من البداهة معرفة السودانيين بدور الصوفية في تشكيل نسيج المجتمع والجغرافيا السودانيين – وجد مشائخ الصوفية في بطاح ووهاد وسهول السودان متسعا ليضعوا فيه بذور قرى وبلدات ومدن – مناطق كثيرة ارتبطت بمؤسسيها من مشائخ الصوفية والأمثلة لا تحصى ولا تعد – أهم من ذلك ساهمت الصوفية في نشر الإسلام في السودان والتمكين له تدريجيا على مر العصور وكل هذا موثق ومعروف – يحسب للصوفية في السودان دورها في تطبيع المجتمع ورفده بقيم التكافل والتعاون والزهد والتسامح – فداخل كل منا صوفي يحيا بصورة أو بأخرى شاء من شاء وأبى من أبى. يحسب للصوفية السودانية وسطيتها كما يؤخد عليها ابتعادها عن الشأن العام ووقوعها فريسة للسلطة في مراحل وحالات كثيرة – الوسطية مقدمة على ما عداها كونها تعصم من الغلو والتطرف وتصون للآخر أيا كان حقوقه ووجوده. لم تتورط الصوفية السودانية في أي حادث عنف كما لم تخرج يوما على الإجماع العام – فقد ظلت وفية لمنهجها ودورها في تحفيظ القرآن والمساهمة بقدر الإمكان في محو الأمية وتبصير الناس بقواعد الدين. للصوفية آدابها وأتباعها وطرقها في إدارة كياناتها من خلاويب وأضرحة ومدارس ومساجد ومستوصفات وغير ذلك – مؤسسات لا ينكر فضلها إلا جاحد خاصة في المناطق الريفية البعيدة حيث تتسع رقعة الفقر وتنتشر الفاقة – وفرت مؤسسات الصوفية اللقمة والكساء والغطاء في حدود إمكانياتها وغالبا ما تلجأ لجمع التبرعات عندما تعجز عن الوفاء بكامل المسؤوليات التي تطوعت لتحملها والتصدي لها. إقبال الناس على السكن قرب المراقد والخلاوى وتزايد أعداهم على مر السنين لم يكن صدفة أو اعتباطا – ثمة ما شد الناس وأقنعهم للإقدام على هذه الخطوة ونتيجتها المؤكدة والماثلة اليوم - عمران بشري يعود الفضل فيه للصوفية وحدها. هذه هي الحركة الصوفية في السودان – تاريخ مكشوف ومساهمات لا تخطئها العين – لا نقول إنها مبرأة من الخطأ بكل تأكيد لكن نقر بتغلغلها في نسيجنا الثقافي والاجتماعي رغم الهجمة الشرسة التي تعرضت ولا تزال تتعرض لها من قبل الجماعات السلفية التي نزلت علينا "بالباراشوت" فهي لم تولد بيننا كما أنها تصر على تجاهل تاريخنا. عذرا- السلفيون لم يكتفوا بتجاهل تاريخنا وذمه وشتمه بل شرعوا في استهدافه متهمين الصوفية بالشرك والتبرك بالقبور إلى آخر هذا الكلام. انتقل فريق من السلفيين إلى التعامل مع "منكر" الصوفية باليد - اعتدوا على ضريح الشيخ إدريس ود الأرباب في العيلفون ولولا الرجل وضريحه لما كانت هناك عيلفون أو من يحزنون كما اعتدوا على ضريح آخر – هل هذا هو الأسلوب الأمثل لإدارة الخلاف في الرأي – أين الحكمة والموعظة الحسنة أو أداوت الرسول الأكرم في الدعوة إلى الدين. خيرا فعلت جماعة السنة المحمدية عندما نأت بنفسها عن الفاعلين ودانت فعلتهم – ونذكر الجماعة بأنها هي من دشن حملة الكراهية ضد الصوفية منذ ستينات القرن الماضي – أضف إلى ذلك الجماعات الأخرى التي خرجت من عباءتها وباتت تقف على يمينها في عملية الاستهداف الممنهج للصوفية بكل تاريخها وشيوخها ورموزها وأتباعها. تعايشنا مع الصوفية وعاشت معنا طوال قرون بسجل خالي تماما من استهداف المسلمين في المساجد " حادثتي الخليفي والجرافة " ومن تخزين المواد الكيماوية والأسلحة وتصنيع المتفجرات "حادثة السلمة" ومن تدبير العمليات لتهريب محكومين بالإعدام من السجون "قتلى غرانفيل" ومن ومن – فإلي أي طرف تريدون أن ينحاز الناس يا ترى؟.