فعلها سلفا كير، ما كان عليه أن يصمت أكثر من ذلك، وأصابع الفساد تسللت الى داخل مكتبه ونالت ملايين الدولارات وخرجت بسلام وتركت لصاحب القبعة السوداء الحسرة والغيظ وحمرة العينين وقضم أطراف الأصابع! لم يجرؤ أحد على توجيه سؤال متجاوز لحادثة السرقة، ما الذي يجعل رئيس دولة في طور التكوين وشح الموارد وتحت تهديد المجاعات يحتفظ بهذا المبلغ الكبير في حرزه الخاص؟! المهم أن سلفا كير قرر أن يدخل في مواجهة انتقائية مع لصوص المال العام، الخبثاء يقولون إنه لم يفعل ذلك إلا حينما تسربت رائحة الخبر الى الصحف. ملفات الفساد في العادة يخرجها الغاضبون لا النزهاء فقط، كوستا مانيبي لم يكن يدري أن قرار تحويل بعد الموظفين من إدارة لأخرى سيفتح عليه أبواب الجحيم! الموظفون الغاضبون هم الذين ألقوا بالخبر الى خارج أسوار مباني الوزارة، كوستا في الحركة الشعبية أقرب للتكنقراط وهو رجل غامض قليل الكلام شحيح التبسم لا يحبذ الحديث بالغة العربية، كل ما يميزه أنه كان يحظى بثقة سلفاكير. دينق ألور من أبرز قيادات الحركة وأهم رجل في ملف أبيي، بل هو بتجربته الأسرية يعتبر بالنسبة لدينكا نقوك أبرز رموز القضية بملامح وجهه الحزائنية التي تشعرك دائماً بأن في عينيه دموع تقاوم من أجل العبور. والرجل ذو علاقات دولية واسعة وظل لسنوات ممسكاً بملف العمل الخارجي، كان قريباً من قرنق وغدا الأقرب لسلفا كير، متزوج من إثيوبية حسناء ذات نشاط اقتصادي متعدد. كالعادة سيمضي الحديث في اتجاه أن ما حدث لدينق ألور وكوستا مانيبي لا يخرج عن نطاق صراع مراكز القوى وتصفية الحسابات الداخلية بالخناجر الطويلة! وليس من المستبعد أن يتم احتواء الملف عبر الأذرع القبلية، مثل ما حدث في ملف باقان أموم وأرثر كوين وقصة الخلاف على العشرة ملايين دولار. سلفا كير ظل وقبل تقلده لرئاسة دولة الجنوب الجديدة خاضعا لضغوط الدول الكبرى والمنظمات التي لم تعد تحتمل روائح الفساد التي تخرج من دواوين حكومة جوبا. بكل تأكيد سلفا وجد في دينق ألور وكوستا مانيبي كباش فداء ثمانا للتطهر وتأكيد الجدية في محاربة الفساد وتقديم القرابين لاستدرار الدعم!. بغض النظر لدواعي قرار رفع الحصانة والإحالة للجنة التحقيق ومآلات القرار، الخطوة تعتبر جريئة وذات مدلولات إيجابية تصب لمصلحة دولة الجنوب! والشيء بالشيء يذكر، نحن في حاجة لنموذج عملي يؤكد جدية الحكومة السودانية في محاربة الفساد! أليس من المخجل أن يتم رفع الحصانة عن وزيرين كبيرين خلال ساعات في دولة ناشئة بينما تحتفظ وزارة العدل السودانية لسنين طوال بقائمة طويلة من المحميين بالحصانات! أليس من المخجل أن يعلن وزيران كبيران للمالية والعدل في دولتنا أمام البرلمان أول أمس أن وزارتيهما عاجزتان عن حماية المال العام؟!! حان الوقت ليرفع عالياً شعار: (لا حصانة ولا سترة للمعتدين على المال العام)!!