في السابع والعشرين من مارس عام 2001، فاجأ الدكتاتور الليبي الراحل معمر القذافي العالم باقتراحه بقبول إسرائيل عضواً في الجامعة العربية بعد حل النزاع العربي معها وإنشاء دولة جديدة لم ينس أن يطلق عليها اسم (إسراطين). لم يترك العقيد شيئاً للصدفة فقد درس كل شيء ثم توصل إلى تلك الخاتمة السعيدة للصراع الدموي القديم. للوهلة الأولى، لم تكن فكرة القذافي الإسراطينية فكرة علنية وإنما كانت ضمن جلسة بناء على طلب المتحدث في القمة العربية الدورية الأولى التي انعقدت بالعاصمة الأردنية عمان. أوضح القائد الأممي للصحفيين لاحقاً، أنه طلب أن تكون الجلسة مغلقة لأن ما قاله فيها كان "كلاما خطيرا يؤثر في مصير المنطقة والعالم"! ما ينبغي أن يخجل بسببه النظام العربي السابق من الأجيال الحالية واللاحقة أنه لم يسمح للعقيد باتخاذ الجامعة منصة لطرح ترهاته تلك فحسب وإنما شكّل لجنة من وحي ذلك الخطاب أسماها (لجنة دراسة أفكار القذافي) وظلت تلك اللجنة تعمل لعدة سنوات لاحقة وبمتابعة الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى. للأسف، عقدت تلك اللجنة اجتماعاً في الخرطوم (مارس 2006) حضره موسى ووزير خارجيتنا آنذاك، إضافة إلى وزراء خارجية كل من مصر وليبيا والأردن وتونس والجزائر وسوريا وفلسطين! لم يجد العقيد من يبلغه حينئذٍ بأن أفكاره لا تصلح للتداول في أيدي الجماهير فهاجر الرجل بدعوته للغرب حيث أضحك النخبة الأمريكية الأكاديمية في لقاء عبر الفيديو كونفرنس أقامته جامعة جورج تاون المرموقة، وفي ذلك اللقاء تم تداول المقابل الإنجليزي الجديد لاسم إسراطين (اسراتاين) ليناسب النطق الأنجلو-أمريكي لفلسطين (بالستاين). *** الليلة لا تشبه البارحة، لكن اقتراح الدكتور أمين حسن عمر، الوزير والسياسي والحركي البارز في الحزب الحاكم بتبنى نظاما جديدا أسماه النظام البرلماسي، يجعلنا نتحسس أدمغتنا! طرح الوزير اقتراحه خلال برنامج (مؤتمر إذاعي) مشيراً إلى أن نظامه المقترح يصلح لأن يكون عن النظام الرئاسي "الذي لا يلائم تركيبة المجتمع السوداني" كاشفاً أن نظامه المقترح ( أي البرلماسي) يكرس للرئيس عدداً من الصلاحيات التي يقلل منها النظام البرلماني! ترى هل يقصد الوزير النظام الفرنسي الذي طالب به السيد الصادق المهدي قبل سنوات مقابل التجمع الوطني الذي كان يهدف لإقامة نظام برلماني على نمط وستمنستر؟ اقتراح الوزير هذا يمكن أن يحفز لطرح عشرات الأسئلة من على شاكلة كيف يوازن الدكتور بين تطلعاته الفكرية التي يبثها عبر وسائل الإعلام وعمله اليومي كوزير برئاسة الجمهورية التي يرغب في إعادة صياغتها؟ بالطبع تقديم المقترحات بالإصلاح والترقية لا يفترض في الشخص أن ينعزل عن مشاركته في النظام الحالي حتى يصبح مؤهلاً للحديث عن النظام المقبل ولكن هل يتمثل الوزير أفكاره في عمله اليومي؟ *** الحقيقة أن حوار الوزير الدكتور حمل الكثير من الأفكار التي تستحق (إنشاء لجنة لدراستها) مثل الترحيب بالحوار مع العدل والمساواة وحركة مناوي ورفض الحوار مع الحركة الشعبية – قطاع الشمال والتعامل معها كحركة متمردة! إذ ما الذي يجعل الشعبية متمردة وحركة مني مناوي لا؟ الفكرة الأخرى أن إسرائيل لا تساوي شيئاً وأمريكا لا تستطيع فعل شيء ضد السودان! العمود هذا لا يكفي لمناقشة كل ما ورد في الحلقة، لكن أكثر الأفكار حاجة للدراسة هي قضية إكساب النظام السياسي المزيد من السيولة وكنا نحسب أن النظام الحالي بحاجة إلى الصلابة وليست السيولة أو الغازية لا سمح الله، لكن ما شأننا وأهل النظام أنفسهم يرغبون في سيولته؟ www.dabaiwa.com