ليس له طعم
13. وقد جاب هؤلاء أنحاء السودان جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً، وهم يحملون في قلوبهم اللغة العربية الغنية الثرية بالنحو والصرف وسحر البلاغة والأدب نثراً وشعراً، وحفظوا أيضاً لغة جبال النوبة، التي سهلت عليهم تعليم أبناء جبال اللغة العربية، وقد كان أغلب أساتذة الجبال من أقباط السودان، نذكر منهم: الأستاذ وديع قلادة والد البروفسور مجدي، أستاذ طب الأسنان بجامعة الخرطوم، والأستاذ محروس ديمتري، والد الصيدلاني سمير، وابن الكاهن القبطي السوداني ديمتري الذي أقام احتفالاً في وادي حلفا، احتفاءً بالزعيم سعد زغلول، فأثار حفيظة الاستعمار وأمر بمغادرته حلفا في 48 ساعة.
14. وفي السودان تعامل الأقباط مع اللغة العربية تعاملاً محترماً وتفاعلوا مع هذه اللغة العظيمة، وكانت المكتبة القبطية بالخرطوم صالوناً أدبياً للشعر والنثر والندوات الغنية بتراث اللغة العربية حتى أن سكرتير نادي المكتبة القبطية ذات مرة كان أزهريًا مسلماً، اشتملت المكتبة القبطية على العديد من الكتب في الأدب العربي وانتشرت المكتبات في أم درمان والخرطوم بحري ومدني والأبيض وعطبرة وبورتسودان وكلها كانت صالونات أدبية يتلاقى فيها الأدباء ويملأون الحياة أدباً وبلاغة وشعراً وزجلاً .
وعلى مستوى الوزراء يذكر عن الدكتور وديع حبشي أنه عندما يتلقي التقارير من مرؤوسيه يراجع التقرير، ويصحح الأخطاء التي فيه، ويُقَوِْمِّ لغته العربية، وقد كان مهموماً باللغة العربية.
15 وفي أقباط السودان العديد من الأدباء والشعراء نذكر منهم عزيز التوم منصور، والشاعر عزيز أندراوس، صاحب الشاطئ المهجور، والشاعر سعد ميخائيل، الذي قدم أول كتاب عن شعراء السودان، وجمع فيه سيرة ومسيرة وأدب وشعر ما يقرب من أربعين شاعراًَ، والشاعر تادرس الفرشوطي، الذي ملأ ساحة الكتب المدرسية بالأناشيد الوطنية، بل لقد وضع منهج اللغة العربية وقام بتدرسيه، وقدم أجمل تحية لقاعة الصداقة، والتي لم تكن مشهورة مثلما اشتهرت في زمن الإنقاذ، موسم المؤْتمرات المتعددة، وأيضاً الشاعر الذي كان يلقب بزهير، وهو شفيق فهمي مينا الدنقلاوي، وأيضاً الشاعر صالح بطرس والذي تمكن أن يشعل حماس المسلمين لبناء الجامع الكبير بأمدرمان من خلال قصيدة عصماء، وكان في كل عيد في أول السنة الهجرية يتحف الناس بقصيدة عن مراجعة حصاد السنين الماضية، والبدء في سنة جديدة بدءاً روحياً ووطنياً ومجيداً، وفي هذه الفترة ظهر في دنيا الشعر والشعراء، والأدب والأدباء، ونذكر هنا الخطيب البليغ الذي بدأ خدمته في السودان وطُرد منها بواسطة الحاكم الإنجليزي وذهب إلى مصر وهناك صار خطيبا بليغاً مفوها ثورياً، أذكى نار ثورة 1919م هو الأب القمص سرجيوس والذي كان هنا في السودان بيننا وبدأ من هنا مجلته " المنارة المرقسية " والتي كانت منارة ازدانت بالأدباء والشعراء وموجودة أعدادها الأولى في دار الوثائق السودانية، ولا ننسى أديب الأدباء وشاعر الروح والقداسة المطران الأنبا دانيال الذي كان عندما يطير النوم من عينيه يكتب أجمل القصائد الروحية، وعلى مستوى أقباط مصر نذكر الزعيم المرموق مكرم عبيد، والذي كان خطيباً بليغاً في اللغة العربية وندد بالاحتلال وازدان تاريخه الفني والسياسي بأعظم الخطب الحماسية، ، وكان وزيراً للمواصلات والمالية والخارجية وكاد أن يكون رئيساً للوزراء لولا خصومات البعض وكان نقيباً للمحامين، ويعد كما قال عنه مصطفى الفقهي أشهر خطيب في التاريخ السياسي وله أقوال يحفظها البعض حتى الآن نذكر منها " اللهم يا رب المسلمين والنصارى أجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصارا، واجعلنا نحن النصارى لك وللوطن مسلمين"، وعلى ضريح سعد زغلول قال مكرم عبيد: في مناسبة عيد الفطر 1943م ولا يحسبن أحد أن حقي في تهنئة إخواتي المسلمين مستمد من صلة في الدنيا دون الدين كلا فالحق ليس هو إلا سبيل واحد، وإن يكن ذا طرفين وقبلة واحدة وأن تكن بين حرمين فلنتحدث عن هذا الحق من ناحيته وعلى صورته أو بالأحرى فإن الأعياد فرعت فجمعت بيننا على اختلاف مذاهبنا في الدين، ما من عيد للمسلمين أو المسيحيين من بني الوطن إلا وتُفتح له الدور لاستقبال الفريق الآخر من المواطنين المهنئين والمُعَيدِِّين مع المُعَيدَّين لاعَنْ مجامله بل عن مؤاخاة ومجاورة ومزاملة أما من ناحية الدين فتجمعنا في الوطن محبة الإقليم وفي الله الرحمن الرحيم أو نكون إخوة في الوطن وفي إنسانية هذا العالم الأصغر ونكون إخوة في الله والله أكبر ألا نرتفع بالدنيا إلى مستوى الدين وبالأرض إلى أعلى السماء إذا شئنا لأرواحنا أن نحيا حياة النعيم في دار الشقاء وعندما حاول المستعمر أن يفرق بين المسلمين والأقباط قال مكرم عبيد: يقولون أقباط ومسلمون بل هم مصريون ومصريون وآباء وأمهات وبنون وبنات، أو قولوا لهم أخوة يدينون بدين مصر، وبدينها يؤمنون أو أشقاء لاُن أمهم مصر وأباهم سعد زغلول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.