العقيدة الصحيحة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين، وتصح معه الأعمال، كما قال تعالى " فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " وقال تعالى " وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) سورة الزمر. وقال تعالى " فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ..(3) " سورة الزمر. فدلت هذه الآيات الكريمات وما جاء بمعناها وهو كثير على أن الأعمال لا تُقبل إلا إذا كانت خالصة من الشرك، ومن ثم كان اهتمام الرسل "صلوات الله وسلامه عليهم" بإصلاح العقيدة أولاً، فأول ما يدعون أقوامهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه، كما قال تعالى " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) سورة النحل وكل رسول يقول أول ما يخاطب قومه " اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23) سورة المؤمنون قالها نوح وهود وصالح وشعيب وسائر الأنبياء لقومهم، وقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة بعد البعثة ثلاثة عشر عاماً يدعو الناس إلى التوحيد وإصلاح العقيدة لأنها الأساس الذي يقوم عليه بناء الدين، وقد احتذى الدعاة والمصلحون في كل زمان حذو الأنبياء والمرسلين، فكانوا يبدأون بالدعوة إلى التوحيد وإصلاح العقيدة، ثم يتجهون بعد ذلك إلى الأمر ببقية أوامر الدين. ولهذا كتب أحد الإخوة السلفيين مناشدة طيبة في هذا النحو جاء فيها "وأما من تدين بالخرافات والقباب والقبوريات وكل أنواع الوثنيات فتلك هي الشركيات التي تحبط الأعمال الصالحات إن لم يتب منها قبل الممات ويرجع للتوحيد قبل فوات الفوات، فيا أيها الكبار والسادات، ويا أصحاب الزعامات إنا ندعوكم لأفضل القربات وأجل الطاعات، فاستقيموا على الصراط وانبذوا كل الجاهليات، ولنتبع جميعاً السنن والآيات، ونعض عليها بالناجذات، فهي التي ننال بها الخيرات، وبها تعم البركات في الأرض والسموات، وبها ننال رضا رب الأرباب، وبها يدخل الناس الجنات، فإن كنتم ترغبون حقاً في الجنات فاعلموا أن هذا هو الصراط فقط هذا هو الصراط". أما الأوضاع السياسية فلم ينل منها المجتمع إلا الضياع والتحسر وهي رجس من عمل الشيطان تدير الرؤوس أكثر من الخمر وتبث العداوة والبغضاء اكثر من الميسر وتمتطي في سبيل تحقيق أغراضها أنجس المطايا ولو كان الثمن ضياع آلاف الأرواح وهلاك الحرث والنسل وتشريد الأمنين وانطباعات مفعمة بالاسى المرير مع الكذب والغش والخداع والرياء والنفاق والتجسس وليس نقصد السياسية الشرعية بمفهوم الكتاب والسنة وشتانا بين الجوهر النفيس والبعر الخسيس وهذا هو الواقع المرير الذي تجرعه المجتمع حتى الثمالة ومن أعظم توجيهات القرآن إنه إذا تحدث عنه مسألة يحيطها بهالة من التقديس ويسارع إلى تذكير المجتمع بالله سبحانه وتعالى ووجوب مراقبته وتقواه كي يسود الوقار والاحتشام والأدب نريد أن يسود المجتمع أدب التدين بعدما سيطر عليه السياسيون بالمناوشات الحزبية والسياسية الفارغة ولن نصل إلى ذلك إلا يوم يؤمن الجمهور بأن الدين هو الترجمان الصادق والمنقذ لحياة المجتمعات حتى تصبح الحياة فياضة خصبة بالمعاني النبيلة وإقامة صرح الدين من الأخلاق الفاضلة والصراط المستقيم على أسس إسلامية سامية ودعائم من القوة والحق والخير والجمال وتعاليم الإسلام هي الشعلة المضيئة التي نتعلم منها سمو الأخلاق ونبل النفس والإسلام يحرص على بقاء المجتمع نظيفا من الجريمة والتدهور الاخلاقي. وما برحت العصور تلد من الضالين المعاندين والمضلين المخادعين من يحاولون إثارة الفتن وإطلاق النفوس من قيد الأدب والعفاف وفي كل عصر لا يفقد هؤلاء أولي عزم وإخلاص يقر عونهم بالحجة ويهتكون الستار عن مكايدهم فيزهق باطلهم وترهق وجوههم قطرة من الخيبة والخذلان. وما يجعل الدعوة الرشيدة من أفضل الواجبات وأحمد المساعي يقتضي على الحادبين أن يعدوا للدعوة ما استطاعوا من قوة ويكسروا شوكة هذه النفوس المحشوة بالغواية والشهوات أولئك الذين يضلون عن سبيل الحياة الطيبة ويبغونها عوجا وأطلق الإسلام في أمر الدعوة فأعطى لكل إنسان الحق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد كان الفرد من سائر الناس يأمر الولاة في عهد السف وينهاهم كما إن الدعوة أيضا تؤدى باللسان تارة وبالقلم تارة أخرى ولكل منهما مقام ففي الناس من يسعده لسانه فيعبر كيف يشاء ويمسك القلم فلا يجده مطواعا ومن الناس من إذا نطق وقع في كبوة وإذا كتب أبدع وبلغ ببيان ما يحول في ضميره الأمد الأقصى. إذ كل ما حل بالأمة السودانية من ذل وهوان ووهن وخلاف وصراع وفتن وظلم وشر وخبث وفساد وقد تطول القائمة بما يشيب الرأس وهذا نتيجة جهلها بالله تعالى ومحابه ومكارهه وما عنده لاولياته من نعيم مقيم وما لديه لاعدائه من عذاب اليم. فهل فكر الكم الهائل من رموزنا السياسية والطائفية في طبقات مجتمعنا في حال البائس الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري المجهود واليتيم المكسور والأرملة الوحيدة والمظلوم المقهور والشيخ الكبير وذي العيال الكثير والمال القليل وأشباههم في أصقاع بلادنا في المدن والقرى والأرياف من الظاعنين والرحل طلبا للكلأ والماء؟ هل علمتم أن الله سيسألكم عنهم يوم القيامة وأنتم مسئولون عن كل فرد في الأمة وإن واجبا عليكم أن تؤدوا اليه حقه وإن لم يطالب به كتابة ولا مشافهة وخاصة الفقراء والضعفاء من المرضى والشيوخ والأرامل واليتامى ونحوهم من الفئات مهيضة الجناح في المجتع الذي يعيش بين الضياع والحرمان؟ وإن أول الواجبات تحقيق العدل والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس من العدل ولا من الخير ولا من المعروف أن يجوع الضعفاء أو يحرم الفقراء من الحاجات الأساسية للحياة من مأكل وملبس ومسكن ورموزنا السياسية تغط في ثبات نوم عميق دون التفاف لما يدور ويجري في الوسط الاجتماعي من تآكل وتصدع وانهيار وضياع شمل كل مرافق الحياة حتى كره الناس كل شيء وشعر الجميع بالإحباط ولبعض الرموز الهم الأكبر لديهم حب السلطة والسيطرة وحب الذات ولا يهمهم أمر المجتمع والبلاد من التدهور المريع في كل انماط الحياة والتقوقع في ظلال الجهل والتأخر وترك المجتمع يعيش تحت هذا الضياع على مدار السنين ويتخذون شعارات إسلامية غاية ووسيلة للوصول إلى مآربهم الشخصية غير مستفيدين من تجارب ماضيهم الكئيب والمحزن والبلاد مشحونة بجميع المفاسد الجاهلية التي تكذب دعاواهم الفارغة في الواقع العملي ولم يأت أي تحول في حياة البلاد والمجتمع ولهذا قال أحد علماء الإسلام- الإسلام محجوب بأعمال المسلمين. ولقد خلفت الأحزاب في الصف الإسلامي من الفرق والتمزق وضعف المد الإسلامي وقيام دولته وظواهر الاحوال اليوم ومؤشرات الأمور تعطي هذه الرؤية من خلال جحد ما لدى كل حزب من تصورات تصادم واقع الدين الصحيح وكم كانت الأحزاب سببا لإضعاف الدعوة الإسلامية والغيرة على التوحيد والحزبية حيثما كانت دائما سببا للفرقة والشتات ودعوة للاقتتال والحروب وهي أول معول يضرب في وحدة الأمة وتماسكها فإن تعدد الأحزاب لتعدد مناهجها الفكرية وإضرايها سببا للهزائم التي تحل بالمسلمين وأنَّى لأمة مفككة أن تصمد أمام مواجهات الأعداء قال الله تعالي " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) "سورة الانفال وقال تعالى " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (11) "سورة الرعد. فأعرف الحق تعرف أهله وأعرف الباطل تعرف من أتاه وأسلك طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين وأعلم أن كل خير في اتباع من سلف وكل شر في اتباع من خلف وما لم يكن يومئذ دينا فليس اليوم دينا ولن يصلح آخر هذه الامة إلا بما صلح به أولها من الأخلاق الفاضلة والدين القويم والحياة المستقيمة وليس هناك جوهر يتمثل به الحق في أبهى صورة غير منهج السلف بقوة حججه وبراهينه وإن رغم انوف الداعين إلى إبعاده من الساحة هروبا من ضياء الحق وفرارا من نور الدليل وخوفا من قوة البرهان.