ألم يأن لهذه الدولة أن تعيد ترتيب اولوياتها وأن تعلي قدر المعلم وتوفه التبجيلا. أن امة تترك معلميها ليقتاتوا من فتات الأرض أمة تذبح مستقبلها.. وأنى لدولة تريد التقدم أن يكون معلموها تحت خط الفقر. إن راتب المعلم الذي خرج الأجيال والعلماء قد يساوي حافزاً شهرياً لأحد تلامذته الذين التحقوا حديثاً بإحدى مؤسسات الاتصال أو البترول أو ما عرف حديثاً بمؤسسات التجنيب , وحين يذكر التجنيب وما اورده المراجع من مبالغ هائلة ("284,4" مليار جنيه و"12,1" مليون دولار و"134,4" ألف يورو) تقفز إلى الحلق غصة على أولئك الشباب الذين فقدوا نتيجة اصرار الدولة على سياسة رفع الدعم عن الوقود رغم أن ما وفرته (حوالي4.78 مليارات جنيه) لا يساوي جناح بعوضة من مبالغ التجنيب وكان اولى بها بل كان من واجبها أن تبذل مجهوداً في جلب هذا المال إلى الخزينة لحل مشاكلها بدلاً من بحث ايسر السبل وهو الضغط على المواطن المسكين، ولكنها لم تسمع جميع الصيحات التي جاءتها من الخبراء واهل الرأي وكان للأسف ما قد كان ولم يحاسب في كل ذلك أحد!!. ما هذا الخلل؟ وما هذا الفيروس الذي اصاب النظرة للتعليم والذي ظنناه حالة عارضة لكنه استمر لنيف وعشرين سنة!! وتتعجب أن يكون التعليم في ذيل الاولويات ووزارته عليها غبرة وترهقها قترة من بين الوزارات السمينة التي تجنب وجباتها بعيداً عن الخزينة العامة. وما يزيد التعجب أن من اهم وظائف الدولة التخطيط الإستراتيجي للتنمية فهل سقط التعليم سهواً من اجندتها ام أن عفة المعلم وزهده وصبره حالوا دون انتباه اولي الامر لحقوقه واستهوانهم بها؟ لقد فطنت دول الخليج العربي مبكراً جداً إلى خطورة واهمية التعليم ووضعت خطة-ونفذتها وراقبتها- لتحسين اوضاع المعلمين وأنشات البنية التحتية وجعلت البيئة جاذبة للكفاءات من مواطنيها وغيرهم من الدول العربية الاخرى. ولقد استوقفني خبر رغم انه نشر عام 2011م عن اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بالمعلمين يقول الخبر "أعلن مجلس أبوظبي للتعليم عن إجراء استبيان يهدف إلى الوقوف على ظروف عمل المعلمين في المدارس الحكومية والخاصة في إمارة أبوظبي، من خلال معرفة آرائهم ومدى رضاهم الوظيفي. وأكد المدير العام للمجلس الدكتور مغير خميس الخييلي، أن «الهدف الأساسي من تطوير المنظومة التعليمية في إمارة أبوظبي هو المساعدة على إعداد وتأهيل الطلبة كي يصبحوا مواطنين صالحين ومنتجين في مجتمعهم، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا من خلال الارتقاء بجودة التعليم». وذكر الخييلي أن نتائج الاستبيان ستساعد المجلس في جهوده الرامية إلى إضفاء مزيد من التقدير لمهنة التدريس وتحسين الوضع المهني للمعلمين، حتى يمكن تحقيق أفضل النتائج. وأشار رئيس وحدة الأبحاث في المجلس، الدكتور مسعود بدري إلى أن وجود المعلم الكفء والمؤهل يؤدي إلى تحقيق المخرجات التعليمية المطلوبة شريطة أن يشعر بالرضا الوظيفي". لكم التحية يا اهل الإمارات، ولله در المعلم السوداني فإن احداً من المسؤولين لم يسأله عن مستوى الرضا المعيشي دع عنك مستوى الرضا الوظيفي!! إن وفاء اهل الإمارات وتبجيلهم للمعلم ليس بمستغرب فقد ورثوا وتعلموا ذلك من والدهم الذي فجعت بفقده الامة العربية والإسلامية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله. لقد جعل الشيخ زايد التعليم من اولويات التنمية حيث قال "إن الشباب هم ثروة الامم الحقيقية". نعم لقد كان الشيخ زايد وفياً للسودانيين الذي ساهموا معه في النهضة بصورة عامة وللمعلمين السودانبين بصفة خاصة، فغرس في أبنائه تقدير اساتذتهم، وأذكر وانا صغير وكان الوالد البروفسير أحمد إبراهيم أبوسن- عالم الإدارة المتشرب بالثقافة وادب البطانة- حينها أستاذاً بجامعة الإمارات العربية المتحدة ورئيساً لقسم الإدارة خلال فترة الثمانينات، تلك الزيارة التي سجلها الشيخ أحمد بن زايد-الذي توفي في حادث طائرة رحمه الله- إلى بيتنا وكان طالبا في الجامعة وقتها. وأذكر أن الوالد قد ناداني لتقديم الضيافة فوجدت الضيف يجلس في ادب ويتحدث بكل تهذيب ووقار وظننته احد طلاب الوالد فإذا به كذلك مع زيادة انه إبن رأس الدولة !! لقد اثمرت هذه النظرة الإستراتيجية وهذه الفراسة العربية التي تمتعت بها قيادات دولة الإمارات ما نراه اليوم من تطور لدولة الإمارات وإنسانها. فهل نامل أن يتربع تحسين وضع المعلم وبيئة التعليم على قائمة الاولويات بعد أن وعدت الدولة بإيقاف التجنيب ام اننا سنعود قسراً وحزناً إلى بيت الشعر الذي استهلكناه ومل هو شخصيا منا "لقد اسمعت إذ ناديت حياً.. ولكن لا حياة لمن تنادي"ط * عميد شؤون المكتبات- جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا