** صباح الإثنين، عندما دخلت إلى صيدلية بالخرطوم بحري، لم أتبين ملامح المرأة التي كانت تقف بجوار السلم الخارجي ..ولكن عند الخروج، أشارت ملامح الحزن إلى أنها إما لم تجد الأدوية أو عاجزة عن شرائها..ثم تفاجأت بأنها لاتبحث عن أدوية، بل مالها لايكفي لشراء (علبة لبن أطفال)، حسب إرشاد الطبيب..والطبيب لا يرشد الأم إلى هذا اللبن ما لم يتبين أنها مصابة بسوء التغذية و فقر الدم .. وبهذه الصدفة المحزنة، عرفت أن أسعار ألبان الأطفال في بلادنا تتراوح ما بين (65/ 74 جنيهاً)، للعلبة التي سعتها ( 400 جرام)، وأن الطفل بحاجة إلى (علبة أسبوعياً)، وهذا يعني أن على أسرته دفع مبلغ قدره يتراوح ما بين (250/ 296 جنيهاً)، شهرياً..!! ** ولأن إصابة الأم بسوء التغذية تكشف الحال الاقتصادي لأسرتها، قصدت إدارة الأغذية بالصحة المركزية سائلاً عن حجم استيرادنا لألبان الأطفال، ثم عن إحصائيات الأمهات العاجزات عن الرضاعة بسبب سوء التغذية..وليتني ما قصدت تلك الإدارة، إذ وجدت المدير والنائب والعاملين وأجهزة الحاسوب، ولم أجد حجم ألبان الأطفال التي نستوردها ولا أنواع الألبان المسجلة ولا أي شيء..فالمعلومات غير جاهزة، و (ح نجهزها ليك يوم الخميس)، أو كما قالوا..نعم، رغم أن إدارة مناط بها الرقابة على الأغذية وتستلم رسوماً على كل رسالة ألبان أطفال واردة، ثم تستلم رسوماً عند تسجيل كل ماركة لبن أطفال، ثم لديها أجهزة حاسوب وكوادر متفرغة، ومع ذلك بحاجة إلى أيام لتجهز إحصائيات تفترض أن يكون تقريراً دورياً يكشف بعض الحال العام .. إنها الخدمة المدنية، وليس في الأمر عجب ..!! ** غادرتهم متحسراً إلى دوائر اقتصادية ذات صلة بتلك (الأسعار الفلكية)، فوجدت الفواجع.. وزارة مالية حكومة السودان فقط لاغير، في طول الدنيا وعرضها، هي التي تفرض على ألبان أطفالها ما يلي : (10% جمارك)، (13% ضريبة تنمية)، ( 17% قيمة مضافة)، (2% أرباح أعمال)..تلك هي الأثقال الحكومية الملقاة على ألبان الأطفال، ( 42%)..وعندما تُضاف على تلك الأثقال الحكومية أرباح الشركات والصيدليات، تحتار تلك المرأة المصابة بسوء التغذية أمام الصيدليات ثم تحزن لعجزها عن شراء علبة لبن لطفلها..قيمة مضافة على لبن أطفال؟، ثم - يعني كمان - ضريبة تنمية؟..هذا لا يخطر على قلب به مثقال ذرة من الرحمة، ولكنه واقع مؤلم في بلاد تشير تقارير اليونسيف أن ثلث أطفالها مصابون ب ( سوء التغذية).. !! ** عفواً، ليست تقارير اليونسيف وحدها، بل حتى وزارة الصحة أيضاً اعترفت يوم 25 يونيو الفائت - على لسان وكيلها - باكتشاف مليون وثمانمائة ألف طفل مصاب بسوء التغذية، وهذا يعادل ثلث أطفال السودان، حسب التقرير الرسمي..ثم اعترفت الوزارة ذاتها في ذات التقرير أن ( 78 طفلاً) من كل (1000 طفل) ينتقلون إلى رحمة مولاهم بسبب ( سوء التغذية)..هكذا الصورة القاتمة، حسب تقارير المنظمة الدولية وتقاير الوزارة المسؤولة.. فلماذا لا يصاب ثلث أطفال بلادنا بسوء التغذية؟، ولماذا لايموت ثلث الثلث أو ربعه أو (كلهم)؟، وهم الذين يولدون تحت هجير وزارة تفرض قيمة مضافة وضريبة تنمية وجمارك على (ألبانهم )..؟..رحمة بهم، وبأسرهم، ارفعوا تلك الأثقال عن ألبانهم، فهي لن تزد خزائن المالية إلا .. (فقراً)..!!