اعتذر عن الاستمرار في الحكومة... )علي عثمان) يحمل أمتعته ويغادر القصر! هذا الرجل (...) سيخلف طه! منذ مساء أمس الأول، بدأت سيارات فارهة تصطف أمام منزله بحي الرياض.. الحراك أشار إلى أن ثمة شيء غير طبيعي يحدث، وذات الحراك كان يحدث بطريقة أخرى في مكتبه بالقصر الجمهوري عصراً والذي بقي فيه لما يقارب (15) عاماً.. بعض الأشياء كانت تنقل خارج المكتب ومتعلقات أخرى مهمة كانت توضع في حقائب، القرار يبدو أنه كان مفاجئاً لمن حوله، فحاولوا جاهدين إثناءه عنه، ولكن حتى كتابة هذه السطور لا زال موقفه كما هو لم يتراجع عنه. الخرطوم: عبد الباسط إدريس - لينا يعقوب هي ليست المرة الأولى، إنما الثانية، التي يعتذر فيها النائب الأول علي عثمان محمد طه، عن إكمال المشوار في الحكومة، الأسباب أن التجديد من المقرر أن يطال الجميع دون استثناء، بمن فيهم هو وقيادات الصف الأول داخل المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية. التشكيل الوزاري الذي طال انتظاره، بدأت ملامحه تظهر صباح أمس الأول بعد أن عقدت جلسة استثنائية داخل مجلس الوزراء، أخذت خلالها اللقطات التذكارية التي تجمع مجموعة معينة من الوزراء ووزراء الدولة، النائب الأول، سمح بالتقاط الصور التذكارية الأخيرة واتجه بعدها إلى مكتبه بالقصر الجمهوري ليحمل متعلقاته الشخصية ويتجه إلى منزله حسب مصادر موثوقة. وذات المصادر تشير إلى أن قرار النائب الأول كان مبيتاً، حيث أكمل عمله واعتذر عن قبول المنصب لأن التجديد يجب الا يستثني أحداً ، ورغم المحاولات القوية التي لازالت تجريها بعض القيادات لإثنائه إلا أنه لا زال متمسكاً بموقفه. الرحيل أخيراً وضع واحد من أهم قيادات الانقاذ عصا الترحال وقرر أن يغادر القصر الرئاسي إلى منزله بعد خمسة عشر عاماً قضاها بمقر رئاسة الجمهورية، كان خلالها (الساعد الأيمن) للرئيس البشير، الذي يدير تصريف الأمور بحكمة ونظر ثاقب، فضلاً عن مسيرة حكومة الإنقاذ الطويلة بلياليها الآسية وبمر ذكرياتها أيضاً. حمل النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه أمس الأول أغراضه كافة وغادر القصر في هدوء وصمت يشبه حياته وسماته، واضعاً بنفسه حداً لكثير من التسريبات التي تحدثت تارة عن مغادرته وتارة أخرى لرئاسته للهيئة التشريعية القومية، مصادر موثوقة أكدت ل(السوداني) أن رجاءات عديدة ماتزال جارية حتى مساء أمس الأول بغرض إقناعه بالعدول عن فكرة التنحي، ولكن الرجل –بحسب ذات المصادر- مصر على المغادرة مستجيباً لضرورة الإصلاح والتبادل الدوري للقيادات ورجحت مصادر عليمة للسوداني احتمال اختيار الفريق أول بكري حسن صالح لمنصب النائب الأول، وقالت المصادر إن الأمر لا يزال قيد التشاور ولم تستبعد حدوث مفاجآت في الدقائق الأخيرة. بين المغادرة والبقاء جدل خروج النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان من القصر إلى قبة البرلمان ورد بكثافة عبر التداول الإسفيري الكثيف، والاجتهادات التي مضت للقول إن التنافس السياسي أصبح الآن ليس بين الحكومة والمعارضة، وإنما بين تيارات داخل المنظومة الحاكمة، وهذا ناتج من الضعف المقعد لقوى المعارضة، ولذلك نجد تيارات الإصلاح في الوطني وما يعرف ب"السائحون" وكثيرين رهنوا الإصلاح السياسي بضرورة إجراء تغييرات في الوجوه والشخوص داخل أروقة المؤتمر الوطني والحكومة، غير أن مناهضين لهذا التوجه داخل الوطني عبروا عن استحالة تغيير الصف القيادي الأول بضربة لازب، واستدلوا بأن ذلك سيحدث فراغاً قيادياً داخل الحزب حال تطبيق لائحة النظام الأساسي التي تتحدث عن بقاء القيادات لدورتين فقط وهو ما يمكن أن يفسر رغبة علي عثمان وإصراره على المغادرة كاستجابة ضرورية للتغيير. بين مؤتمرين وعيون المراقبين كثير من المراقبين أشاروا إلى أن المؤتمر العام السابق للحركة الإسلامية والمؤتمر العام الرابع والمقبل للمؤتمر الوطني يشكلان علامة فاصلة في مسيرة علي عثمان السياسية وتحدياً كبيراً للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية في تقديم تجربة يمكن أن تحمل في طياتها رصيداً إضافياً لتطور العملية السياسية بالبلاد، ومضى أكثر المتفائلين من أولئك المراقبين لرفع سقوفات الرجل وحظوظه في رئاسة المؤتمر الوطني فيما رأى البعض الآخر أن طه قد يجد منافسة شرسة داخل القائمة في حزب يصفه المراقبون ب"الضاج بالقيادات والكوادر النوعية المؤهلة لقيادته"، ويمضي ذات المراقبين للقول إن ذلك في حال حدوثه ربما يجعل القيادة أمام تحدٍ جديد، قد يفرزه تعدد المرشحين، وهذا قد يدفع القيادة للبحث عن مرشح واحد يحظى بإجماع العضوية بجانب تأييد قطاعات واسعة من السودانيين والمؤسسة العسكرية لذاك المرشح، كمتلازم مهم لمعايير الاختيار. من سيخلف طه؟ أشارت التخمينات إلى أسماء عدة من المحتمل أن تحل مكان علي عثمان في منصب النائب الأول، ولعل أقوى تلك التخمينات هي تعيين وزير شؤون الرئاسة الحالي الفريق أول بكري حسن صالح في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، بجانب مساعد رئيس الجمهورية ونائبه لشؤون حزب المؤتمر الوطني د.نافع علي نافع، فيما تركت تسريبات أخرى الباب موارباً أمام صعود وزير الكهرباء والموارد المائية أسامة عبد الله، وقد استمدت قوتها من تأكيدات بإجراء اتصالات بالمهندس مكاوي محمد عوض ليحل محله – في إشارة إلى ترفيع الوزير أسامة للرئاسة، وإن كان هذا الاحتمال ربما يعني من زاوية أخرى عدم صعود أسامة عبد الله للرئاسة، حيث يحتمل تفسير إحلاله في وزارة أخرى؛ بجانب هؤلاء برزت أسماء أخرى مثل رئيس السلطة الانتقالية الإقليمية بدارفور د.تجاني السيسي مع تخمينات أتت ضعيفة للغاية ولم تجد حظها من التداول تحدثت عن تعيين د.علي الحاج محمد في منصب النائب الأول. سباق الرئاسة وبالعودة لمغادرة طه نجد أن تاريخ طويل قطعه الرجل منذ ترؤسه لاتحاد جامعة الخرطوم إلى أن انتخب في آخر برلمان ديمقراطي وأصبح رئيساً للجنة الشؤون القانونية في العام 1985م وبعد استلام الجبهة الإسلامية للسلطة وهو كان يعد من أبرز قيادات الصف الأول تمرحل في السلطة حيث بدأ بتعيينه نائباً للبرلمان الانتقالي في الفترة من 1991 – 1993 وبعدها تولى منصب وزير التخطيط الاجتماعي في الفترة من 1993 - 1995م، ومن ثم منصب وزير الخارجية السودانية في الفترة من 1995 - 1998م. بعد مفاصلة الإسلاميين توسع نفوذ الرجل في الحزب والدولة وعقب مصرع النائب الأول الزبير محمد صالح بحادث سقوط طائرة تم تعيينه نائباً أول للرئيس في العام 1998 واستمر في المنصب حتى توقيع اتفاق السلام الشامل والذي تنازل عنه لصالح زعيم الحركة الشعبية د. جون قرنق. ويقول مصدر من المؤتمر الوطني – رفض ذكر اسمه- إن توقيع اتفاق نيفاشا يعد أبرز المحطات في حياة علي عثمان حيث طرحه الاتفاق كشخصية دولية يمكن أن تجد حلولاً للبلاد كذلك زادت ثقة الرئيس البشير فيه حيث إنه قال مرة "لم أندم على اختياري لعلي عثمان"، إلا أن تيارات داخل الوطني ظلت في الآونة الأخيرة تحمل الرجل مسؤولية انفصال الجنوب بعد الاتفاق على حق تقرير المصير. وعلى الرغم من الموقع القيادي الرفيع الذي كان يتولاه في حزب الجبهة الإسلامية، إلا أن جذوره في تولي المنصب العام تعود إلى عهد نظام مايو، إذ إنه بعد المصالحة الوطنية التي عقدها ذلك النظام في عام 1977 وكفلت لقادة وأعضاء الحركة الإسلامية حرية في حدود ضيقة لا تتجاوز مساحة التنظيم السياسي الوحيد وقتها (الاتحاد الاشتراكي السوداني)، أتيح لعلي عثمان الترشيح لانتخابات مجلس الشعب (البرلمان) في عهد النميري. وفاز بالفعل بمقعد من دائرة الخرطوم الغربية التي تمثل أكبر الدوائر مساحةً وسكاناً ووفرةً من المتعلمين. وكان قادة مايو سعداء بذلك الفوز وعبروا عن سعادتهم بإسناد منصب رائد مجلس الشعب إلى علي عثمان رغم صغر سنه، إذ لم يتجاوز عمره وقتها ال 30 عاماً.. وكانت تلك الوظيفة العمومية بمثابة تجربة مبكرة لعلي عثمان في تصريف أمور الدولة، إذ إن المنصب كان يعني رعاية شؤون الوزارات داخل البرلمان وتبني سياسات تلك الوزارات، وهي عملياً نقطة ارتكازه لتولي المنصب الخطير الذي يشغله حالياً. وخلال فترة الحكم الحزبي واصل علي عثمان وجوده في البرلمان المنتخب وصار عضواً في الجمعية التأسيسية (البرلمان) عن إحدى دوائر وسط العاصمة الخرطوم. وتردد آنذاك أن علي عثمان رفض منصباً وزارياً في حكومة الوحدة الوطنية التي كونها الصادق المهدي من حزبه وحزبي الاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية. وبعد مضي سنوات عدة في مستهل عهد الإنقاذ، أمضاها علي عثمان في مساندة النظام من خارجه تولى منصب وزير التخطيط الاجتماعي، وكانت حقيبة جديدة جرى تركيبها من عدد من الوزارات والمؤسسات المرتبطة بالمجتمع مثل الشباب والرياضة والشؤون الدينية والاجتماعية. ولم يمض طويلاً في المنصب حتى عين وزيراً للخارجية وبعد وفاة النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق الزبير محمد صالح اختاره البشير نائباً أول. هل يعود؟ لازال البعض داخل المؤتمر الوطني يعتقد أن وجود علي عثمان مهم جداً لحفظ التوازن والقوة داخل الحزب خاصة أنه عرف عنه إسهامه فكرياً كرجل دولة في معالجة كثير من القضايا الوطنية بحكمة، فضلاً عن صفات أخرى يتميز بها في التعامل بانفتاح مع منسوبي أعضاء الحزب أو حتى خارجه، ولم يعرف عنه الغلو والتطرف كما أنه استخدم مترادفتي التسامح والموضوعية مع الآخر غير المنتمي للوطني أو الحركة الإسلامية.