:: بالسنغال - وهي إحدى دول العالم الثالث والأخير - عندما عجزت سلطاتها المسؤولة عن مكافحة ظاهرة التسول، وضعت لها قانوناً بغرض التنظيم. ومن نصوص القانون السنغالي، منع التسول بالأطفال بفرض عقوبة السجن على المتسول. وهكذا قضت السلطات السنغالية على ظاهرة استغلال الأطفال في التسول، وأشادت منظمات المجتمع هناك بمكافحة هذه الجريمة الملقبة ب(المزدوجة)، إذ تسول القادر على العمل جريمة وكذلك استغلاله للطفل في تسوله جريمة أخرى. وبالخرطوم، مطلع الأسبوع الفائت، مات بشارع المستشفى أحد الأطفال الذين يُستغلون في التسول، ومع ذلك لم نسمع من ردود الأفعال الرسمية غير التصريح الروتيني (تم فتح البلاغ بالمادة شنو كده ماعارف إجراءات)، وانتهت القضية بلا تحسب لما قد يحدث لطفل آخر.! :: والمهم، لا يلجأ المتسول إلى استغلال الطفل إلا ليخدع عواطف الناس ومشاعرهم. وهناك أنواع أخرى من التسول، وتشبه - إلى حد ما - التسول بالأطفال، أي يخدع المتسول عواطف الناس ومشاعرهم أيضاً، وللأسف من يمارسون هذا النوع من التسول ليسوا بأفراد يخالفون القانون، بل هيئات تعمل تحت سمع وبصر القانون. على سبيل المثال، نقرأ سوياً نص الإيصالات المالية الآتية: (ولاية الخرطوم، وزارة الشئون الاجتماعية، هيئة تزكية المجتمع، وصل من السادة زيد وعبيد وفلان وغيرهم المبالغ ألف جنيه وألف وخمسمائة جنيه وألف وتسعمائة جنيه، توقيع المدير المالي وتوقيع الحسابات)، هكذا الإيصالات المالية التي بطرفنا، وما زيد وعبيد وفلان وغيرهم إلا بعض شركات القطاع الخاص. وتورد ملايين تلك الايصالات في حساب الهيئة المسماة بتزكية المجتمع.! :: و..عفواً، نقف عند إحدى لطائف أهل حلفا ثم نواصل..في بدايات عهد الإنقاذ ذهب رهط من الشيوخ الى وادي حلفا ليبشر الأهل هناك بتطبيق الشريعة الإسلامية، وبعد أن بشرهم طالبهم بالتبرع لصندوق دعم الشريعة، نهض حكيم الوادي سائلاً: (قبل كده نميري مش طبقها مجان؟، طيب ليه المرة دي ندفع قروش؟)، وكان سؤالاً منطقياً، ولم يجد الرد المنطقي..وعليه، نرجع لملايين تلك الإيصالات المالية، ونسأل الحكومات - المركزية والولائية - بكل براءة : ماهي تزكية المجتمع؟، بمعنى (تزكية المجتمع يعني شنو؟)..ثم السؤال الثاني، ألا يمكن تزكية هذا المجتمع مجاناً؟، بمعنى (ما ممكن المجتمع ده يتزكى بدون ما يدفع؟)..أما السؤال الثالث، ما هي الآليات التي بها تزكي الهيئة مجتمعنا وتصرف تلك المبالغ فيها؟، يعني بالبلدي كده: (في دروس عصر ولا مذاكرة بالليل؟)، وهل يشرف على تدريس المجتمع أساتذة وخبراء (علم التزكية).؟ :: أنا مواطن سوداني، وكذلك أهلي وجيراني وأصدقائي ومعارفي، وبما أن الحكومة تفرض رسوم تزكية على الشركات السودانية، ف(من حقنا نتزكى)، ولكن هذه الهيئة - منذ تأسيسها وإلى يومنا هذا- لم تقدم لنا من الخدمات ما تقنعنا بأن نصف أنفسنا بثقة (خلاص، الحمد لله نحن كده اتزكينا)، فلماذا تصرف فيها شركات المجتمع أموالها؟..ثم السؤال المهم للغاية، كيف تراجع أجهزة الدولة الرقابية والمحاسبية تلك الأموال العامة غير المتحصلة ب(أورنيك 15)..؟..نعم، بما أن تلك الهيئة تعمل تحت رعاية ختم وزارة الشئون الاجتماعية كما يوضح الإيصال المالي (هي هيئة رسمية)، وهنا يصبح استلامها أموال الناس بغير الأورنيك المالي الرسمي (مخالفة قانونية)، فلماذا تخالف هيئة تزكية المجتمع القانون؟.. عفواً، ربما مخالفة قانون المال العام مادة أساسية في (علم التزكية).!