إذا كان علي عثمان يستطيع التوصل لاتفاق فهل يستطيع مشار مصادر: إثيوبيا ستقود مبادرة لحل أزمة الخرطوموجوبا ما هو سر تفاؤل جوبا ونبرتها الهادئة في تعاملها مع وقف النفط تقرير: خالد أحمد في المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت قبل أيام محدثاً شعبه بأنهم يستطيعون العيش بدون النفط، يبدو أنه بعيد عن الواقع بعض الشيء. فدولة الجنوب التي ولدت من العدم إن استقلت عن الخرطوم سياسياً لم تستقل عنه اقتصادياً بعد، خاصة وأنها تعتمد على الاستيراد في كل شيء، والنفط هو الشريان الرئيسي لسد تلك الاحتياجات، وهذا الذهب الأسود الذي يمر عبر الخرطوم تستطيع به أن تتحكم في (جيب) جوبا، ولذلك عندما وقف الرئيس البشير وقال "ياعوض اقفل البلف" يعرف أن بهذه الخطوة سيفرغ "جيب" جوبا من المال، وستأتي للخرطوم رغماً عنها، وهذا ما كان. حيث بعد هذه الخطوة التصعيدية مرتفعة السقوف من جانب السودان قوبلت في جوبا بنفس بارد، وحاولت جهات عدة امتصاص هذا الغضب حتى يفتح "البلف" من جديد، وذهب إلى أبعد من ذلك، حيث استدعت جوبا رجلها الحكيم د/ رياك مشار للذهاب للخرطوم والتوصل معها لاتفاق قد تقدم فيه العديد من "القرابين" من أجل إعادة تدفق النفط عبر الشمال، وهنا بإمكان الخرطوم أن تدفع بمطالبها وهي في وضع القوة. الخرطوم غاضبة.. وجوبا متفائلة يذهب البعض لعدم التفاؤل كثيراً بزيارة مشار المرتقبة، نسبة لأن الأوضاع معقدة بشكل كبير، وأن الخرطوم إلى الآن لا تصدق بأن جوبا قد أوقفت دعمها لقوات الجبهة الثورية، وتقدم في كل لقاء ملفات تبين حجم الدعم وشكله، وحتى تقديم الأسماء التي تقوم بعملية التسليم والتسلم بجانب إخلاء الجرحى والتدريب. إلا أن الجنوب بدا متفائلاً بهذه الزيارة، حيث قال وزير الإعلام لحكومة جنوب السودان برنابا بنجامين: إن حكومته قررت إرسال مشار حتى يقنع الخرطوم بالتراجع عن قرارها بوقف تصدير النفط عبر الموانئ السودانية. وأضاف بنجامين: إن هذه الزيارة ستبحث أزمة النفط الملتهبة بين البلدين، وإنقاذ مسار العلاقات الثنائية بين جوباوالخرطوم من الانهيار، وجدد تمسك حكومة جوبا بروح تنفيذ اتفاقيات التعاون المبرمة مع الخرطوم في سبتمبر من العام الماضي. وفي ذات الحديث رجع برنابا خطوة للوراء ملوحاً بأن جوبا تستطيع الصمود في حال رفض السودان إعادة تشغيل الخط الناقل للبترول، بقوله إنهم سيعملون على استخدام وسائل بديلة بتشجيع تحصيل الموارد غير البترولية، بالإضافة إلى الاستمرار في اتخاذ الاحتياطات الاقتصادية بتطبيق الإجراءات التقشفية، وهنالك كرت آخر لوحت جوبا به في مرة سابقة بإعلانها الاتفاق مع شركة تايوتا لنباء خط لنقل البترول عبر الموانئ الكينية. ولكن إلى الآن كل هذه الخطط نظرية وتحتاج لسنين حتى تتنزل على الأرض . حالة التفاؤل متواصلة من الطرف الجنوبي في أن النفط سيعود للتدفق بقول نائبه وزير الخارجية دولة الجنوب غريس داتيرو: إن من المتوقع أن يعاد تشغل الخط قبل أن تنقضي مهلة ال60 يوماً التي أعطاها السودان قبل إيقاف الخط نهائياً. وينظر البعض إلى أن حالة الثقة قد تكون نابعة من عدة أشياء: أولها: التحرك الدولي، خاصة من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي قالت سفيرتها لدى جوبا سوزان بيج: إن هنالك لجنة رفيعة المستوى تضم بلادها والنرويج وبريطانيا تعمل على حل القضايا الخلافية بين الخرطوموجوبا. ثانياً: الصين التي تريد أن تستمر مصالحها في استمرار تدفق النفط. والكرت الأخير في دول المحيط الإفريقي التي تتدخل هنا وهنالك من أجل حل هذه المشكلة. ولذلك جوبا تنظر للبعد الإقليمي للقضية لحل الأمر. طه ومشار... ملفات شائكة الناظر إلى فرص اللقاء الذي من المتوقع أن يجمع بين النائب الأول علي عثمان محمد طه ود/ رياك مشار لا بد أن يحلل شخصية الرجلين أولاً، لأن هذا هو المدخل الأول للنجاح أو الفشل، وفي هذا الجانب سنجد الرجلين يجيدان التفاوض، ويمكن أن يتوصلا إلى تسوية. لكن السؤال الذي يطل فارضاً نفسه: بأن في العلاقة بين جوباوالخرطوم لم يكن يوماً صعباً التوصل لاتفاق بينهما، ولكن الحكمة تكون في التنفيذ على أرض الواقع خاصة وأن الجميع هلل لاتفاق التعاون الموقع في أديس أبابا وشمل جميع القضايا من الملف الأمني والاقتصادي وحتى ملف الحدود وتم الاتفاق أيضا على مصفوفة زمنية محددة للتنفيذ إلا أن كل هذا انهار عند العقبة الأمنية، حيث زادت هجمات الجبهة الثورية على الأرض، وجوبا المتهم الوحيد في هذا الأمر، إذا كان علي عثمان لديه من القوة السياسية التي يستطيع بها في حالة التوصل لاتفاق أن ينفذه على أرض الواقع فهل يستطيع مشار أن يقوم بنفس هذا الأمر؟. البعض يقلل من قدرته، حيث يقول المحلل السياسي د/ إدريس مختار: إن العلاقة المتوترة بين سلفا ومشار لا تجعله في وضع سياسي قوي حتى ينفذ اتفاقاًَ على الأرض، وأضاف خلال حديثه ل(السوداني) أن المدخل الأفضل لحل الأزمة مع جوبا تبدأ بالتوصل لتسوية سياسية مع مقاتلي قطاع الشمال، لأن في حالة استمرار النزاع لن تكف جوبا عن دعمهم حتي وإن أراد سلفاكير أن ينهي هذا الدعم، خاصة وأن جنرالات الجيش الشعبي لن يستمعوا لأوامر إيقاف الدعم، مضيفاً بأن اللقاء يمكن أن يصنع بعد الهدوء لكنه لن ينهي الأمر بشكل جذري. البعض أيضا يعد التذكير بالعلاقة المتوترة بين مشار وسلفاكير التي دعت الأخير لتجريده من كافة صلاحياته التي أعطاها إليه سابقاً، خاصة بعد اشتعال التنافس بين الرجلين بعد إعلان مشار اعتزامه الدخول في الانتخابات منافساً على رئاسة البلاد، فإذا عاد باتفاق سياسي من الخرطوم أعاد به تدفق النفط من جديد سيزيد من أسهمه، خاصة لدى مواطن الجنوب المتضرر من توقف النفط، وهذا بالطبع لن يرضي سلفاكير. لوبيات كثيرة في جوبا لا تريد أن يصل مشار لسده الحكم بأي ثمن. إثيوبيا... الفرصة الأخيرة بشكل هادئ توقعت مصادر تحدثت ل(السوداني) عن أن رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام بصفته رئيساً للاتحاد الإفريقي و"الإيقاد" بعد ان أخذ الضوء الأخضر من الاتحاد الإفريقي يعد للقاء بين السودان وجنوب السودان للتوصل لتسوية لإنهاء فتيل الأزمة، وأن أول بنود هذا اللقاء ضرورة استئناف ضخ النفط من جديد، بجانب الاستمرار في اتفاق التعاون الموقع في أديس أبابا، ولم يستبعد المصدر بأن يدعو ماريام الرئيسين البشير وسلفاكير لقمة عاجلة عقب انتهاء زيارته للصين التي يقوم بها هذه الأيام، مشيراً إلى أن من ضمن بنود هذا اللقاء عمل إثيوبيا والوساطة الإفريقية لاستئناف التفاوض مع قطاع الشمال حتى يتم التوصل لتسوية تساهم في نزع فتيل التوتر بين البلدين. مهلة الشهرين.. هل تكتمل البعض ينظر إلى أن تدهور الأوضاع بهذا الشكل قد يكون مقدمة لإيجاد حل بين البلدين ينهي كل هذا المسلسل المتطاول بين الاتهامات ويعيد اتفاق التعاون لمساره الأول، خاصة وأن بعض المحللين ينظرون لإغلاق الخرطوم لخط النفط بأنها "كرت أصفر" قد يعاد النظر فيه قبيل انتهاء مهلة الشهرين. حيث يقول المحلل السياسي والاستراتيجي د/ فضل الله محمد: إن البلدين في حاجة لاستنئاف سريع للنفط، نسبة لضعف الاحتياطات من العملات الصعبة، مشيراً إلى أنه حتى إذا كانت الخرطوم في وضع أفضل نسبياً لتدفق عائدات الذهب إلا أن هذا لا يجعلها في وضع اقتصادي مريح دون فرض ضرائب جديدة، وأضاف خلال حديثه ل(السوداني) إن جوبا أكثر حاجة لضعف اقتصادها واعتمادها على النفط في تسيير الدولة، لذلك إن الطرفين يجتمعان في الحاجة لإعادة تدفق النفط من جديد حتى قبل أن تنقضي مهلة الشهرين، حتى يغلق "البلف" نهائياً.