وزير العدل محمد بشارة دوسة في حوار صريح مع (السوداني):- لا نستخدم فقه السترة، ونحاسب من تسبب في التستر على مسئول (...) هذه ملاحظاتي على تقرير المراجع العام لا نتعامل مع ملف اسمه أحداث سبتمبر! لا تأخذني العزة بالإثم ! نعم.. فاعليتي في المؤتمر الوطني ضعيفة! عندما أبتعد من الوزارة سأجيب على هذا السؤال(..) عادة ما تثار قضية واحدة من تقرير المراجع العام في وسائل الإعلام، وتظل قضايا التجاوزات والفساد الأخرى حبيسة الورق لا تظهر ولم يُعرف من هم المسئولون عنها.. ملفات أخرى، كونت فيها لجان تحقيق، لا أحد يعلم نتائجها، وقضايا لازالت تشغل الرأي العام، فكان لنا حوار مع وزير العدل محمد بشارة دوسة، للوقوف على مستجدات بعض الأحداث، أهمها تقرير المراجع العام وملف أحداث سبتمبر وقضية الدواء، واستقلالية النيابات، فضلا عن جانب آخر خاص يتعلق بالوزير وانتماءاته السياسية وأبرز ملاحظاته على الإعلام.. فإلى ما أدلى به. حاورته: لينا يعقوب تصوير: أحمد طلب *تقرير المراجع العام أشار إلى فساد متواصل، يبدو أنه لم يتوقف من عام إلى آخر.. ما تعليقك وملاحظاتك؟ تقرير المراجع العام مهم لكشف الوضع المالي للبلد، لأن الدولة تدير شئون البلاد من خطط وبرامج، والجهة التي يمكن أن تعطي شهادة هي المراجع العام.. التقرير يحتاج لمعالجة، ولا بد من وجود وسيلة تفاهم بين الجهاز التنفيذي والمراجع العام، وهنا أشير إلى أن الرئيس كون لجنة وزارية في العام قبل السابق لمعالجة ما يشير إليه المراجع العام في تقريره، وهي خطوة مهمة، وجود اللجنة بقرار جمهوري لمعالجة أمر مهم، نحن عقدنا جلسة الخميس الماضي ونظرنا إلى تقرير المراجع العام وبصدد أن نقوم بمعالجات وأولها مخاطبة الجهات التي أشار إليها المراجع أنها تحوي مخالفات وهل هي مخالفة بالطريقة التي عرضت بها أم لا؟ فمن الأفضل أن نستمع لوجهة النظر الأخرى.. فإذا ثبتت نتخذ الإجراء مباشرة. *وماهو رأيك في المخالفات التي أوردها وماذا ستفعل وزارة العدل؟ قبل أن أقول رأيي حول ماورد في التقرير، كوزير للعدل يعنيني هذا التقرير في جانبين، الأول هو المتخصص بالاعتداء الواضح على المال العام في حالات محددة واتخذنا فيها إجراءات، وتضمن التقرير أداء الوزارة عبر النيابات وماذا فعلت بصدد الحالات التي كشفها المراجع خلال عام2013 وهي مفصلة تفصيلا كاملا وذهبت إلى المحاكم.. هناك مخالفات ليست جنائية إنما أقرب لمخالفة لائحية.. أما الجانب الآخر، وجود مخالفات عامة وإدارية واستغلال نفوذ، فهناك شركات دخلت في معاملات مع الدولة وأشياء أخرى لا تحسم إلا بالتفنيد.. التقرير إن تقدم أكثر من ذلك وأشار إلى هذه الشركات تحديدا لمكننا من اتخاذ الإجراءات ولما احتجنا لمخاطبة الجهات أو المراجع العام بأننا نريد معرفة أسماء هذه الجهات.. الآن نحن نحتاج بأن نخاطب تلك الجهات والوزارات التي تم الإشارة إليها في التقرير وبناء على ذلك سنتخذ الإجراءات القانونية والإدارية.. التقرير إن أشار لهذه المخالفات بشيء أكثر دقة ربما لسهل الأمر، لكن في الحالتين في الوزارة وفي اللجنة لا تذهب مثل هذه التقارير هدرا. *حينما تبدأون في معالجة المخالفات التي وردت في تقرير المراجع العام، هل تجدون حرية كاملة، أم أن هناك جهات تعترض عملكم؟ قطعا لا.. أنا أمارس كامل حريتي وفقا للقانون.. وأتعامل بطريقة كاملة دون تأثير في الدوائر المختلفة، صحيح أن الأمر يستغرق وقتا لكن ذلك نتيجة لطبيعة البلاغات، وفي الحقيقة مستوى التعاون بين الوحدات الحكومية والنيابات يحتاج إلى تعاون أقوى وأفضل من الموجود.. لكن لا يوجد تدخل. *في تقرير المراجع العام قبل الأخير، كانت هناك إشارة إلى أن مسئولين قدموا تسهيلات لشركات، لماذا لم نسمع من هم؟ وما هي أسماء شركاتهم ولماذا لم تتم محاسبتهم؟ هذا ما أقصده.. إن تضمن التقرير أسماء للأشخاص والجهات التي قدمت تسهيلات للشركات التي لهم مصالح فيها، لاتخذت الوزارة الإجراءات باستدعائهم جميعا ولظهرت النتيجة في العلن وأصبحت أكثر إيضاحا. *ولما لم تستفسروا المراجع العام حول الأسماء؟ هذا ما سنفعله.. *لماذا لم تفعلوا؟ التقرير الذي أقصده قدم حول مراجعات 2011؟ التقرير الذي قدم الآن في سبتمبر 2013 كان حول أغسطس 2012.. وهكذا التقارير كانت تعنى في بالفترة التي قبلها. *كانت هناك فترة معقولة.. ألم تتمكنوا من التحصل على الأسماء؟ لم تردنا على الإطلاق أسماء رغم أن لنا أجسام تنسيقية مع المراجع العام ويجب أن نجلس معه لمزيد من التنسيق، لكن لم نطلع على أسماء لأشخاص استغلوا مواقعهم أو نفوذهم. *هل هذا مظهر إعلامي مثلا.. أن يتهم تقرير المراجع العام أشخاص بعينهم بفساد ، ولا تعرف وزارة العدل من هم؟ لا أريد أن أسميه كذلك.. لكن لمصلحة المال العام يجب أن يُظهر المراجع العام الأسماء، وكان يمكن أن يمد به وزارة العدل لأنها مخالفة، والمراجع يجب أن يمدنا تلقائيا بالأسماء وينظر ماذا اتخذت الوزارة من إجراءات.. وإن تم هذا أو لم يتم، يجب أن يتم الآن.. ونحن الآن نحلل في التقرير الجزء المتعلق بالجرائم الجنائية الواضحة.. ونحن الآن تجاوزنا مرحلة التعميم.. وأفِدنا المراجع العام بحالات أشرنا فيها مثلا إلى الشاكي والجهة والمبلغ الاتهام كذا والمسترد كذا، لذا من الأفيد للرأي العام حتى لا يكون الاتهام مسلطا على الكافة، وهذه مشكلة، مثلا حينما أقول أن 35 جهة حكومية، يصبح أي أحد هو متهم. *هل خاطبتم المراجع العام ليمدكم بالأسماء ورفض؟ حول التقرير، هناك شيء ربما يكون ميزة كبيرة أو نسبية..وهي أن المراجع العام يقدم تقريره أمام البرلمان ولا يفصح عنه إلا بعد تقديمه لاستقلالية المراجع العام، ونحن نعلم أنه مستقل عن الأجهزة التنفيذية بما فيها العدل، ولا يملكنا التقرير إلا بعد تقديمه أمام البرلمان، هذه ميزة لتعضيد وتوضيح الاستقلالية الكاملة للمراجع العام، لكن أفيد إن تم التداول في بعض الحالات لنرى ماهي المعالجات التي تمت، ومن الأفضل أن يحدث تبادل معلومات ومساءلة حتى يستطيع الناس تقديم شيء. *هناك قضايا حول الفساد تؤول إلى المحكمة ببينات ضعيفة لتأخذ بعدا إعلاميا، كقضية أزهري التيجاني مثلا؟ في أي قضية الوزارة أو النيابة لا تمثل الاتهام إنما الحق العام وأي قضية تحول إلى المحكمة تكون المحكمة مقتنعة أن البينات كافية وإن لم تصل النيابة لهذه المرحلة لا تحول بلاغ إلى المحكمة، لكن تقييم المحكمة لهذه البينات ووزنها يختلف من تقييم النيابة.. نحن نحترم قرارات المحاكم، ولم نحول قضية بينات ضعيفة. *هل تؤكد استقلالية النيابات؟ لماذا يعتبر البعض أن القضاء نزيه إلا أن هناك جهات تتدخل في عمل النيابات؟ هذا حديث غير صحيح ويقام دون دليل، أنا مسئول من النيابات والسلطة المستمدة هي سلطة وزير العدل، فإن كان هناك تدخل في العمل يتم عبر وزير العدل والذي ليس له حق بأن يتدخل، إن تم ذلك، سيكون وكيل النيابة الذي يتأثر هو الخاطئ ويتحمل المسئولية.. لكني أقولها بكل اطمئنان ليس هناك تدخل في عمل النيابات التي تعمل بموجب قانون. *هل تقومون بمحاسبة مسئول تشكون فيه بطريقة أخرى غير النيابة.. بمعنى أنكم تعملون بمبدأ فقه السترة؟ المحاسبات في الدولة معروفة بموجب القوانين، هناك محاسبة إدارية وسياسية وهي وسائل وطرق للمحاسبات، لكن بالنسبة للمحاسبة الجنائية التي تنتهي بإجراءات التقاضي، النيابات تتعامل مع نصوص قانونية تجرم الأفعال وتطبق قانون الإجراءات الجنائية، ولا نستخدم فقه السترة، ونحاسب حتى من تسبب في تستر مسئول. *من سنوات والصحف تتحدث والمراجع العام يؤكد وجود فساد وتجاوزات خطيرة، بلا شك أن بعض من قام بها في موضع مسئولية.. لماذا لم تظهر أسماؤهم في الإعلام؟ لماذا لم يظهر الإعلام جملة المحاكمات التي تتم في الدوائر المختلفة.. المحاكم تعج بالقضايا وتفصل فيها بالبراءة أو الإدانة.. نحن في وزارة العدل في مرحلة الاتهام أو الإجراء لا نعرض القضية على الإعلام وهو أمر ممنوع بالقانون.. وأنا في هذا الحوار مثلا لا أشير إلى بلاغ مفتوح في النيابة، ولا يمكن أن ندين شخصا في مرحلة التهمة، لكن بعد المحكمة الإعلام لديه مطلق الحكم. *فيما يخص أحداث سبتمبر أنتم تحققون حول التعويضات والمتضررين.. أين هم القتلة؟ من الذين قتلوا المتظاهرين ولم هذا البطء في الكشف عنهم؟ الأحداث أسفرت عن مخالفات وأضرار معلومة لديكم وجانب آخر هو القتلى.. في كلا الجانبين هناك بلاغات مفتوحة، لكن لا يوجد ملف اسمه ملف أحداث سبتمبر لأن الأحداث متباينة والنتائج مختلفة والخسائر متباينة.. فيما يخص جانب القتلى، قلنا من قبل في الإعلام جملة البلاغات المفتوحة، وفي كل حالة هناك تحري منفصل.. ولا يمكننا أن نقول رأي موحد حول هذه الحالات.. صحيح هناك بلاغ وأجرينا تحريات وهناك بينات إلا أن بعض الملفات متقدمة وأخرى متأخرة.. الملف يشرف عليه المدعي العام، وكلفنا رؤساء النيابات أن يشرفوا عليه أيضا إشرافا مباشرا، خاصة أن فيه تعقيدات فنية وأشياء لابد أن تذهب للمعامل. *على الأقل، ألم تثبت التحريات الأولوية تورط نظاميين في أحداث القتل؟ أنا لست مطلع على كل البلاغات، لكن قطعا، هناك بينات تقول إن الشخص الفلاني حينما قتل كان في المكان المتواجد فيه نظاميين أو شرطة أو أفراد من الجهة الفلانية، وهنا مباشرة توجه التهمة مبدئيا لحاملي السلاح في ذلك المكان، وفي حالة أخرى مثلا يقتل الشخص ولا توجد دلائل أن نظاميين تواجدوا في مكان القتل.. الأسباب مختلفة، لكن قطعا في الكم وثمانين حالة هناك نظاميون متهمون. *تشكلون لجان تحقيق لا تظهر نتائجها، على سبيل المثال لجنة التحقيق حول التلاعب بأسعار الأدوية؟ حينما أثيرت قضية الأدوية، دخلنا لنرى مستوى الخلل، سواء تعلق بالغلاء أو عدم مطابقة المواصفات أو الغش، كونا لجنة وأدخلنا فيها نيابة حماية المستهلك.. قدمت اللجنة تقريرا مبدئيا، أما التقرير النهائي فلم نستلمه بعد، حضرت اجتماع مع وزير الصحة ومحافظ بنك السودان، واتضح لنا أن مسألة الموارد لم تكن إشكالية، إنما كان هناك عدم تنسيق بين الجهات المختصة، فيما يتعلق بوجود مخالفات جنائية تحت القانون الجنائي فلا زلت أنتظر التقرير النهائي وسوف تتخذ الإجراءات القانونية. *ملف جرائم الحرب في دارفور يسير ببطء وكان المدعي العام في كل مرة يتغير، ما الجديد في هذا الملف وأين نتائج التحقيقات؟ تقييمي أن هذا الملف منذ أن تم تعيين المدعي العام الأخير لا يسير ببطء بل هو متقدم، والمدعي تحدث بإحصائيات حول البلاغات التي قدمت للمحاكم والتي تحت التحري وصدرت فيها أحكام بالإعدام، حيث أشار إلى أن هناك 93 حكما بالإعدام صدر، وأعتقد أن ياسر أحمد محمد ومنذ آخر اجتهاد للوزارة بأن يكون المدعي مقيم في دارفور وله مكاتب في مختلف الولايات أصبح هناك أثر واضح في القضايا، والملفات كلها متحركة، لكن أيضا على الناس أن يكونوا مستصحبين لطبيعة الملف العدلي في دارفور.. العدالة تبحث عن بينات وأدلة، والقضية لا تذهب للمحاكم إلا ببينات قوية، نحن نعي أن جزءا من حل أزمة دارفور هو تحقيق العدالة، بالنظر صحيح أن حجم البلاغات التي حدثت لا يتناسب مع حجم البلاغات والمخالفات التي حدث.. كلما نجد أن هناك سلام واستقرار فالملفات تفتح بصورة أفضل. *هذا الملف يحظى باهتمام دولي كبير، هل هناك شخصيات أو جهات أو مؤسسات حتى إن كانت تتبع للدولة، تورطت في بعض الجرائم المرتكبة في دارفور؟ لا يوجد شيء اسمه تورط من الدولة، الجريمة هي المنسوبة لشخص بعينه، فإن كان هناك شخص ضمن منظومة الدولة ومشترك في الجريمة، فالتهمة تطاله كشخص، لأنه لا يوجد قانون في الدولة يلزم أحد بارتكاب جريمة، هناك أفراد في أجهزة نظامية قدموا لمحاكم لكن لا تقدم الجهة ذاتها. *هل تقرأ ما يكتبه بعض القانونيين الذين ينتقدون الأداء العدلي؟ ما هي ملاحظاتك؟ أحدهم قال إن ماحدث في هذه القضية لم يحدث في تاريخ العدالة؟ دون أن أذكر اسم، أطلع على ما يكتب عن الوزارة في الإعلام خاصة حول التقصير والتأخير والتظلم، لكن الآراء التي تقال من قانونيين تكون مجرد آراء، وفي النهاية قضايانا الجنائية تشمل عدة أطراف، وإن كان أحدهم يعبر عن طرف فلا نهتم بتعبيره، لكن هذا التعبير متاح عبر منظومة الوزارة.. الآراء الشخصية لا أنشغل بها، لكني أنشغل بالمسائل الإدارية. *هل أخطأ دوسة خلال عمله وراجع نفسه على ذلك الخطأ؟ لا أقول إني لا أخطىء.. ويمكن أكون أخطأت كثيرا، لكني أراجع نفسي في اللحظة التي أعرف أني أخطأت ولا تأخذني العزة بالإثم، ولا أبرىء نفسي من الخطأ. * بصراحة.. هل أتيت إلى التشكيل الوزاري بعملك أم بسندك القبلي؟ العمل والأداء تسأل عنه الجهة التي أبقتني في الوزارة، لكني أستبعد السند القبلي، فالرئيس أشار أنه لا يوجد تمثيل لجهة أو قبيلة.. قد لا يعلم الكثير من الناس هل أنا مرتاح في منصب وزير العدل؟ وأقول إن المسألة تكليف وليست تشريفا وهي واجب وطني. *هل دوسة راض ومرتاح في وزارة العدل؟ أنا أجتهد في التكليف، لا أتضجر، وأعتقد أنه واجب علي تأدية عملي بتفانٍ. *هل أنت إسلامي؟ الشعب السوداني أغلبه إسلاميون إلا نسبة قليلة جدا.. لكن إن كنت تقصدين الفهم التنظيمي الضيق، فلا يؤثر وضعي التنظيمي على أدائي المهني، وفي اللحظة التي أشعر أنه أثر علي سأراجع نفسي. *هل لديك وضع تنظيمي أو تنتمي لحزب انتماء تاما؟ أنا وزير من وزراء المؤتمر الوطني.. لكن السؤال المهم هل يؤثر ذلك على أدائي المهني، وأقول بصراحة، إن كل وزير كلما بعد عن تأثير التنظيم والحزب سيكون أنجح لأنه جاء ليخدم الكافة، والوزير الناجح هو من يستطيع أن يخرج من هذا الجلباب. *أنت عضو غير فاعل في الوطني؟ قد يكون ذلك صحيحا.. فطبيعة العمل جعلتني أهتم بالوزارة أكثر من التنظيم، إن كانت فاعليتي في العدل أكبر، فهذا أفيد للوطني نفسه. *إن ابتعدت عن وزارة العدل هل ستكون عضوا فاعلا في المؤتمر الوطني؟ عندما أبتعد سأجيب على هذا السؤال.