بعد الدعوة لحوار في أمريكا الخرطوموواشنطن.. هل سيتم التوصل لفك شفرة التطبيع؟! تكشف مصادر دبلوماسية أن التسوية القادمة تنبني بشكل أساسي على المؤتمر الوطني والحركات المسلحة، وهو ما يجعلها تتجاهل القوى السياسية المعارضة التقليدية. يقول مدير برنامج دولتي السودان في معهد السلام الأمريكي: إن المعارضة السودانية تركز على إسقاط النظام إلا أنها لا تشير لخططها لتصحيح المسار، كما أنهم يركزون على أن الأوضاع الحالية هي الأسوأ، فلماذا لا نجرب الجديد. في المقابل فإن الحكومة نجحت في تضخيم الشكوك حول المعارضة وفي جعل نفسها حارسة للاستقرار. تقرير: عبدالباسط إدريس يبدو أن الإدارة الأمريكية وجدت أن فكرة إغراق السفينة والقفز إلى قارب مفكك أخطر من مراقبتها وهي ترسو إلى بر آمن. فثمة فرصة جديدة للحوار المباشر بين البلدين تلوح في الأفق عقب إعلان الخارجية الأمريكية قبول الحكومة السودانية لحوار مباشر معها. حيث تشير الأخبار إلى أن مساعد الرئيس د. نافع علي نافع سيقود وفداً حكومياً رفيع المستوى في زيارة مرتقبة للولايات المتحدةالأمريكية، وسط توقعات بأن يقود الحوار الذي لم يحدد تاريخه بعد إلى إحداث نقلة نوعية في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين تنتهى بعدها حالة القطيعة التي استمرت لنحو عقدين من الزمان. هذه الدعوة التي تعد الأولى من نوعها يثار حولها نقاش كبير خاصة وأنها تأتي في ظل أوضاع صعبة يمر بها السودان. وفي هذا يقول نائب المتحدث الرسمي للخارجية باتريك فندريل: إن الولاياتالمتحدة تنتظر الوفد السوداني للحضور إلى واشنطن، وإجراء حوار أمريكي سوداني صريح حول النزاعات والكوارث الإنسانية داخل السودان، إلى جانب دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وسيشمل الحوار أيضاً مكافحة الإرهاب وبعض المسائل الأخرى. وأكد أنه لم يتم تحديد تاريخ للزيارة، لكننا نرحب بها ونشجع السودان الذي أحدث تطوراً في تنفيذ اتفاقياته مع جنوب السودان. وأضاف "أن السودان أحدث أيضاً تطوراً في مسألة منطقة أبيي وفقاً لخارطة الاتحاد الإفريقي، وهذا يعني أن هناك تطور نوعي، ونحن نبدي قلقنا من بعض الأشياء لذلك قررنا أن نرفع السقف ونجري حواراً مباشراً مع الحكومة السودانية". وتكشف مصادر دبلوماسية مطلعة ل(السوداني) أن دعوة الولاياتالمتحدة مهتمة بصياغة مبادرة جديدة على غرار نيفاشا السابقة لإطفاء كل بؤر النزاعات لتحقيق الاستقرار في السودان، وأضافت أن الإدارة الأمريكية وعبر معهد السلام الأمريكي الذي أشرف على اتفاقية السلام الشاملة 2005، وزادت أن المؤتمر الوطني سيكون طرفا رئيسيا في التسوية القادمة بجانب الحركات المسلحة (قطاع الشمال وحركات دارفور والشرق)، ولفتت ذات المصادر إلى أن التسوية تجاهلت القوى السياسية المعارضة التقليدية. وتوقعت أن ينصب الحوار مع نافع في هذا السياق. إنهاك كامل ووفقا لعدد من المحللين فإن الرؤية الأمريكية تقوم الآن على أن الصراع المسلح بين الحكومة والمعارضة وصل لمرحلة عدم حسم أي من الطرفين للصراع ووصولهما لحالة إنهاك كامل بسبب استمرار الحرب، ولذلك تبدو فرصة التسوية مقبولة من قبل الطرفين الآن، أما النقطة الثانية فهي مرتبطة بالرؤية الأمريكية التي ترى أن تحقيق الاستقرار يستوجب استمرارية المؤتمر الوطني في السلطة استناداً لخبرته في الحكم طيلة العقدين الماضيين مما يجعله عنصرا قادرا وفاعلا على تحقيق الاستقرار مستقبلاً. ويقول مدير برنامج دولتي السودان في معهد السلام الأمريكي جون تيمن: "ينظر للسودان في كثير من الأحيان بالنظر لعلاقاته مع جنوب السودان وليس كدولة مضطربة في حد ذاتها بشكل عميق وفي حاجة لإصلاح شامل"، ويضيف تيمن أنه وفي ظل اتساع موجة العنف بين الأطراف السودانية فإن التعامل الدبلوماسي يتعامل باستراتيجيات قصيرة لوقف العنف دون أن يعطي وقتا لطويلة الأجل لمعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار. ويلفت تيمن في مقال سابق ب(فورقن بوليسي) إلى أن العائق الرئيسي لدفع الحكومة للإصلاح هو انقسام المعارضة بين ثلاث فصائل (الأحزاب السياسية، الحركات المسلحة، المجموعات الشبابية التي تنشط الكترونيا)، وينبه تيمن إلى أن المعارضة تركز على إسقاط النظام، إلا أنها لا تشير لخططها لتصحيح المسار، ويزيد تيمن أنهم يركزون على أن الأوضاع الحالية هي الأسوأ، فلماذا لا نجرب الجديد، ويقول تيمن إن الأوضاع يمكن أن تكون تسوء أكثر لافتا إلى أن الحكومة نجحت في تضخيم الشكوك حول المعارضة وفي جعل نفسها حارسة للاستقرار. تبدل مواقف ثمة تغيرات ملحوظة في سياسية الإدارة الأمريكية تجاه السودان خاصة عقب صعود الرئيس الأمريكى باراك أوباما لمنصب الرئاسة الأمريكية ، حيث مثلت عملية السلام بين السودان وجنوبه واحدة من المحطات المهمة التي عملت إدارة أوباما على تشجيع الطرفين – الحكومة والحركة الشعبية- حينها لتجاوز عقباتها حتى انتهت بإجراء الاستفتاء الذي قرر بموجبه الجنوبيين الانفصال عن السودان، ثم انتقلت الإدارة الأمريكية من خانة العداء الصريح للحكومة في السودان، كما كانت تفعل الإدارات التي سبقت فترة الرئيس أوباما إلى التواصل مع الحكومة وإجراء حوارات مباشرة وغير مباشرة معها عبر مبعوثيها الخاصين، إلى الخرطوم وهو فيما يبدو ما شجع الخرطوم على الاستمرار في الحوار مع الولاياتالمتحدة. وبرغم التعبيرات المتكررة التي أتت على لسان قيادات سودانية بارزة عبرت من خلالها عن عميق استيائها من الوعود الأمريكية المتعاقبة وعدم الإيفاء بها إلا أن وزير الخارجية علي كرتي والذي سبق وأن زار الولاياتالمتحدة كان قد قال في تصريح سابق إن: "مهمتنا تتركز في تحسين علاقات السودان مع كل الدول"، وأكد أن أمريكا دولة مهمة ولها أثر كبير على العالم، وأنهم إن لم يسعوا لتحييد هذا الدور الأمريكي فسيكون الأمر في غير صالحهم، وأشار الوزير إلى أن جلسات حوار عديدة دارت بينهما في أوقات مختلفة موضحاً أن زيارته الأخيرة للولايات المتحدة كانت تتعلق فقط بموضوع السودان لدى مجلس الأمن، لافتاً إلى عدم وجود رفض من الجانب الأمريكي لأي لقاء إلا أن المسألة كانت تخضع لترتيبات فقط . ويبدو أن عدة عوامل مهمة أسهمت في إحراز تقدم في الترتيبات التي أشار لها الوزير كرتي أهمها توحد رأي مؤسسات صناعة القرار الأمريكي واقتناعها فيما يبدو بضرورة الحوار المباشر مع الحكومة السودانية، وحث الجماعات المسلحة والمدنية على ضرورة الحل السلمي للمشكلات الداخلية في السودان وعلى رأسها قضايا دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وبحسب مصادر دبلوماسية موثوقة فإن هذه القناعة ترجمت إلى فعل ملموس أمس الأول حيث كشفت تلك المصادر عن لقاء جمع بين دبلوماسي أمريكي وممثلين للجبهة الثورية المسلحة بكمبالا أبلغهم فيه أن بلاده تؤكد بشكل واضح وحاسم أنها ستعارض أي خطط للمعارضة في العمل المسلح لتغيير الحكم فى السودان، وأكدت لهم أيضاً أن إسقاط الحكومة عبر الثورة السليمة غير وارد باعتبار أن المعارضة الحلية ضعيفة ولا تستطيع السيطرة على أوضاع السودان حال وصولها للحكم، ويرى المحلل السياسي د. بهاء الدين مكاوي في تعليقه ل(السوداني) أن المساعي الأمريكية للحوار مع السودان اقتضتها عوامل داخلية تخص الولاياتالمتحدة والحزب الديمقراطي الحاكم، الذي يريد بث رسائل داخلية بأنه حزب يبذل جهوداً لتحقيق السلام خارج حدود أمريكا بخاصة إفريقيا التي قال إنها أضحت تشكل محور اهتمام لدى إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. تطور ملحوظ ويجيء هذا التطور في أعقاب وصول السيناتور جون كيري لمنصب وزير الخارجية حيث يوصف الرجل بأنه من أكثر العاملين في الإدارة الأمريكية استيعاباً لقضايا السودان، حيث سبق له الاضطلاع بمهمة المبعوث الخاص للرئيس أوباما إلى السودان وأشرف على إكمال نهايات اتفاقية السلام الشامل ولعب دورا محوريا في إقامة الاستفتاء لجنوب السودان. من جهة ثانية يحتمل بروز اسم د. نافع على لسان الخارجية الأمريكية بأنه من يقود الحوار ثلاث زوايا هي: أن المبعوث الأمريكي السابق ووزير الخارجية الحالي جون كيري قد تمكن خلال زياراته السابقة إلى السودان من استيعاب المشكلات والقضايا عن قرب، إضافة إلى تحليله للشخصيات القيادية بالدولة ومعرفته بمراكز القرار والنفوذ ومقدرة ووزن من تقود معه حوارا جديا، بجانب أن له علاقة شخصية مميزة مع نافع، أما الزاوية الثانية فهي أن للحكومة السودانية مواقف معلنة من المبعوثين والمسؤولين الغربيين والأمريكيين الذين يستخدمون "تفادي لقاء رئيس الجمهورية كواحدة من وسائل الحرب النفسية على النظام"، ويبدو أن الحكومة أرادت باختيار د. نافع بدلاً عن أي من نائبي رئيس الجمهورية. أما الزاوية الثالثة فهي ذات صلة بشخصية د. نافع علي نافع الذي يرى فيه كثير من المراقبين المحليين أنه من أكثر قيادات الدولة انتقاداً لسياسات الولاياتالمتحدة تجاه البلاد تبدو شخصيته عن قرب أنه رجل دولة شديد الذكاء، جاد ومرتب الذهن ويعرف ما يريد ويسعى لتحقيقه عبر نقاط، كما أنه يتسم أيضاً بنوع من البرغماتية، وبارع على وجه الدقة في المناورة والخداع، وقد أكسبته خبرة العقدين من الزمان التي قضاها في دهاليز السلطة إلماما تاما بكثير من الملفات، فهو رجل أضواء خافتة ويجيد التسويات (السرية) وله قدرة على اتخاذ القرارات الصعبة. شارة خضراء ويرى الخبير الدبلوماسى ومندوب السودان السابق لدى الأممالمتحدة السفير عبدالمحمود عبدالحليم في تعليقه ل(السوداني) أنه حال صح الإعلان الذي صدر (بإجراء الحوار) ولم تعقبه توضيحات أو تأجيلات تخرجه عن سياقه فإن لذلك مدلولات، يقول إنها من ناحية المضمون تعتبر خطوة مهمة لأن السودان ظل يؤكد دوماً أن الحوار هو أقصر الطرق لحل الخلافات والانتقالات بينه وأمريكا. ويشير إلى أن توقيت الحوار يأتي في أعقاب الولاية الثانية للرئيس الأمريكي باراك أوباما وهي ولاية يقود فيها الدبلوماسية وزير جديد سبق له زيارة السودان وليس بعيدا عن قضاياه. ولفت إلى أنها تأتي عقب انفراجات واضحة في العلاقات بين السودان ودولة جنوب السودان، وهو أمر قال إن الإدارة الأمريكية تهم له كثيراً. ومن حيث الشكل يرى عبدالمحمود أن تسمية شخصية رفيعة مثل د. نافع لقيادة الحوار له دلالته التي لا تخفى، ويشير إلى أنه من ناحية أخرى فإن أهمية الحوار في هذه المرة أنه سيكون في ( واشنطن) لأن المباريات السابقة كانت تتم على المعلب السوداني بواسطة المبعوثين الأمريكيين ، لكنه قال إن المبارة ستقام هذه المرة في (أرض الخصم). وكان الأسبوع الأخير من شهر رمضان الماضي قد شهد لقاءً بين نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب د. نافع علي نافع والقائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم جوزيف استافورد، وعلى الرغم من رفض الأخير في تصريحات صحفية سابقة الإفصاح عن أجندة اللقاء إلا أنه اكتفى بالقول: إن بلاده راغبة في التغلب على التحديات التي تواجه العلاقات الثنائية مع الخرطوم عبر الحوار. وفي ذات السياق بدأت واشنطن في رفع بعض العقوبات عن السودان. خلاصات وتوقعات الثابت كما أسلفنا أن الإدارة السودانية كثيراً ما عبرت عن تكذيب الوعود الأمريكية المتلاحقة منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في العام 2005 وحتى الآن. الأمر الذي ربما جعل أكثر المتشائمين لا يتوقعون نتائج ذات جدوة في الحوار بين البلدين على الرغم من أنه في هذه المرة يعد نوعياً من حيث الشخوص والمباشرة والمكان. لكن الخبير الدبلوماسي عبدالمحمود عبدالحليم رسم ل(السودانى) مدارين للقاء المرتقب قائلاً إن السودان قد يفلح في إحراز هدف ذهبي يؤهله وقد تعيد الجولة استنساخ الوعود غير المنفذة التي قال إنها كثيراً ما لونت نظرة واشنطن لمطالب الخرطوم. ومضى عبدالحليم للقول أيضاً إن الإشارة إلى أن البصمة الغالبة في السياسة الخارجية الأمريكية هي المصالح وليس لديها أعداء دائمون أو أصدقاء دائمون، وأشار إلى أن توتر العلاقات بين السودان وأمريكا لم يأت في عهد حكومة الإنقاذ، ولكن العلاقات بين البلدين شهدت توترات أيام الديمقراطية الثالثة وعهد نظام مايو. قائلاً إن أية علاقة ينبغي أن تقوم على المصالح المشتركة.