هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته شهدت ولاية الخرطوم خلال الأيام الماضية اختناقات وأزمات في عدد من المستهلكات الضرورية بدأت بنقص في الجازولين، أعقبه نقص في وقود الطائرات، ثم نقص في الدقيق الموزع للمخابز، وأخيراً نقص في البنزين. اتضح في كل الأحوال أن النقص مؤقت وغير مرتبط بعجز الدولة عن توفير هذه المواد الرئيسية لأنه سرعان ما تنقشع حالة النقص وتعود الإمدادات لحالتها الطبيعية. من الواضح أن زيادة عدد سكان ولاية الخرطوم (كنموذج) وتنامي احتياجاتهم وقدراتهم الشرائية لم تقابله زيادة في المواعين التخزينية للمواد الضرورية. ولم تقابله كذلك تحديثات في الوسائل والأساليب المستخدمة في إدارة المخزونات. وتكوين المخزون الاستراتيجي. إذا أخذنا دقيق القمح كنموذج بولاية الخرطوم فإننا نجد أن 90% من الإنتاج تقوم به ثلاث مطاحن رئيسة ملكية اثنتان منها للقطاع الخاص، وملكية الثالثة مشتركة ما بين القطاعين العام والخاص. البعض يحسب هذا خطأً استراتيجياً باعتبار أن أي واحدة من هذه المطاحن الثلاث، بمفردها أو بالاتفاق مع الأخريات، يمكن أن تقوم بممارسات احتكارية ضارة لا تملك الدولة إلا الإذعان لها، لعدم امتلاكها لخيارات بديلة. هذا وارد، غير أنني أقدر أن هذه المسألة ليست هي الإشكالية الرئيسة، إنما الإشكالية تكمن في عدم تحرير سلعتي الدقيق والقمح. لأنه في حالة التحرير الكامل لهاتين السلعتين سيكون هناك قطاع خاص منافس في إمكانه استيراد الدقيق جاهزاً، وبالتالي يتم القضاء على أي ممارسات احتكارية. سيقول البعض إن هذا سيؤدي لارتفاع أسعار الخبز لأرقام فلكية لا تستطيعها نسبة من السكان. إن هذا غير مؤكد، حسبما سأبين لاحقاً، ولكن بافتراض أنه صحيح فإن المعالجة تكون بالدعم المباشر من خلال بطاقة تموينية بعدد أرغفة محدد للأسر التي تستحق الدعم، والتي قام ديوان الزكاة بحصرها بصورة جيدة. الحقيقة أن من يتسبب في ظاهرة الصفوف أمام المخابز حالياً هم المقتدرون من المواطنين الذين ما إن يسمعوا بأن هناك نقصاً في الخبز ولو في مكان بعيد جداً عنهم يقومون فوراً بمضاعفة طلبهم من الخبز. فمن كان يكفيه ولأسرته رغيف بخمسة جنيهات يضاعفها فوراً لعشرة وربما يزيد. وهذا سلوك استهلاكي ضار جداً. ليس من المؤكد ارتفاع أسعار الخبز بصورة فلكية إذا ما حُررت سلعتا الدقيق والقمح، وذلك لسببين. الأول: الأسعار التي يتم بها استيراد القمح في الوقت الحالي هي أسعار بيع آجل تدخل فيها تكلفة التمويل وليست أسعار القمح الحقيقية في البورصات العالمية. والثاني: أن التحرير لسلعتي الدقيق والقمح يترتب عليه تحرير صناعة الخبز، وبالتالي تتمكن المخابز من إنتاج أنواع مختلفة من الخبز بعضها فاخر جداً وله مشترون قادرون على دفع الثمن. وآخر عادي سيقدم بأسعار معقولة جداً. باعتبار أن ربح المخبز سيأتي من خلال (المشايلة) بين النوعين. ولحين تحرير سلعتي الدقيق والقمح. علينا تطوير وتحديث آليات المراقبة والتوزيع. لقد ظل المخزون والمنتج من القمح والدقيق في ولاية الخرطوم في كل الأوقات كافياً جداً في جملته الكلية، غير أن المشكلة تبرز عند وجود خلل في التوزيع. إن الإدارة الفاعلة لهذه المخزونات بطريقة حديثة ستقضي على الكثير من الأزمات. أما فيما يلي المواد البترولية وما يحدث فيها من نقص أحياناً فعلينا أن نقر بالحاجة لمواعين تخزين إضافية للطوارئ. طوارئ مثل تعطل المصفاة أو تأخر تفريغ باخرة جازولين إلى آخره. علينا تطمين جمهور المستهلكين عند حدوث مثل هذه الطوارئ ببيانات واضحة شفافة تطمئنهم بقدرة الدولة على تغطية الاحتياجات، وتطلب منهم عدم الشفقة بشراء مواد أكثر من احتياجاتهم. وبالله التوفيق.