الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون هذه الأيام، اعتبار أن أعياد الكريسماس أمر خاص بالإخوة الجنوبيين، وطالما أنهم راحوا لحالهم فإن أي احتفال بهذه المناسبة يجب أن يمنع ولو بالقوة وفي ذلك فتنة كبيرة ووميض نار، وبدأت الحملة المنتظمة في خطب الجمعة الماضية حيث وجه الأئمة سهام نقدهم لكل من يحتفل بهذه المناسبة، ناسين أن السودان محكوم بدستور يحفظ لكل الأقليات حقوقها دون من أو أذى. ويبدو أن المؤامرة كبيرة، وتأخذ شكل الطابع الرسمي فقد خلت رزنامة الدولة هذا العام من العطلة التي تعود الناس عليها كل أسبوع وهي – في العادة – تسبق عطلة اليوم الأول من العام الجديد وكان من المفترض أن تكون يوم أمس الأحد، وممكن أن يتم تخصيصها للإخوة المسيحيين أو بعض طوائفهم مثلما كان يحدث في كل عام، لكن الذي حدث هو أن أحدا لم يتذكر هذا الموضوع، وفي تقديري أن عطلة الفاتح من يناير ينطبق عليها نفس الأمر إلا أن عطلة عيد الاستقلال – التي تصادف نفس اليوم- ربما ترفع الحرج! المهم أن الهواجس بدأت منذ الأسبوع الماضي حول احتفالات رأس السنة، وبدأ الطالبانيون نسج خيوطهم مستغلين بعض الظواهر السالبة المحدودة التي تصدر من بعض الصبية في نطاق ضيق جدا، وفي حقيقة الأمر فإن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمر بها معظم أفراد الشعب السوداني جعلت هذه المناسبة تتم في "بطانية نايت كلب" إن وجدت، وبعض الأسر تخرج للتنزه في شارع النيل والحدائق العامة والبعض الآخر يحتفل بهذه المناسبة على نطاق أسري ضيّق. وهناك حفلات جماهيرية عامة درج كبار الفنانين الحرص عليها لأنها تمثل حدا فاصلا بين عام مضى وآخر في الطريق، ويسعد الجمهور هذا العام بمحمد وردي ومحمد الأمين "الذي قطع رحلة علاجه ببريطانيا من أجل هذه اللحظات" ويعود أبو عركي بعد غيبة، إضافة لعقد الجلاد التي ظلت تختار مكانا شعبيا ثابتا في مثل هذا اليوم من كل عام، ولم يتخلف الشباب عن هذه التظاهرة الفنية الثقافية ويلاحظ في هذا العام أن وزارة الثقافة بولاية الخرطوم أعدت برنامجا حافلا هدفه الاحتفال بموسم الاستقلال لكنه في نفس الوقت يدخل ضمن برنامج نهاية العام الترفيهي إذ تشارك فيه كوكبة من كبار الفنانين. وقد وضع القدر رأس السنة وعيد الاستقلال في توقيت واحد، الأمر الذي يجعل الفصل بينهما صعبا. وعلى ضوء هذه المعطيات نقول إن من حق الناس أن يفرحوا ويرفهوا ويبتهجوا سواء أكان ذلك بمناسبة رأس السنة او أية مناسبة أخرى، بشرط أن يحترموا حدود حرية الآخرين ولا يعتدوا عليها، ويجب أن نبتعد عن سوء الظن بالآخرين وأن نحترم دستور الدولة المدنية الذي يتيح لأية مجموعة أن تعيش حياتها وفقا لثقافتها وعاداتها ومعتقداتها، طالما أنها لا تتسبب في خرق القوانين الموجودة. وبالنسبة لأعياد الميلاد، فإن الإخوة المسيحيين الموجودين في بلادنا، سواء أكانوا أقباطا او من أية قبيلة أخرى، من حقهم أن يحتفلوا دون أن يشعروا بأن هناك من يحتقرهم ويقلل من شأنهم، لأن مثل هذا الشعور يولّد الغبن ويزيد فتق النسيج الاجتماعي ويساهم في تمزق الأجزاء التي بقيت في الوطن.