العلاقات السودانية الأمريكية مرشحة بقوة للإنتقال بتؤدة من مربع الشك والتربص والمخاشنة الى مربع التطبيع المتدرج . وتعد الزيارة التى قام بها الرئيس الأمريكى السابق جيمي كارتر للخرطوم خلال الأسبوع المنصرم والتقاءه على وجه الخصوص بالرئيس عمر البشير انعطافة مهمة في التعاطى الدبلوماسى بين البلدين, وواحدة من مؤشر التبدل الذى بدأ يطرأ على العلاقات بينهما في إطار صياغة جديدة للسياسة الأمريكية تجاه حكومة الإنقاذ. ويصعب إدراج استقبال الرئيس لكارتر في سياق المجاملة السودانية التى تقدر نشاطات الضيف الأمريكى الإنسانية في البلاد, فرؤساء امريكا السابقين الراغبين في القيام بنشاطات خارجية أيا كانت طبيعتها يلتزمون بالسياسة الخارجية المقررة لساكن البيت الأبيض غض النظر عن رأيهم فيها.ومن المعروف أن أمثال كارتر يلتقون بكبار المسئولين في السي آي إيه والخارجية والبيت الأبيض قبيل السفر الى الخارج لمتابعة انشطتهم بما فيها الإنسانية للإطلاع على آخر المستجدات في علاقات بلادهم مع الدولة المعنية بالسفر , وفى كثير من الأوقات يحمل هؤلاء المبعوثون غير الرسميين رسائل من وإلى عدد من البلدان تعاني من انسداد القنوات الرسمية مع امريكا.ومن المؤكد أن كارتر اتبع الخطوات الروتينية اللازمة قبل توجهه إلى الخرطوم سواء كان سبب الزيارة كما أعلن في أجهزة الإعلام السودانية (الإطلاع على تطورات البرامج التى يشرف عليها مركزه في مجال مكافحة الدودة الغينية والتراكوما وتدريب العاملين في المجال الصحى) او بإيعاز من مراكز اتخاذ القرار في بلاده لتقييم صدقية الإشارات السودانية الدالة على إتباع سياسات داخلية وخارجية جديدة تراعي المعايير الدولية, وتستهدف زيارة كارتر التأكيد على أن ما يبدو تبدلا في سياسات امريكا في الشرق الأوسط حقيقي وهو إستراتيجية مستمدة من برنامج الرئيس اوباما للدورة الرئاسية الثانية. ومما لاشك فيه أن الولاياتالمتحدة تخلت مؤقتا على الأقل خلال الأشهر القليلة الماضية عن استرتيجيتها السرية والتي كانت قيد التنقيذ فعلا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, والتي تتلخص في المساهمة (استخباريا) على إعادة رسم خريطة بلدان تلك المناطق (التى يتماس السودان مع غالب دولها) على أسس دينية وعرقية وطائفية. ويلاحظ المراقبون أن إدارة اوباما اكتشفت أن الأوضاع القديمة السائدة قبل العبث بتركيبة العراق والسودان و يعد نقل ذات العبث الى سوريا وليبيا سمحت بتغليب قيم المواطنة على قيم العرق والطائفة والقبيلة. وقد كشفت زيارة كارتر للسودان عمق شك القوى السياسية المعارضة في مصداقية حكومة الإنقاذ, واستخفافها بالرسائل التي صدرت من قادتها برغبتها الجادة في الإنفتاح على الجميع, فهي أي المعارضة بدأت في إعادة قراءة رسائل الإنقاذ وفي مقدمتها التعديلات واسعة النطاق في الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الأخيرة في اعقاب التصريحات غير المسبوقة التي أعلن من خلالها كارتر (ان الرئيس البشير ابلغنى أن ثمة خطوة مهمة سيتم إتخاذها قريبا) وتلقى الضيف من السلطة العليا الوحيدة في البلاد بعد اقصاء أو إنسحاب عدة مراكز قوى تأكيدات (على حرص السودان على تطوير علاقاته مع محيطه المحلي و الإقليمي والدولي) ومؤكدا حرصه (على الوفاق الوطني والحوار مع كل القوى السياسية من أجل التوافق على الرؤى والثوابت الوطنية). لو لم يكن هذا الرجل المحنك قد استمع من الرئيس البشير على (تنوير مفصل) للتغييرات المرتقبة في توجهات الإنقاذ لما سارع بإبلاغ كل من يهمه الأمر محليا وإقليميا ودوليا أن حكومة الإنقاذ وتحديدا الرئيس البشير قد اكمل الترتيبات اللازمة لنقل البلاد الى مرحلة سياسية مختلفة ,ومما لاشك فيه أن ممثل المجتمع الدولي وخبيرها في فحص وتقييم الممارسات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في الشرق الأوسط قد اقتنع بما سمع فانتقل الى دور المبشر بها) تنويهات: ×ليس من الذكاء السياسى التشكيك الآن في مصداقية الرئيس البشير , و بدلا من ذلك فإن الأصوب هو النظر الى النصف المملوء من الكوب. × ترتكب القوى السياسية المعارضة بشقيها المسلح وغير المسلح خطأ جسيما إن استمرت على مسلكها الرافض لكل ما هو صادر عن الإنقاذ باعتبار قادتها كتلة واحدة صماء , وإن هي أيضا لم تلاحظ اختفاء اللغة الدولية الخشنة تجاه الحكومة السودانية مؤخرا, وتثمينها عاليا لمواقفها في حالتي الأوضاع السياسية بدولتي مصر وجنوب السودان. × الجبهة الثورية مطالبة بالاتعاظ مما جرى في سوربا فتقاطع أجندات الداعمين للثورة السورية حول منطقة الهلال الخصيب الى بلقان جديد, الخاسر الرئيسي فيها حتى الآن الشعب السوري . ××× الانفجار المؤسف في دولة الجنوب دفع القوى الدولية الى اتخاذ مزيد من خطوات التراجع عن دعم الجماعات المسلحة في المنطقة.