الدكتور أبو القاسم محمد حبيب الله بابكر معلوم أن مشروع الجزيرة وامتداد المناقل يقع في ولاية الجزيرة، ولا يفوت على أحد أن هذه المشروع كان وما زال جمل الشيل لأهل السودان جميعا، وعندما ضعفت الخدمات في هذا المشروع العملاق تدهورت الأحوال الاقتصادية في السودان حيث كنا في الماضي نشتري الدولار بثلاثين قرشا، وأية عملة الآن تساوي هذا؟ حتى بعد استخراج النفط واكتشاف الذهب يبدو لي أن الذهب الأصلي الخالص هو الذهب الأبيض (القطن). الشاهد في الموضوع أن هذه الولاية ظلت زمنا طويلا تقدم لأهل السودان العطاء وتنتظر الوفاء، وتقوم التنمية في السودان على حساب أهل الجزيرة الذين ظلوا زمنا طويلا يتطلعون إلى إضافة شارع آخر إلى طريق مدني-الخرطوم، وهو على هذا الحال حتى بلى الأصل وبقيت الرقاع، وكل الحكومات الماضية لم تنظر إلى الشارع وما يلعبه من دور كبير في نقل منتجات الجزيرة والمواطنين إلى حاضرة السودان الخرطوم ويعملون على جعله Two ways. وكثرت الوعود ويلوح بارق الأمل بتصريحات من المسؤولين دون جدوى ودون تنفيذ. والأمر الثاني أن ولاية الجزيرة بها أكبر مصانع للغزل والنسيج، وكان يعمل بها آلاف العمال فتقطعت أرزاق هؤلاء وأغلقت المصانع أبوابها. وكذلك السكة الحديد والمؤسسة الفرعية للحفريات حيث كانت (114) تعتبر أكبر منطقة عمالية في السودان، ولقد لاحظت شخصيا خروج هؤلاء الآلاف من هذه المؤسسات ساعة الإفطار كأنه مظاهرات أو مسيرات هادرة. أين ذهب كل هؤلاء أغيبهم الموت أم العجز عن العمل أم تصفية المؤسسات وتخصيصها. الأمر الثالث والمهم وهو مشروع الجزيرة الذي يمثل عصب الحياة في السودان كله دون الجزيرة وحدها، حيث انهار كثير من المكاتب ومنازل الخفراء وتصدعت كثير من المباني، على الرغم من أن هذه الأماكن كانت أكثر حيوية، وقل مفتشو الغيط بل انعدموا تماما، وضعفت الخدمات في المشروع فانهارت نسبة الإنتاجية وقلت وأصبحت لا تحقق الطموح لكثير من الناس في ظل هذه الظروف الاقتصادية. الأمر الرابع أن معظم العاملين في الدولة يصرفون مرتباتهم في كل الولايات ما عدا ولاية الجزيرة حيث ظهرت ظاهرة أخيرة وهي وصول المرتبات ناقصة، الأمر الذي ترتب عليه ضرر كثير للموظفين الذين يشتاقون إلى مرتباتهم كاشتياقهم لأبنائهم، وفوق ذلك متأخرات و فروقات الترقيات التي تصل إلى مليارات، و(إذا عندك فروقات أقنع منها)، فسوف تظل حبرا على ورق، والمعاشات حدث ولا حرج حيث تعاني أكثر من تعاني، وإذا انتهت خدمتك سوف تبدأ رحلتك مع المعاش والعناء والمشقة التي تجدها في الحصول عليه، وحينها تكون قد فارقت الحياة وودعتها غير آسف على معاشك، حيث تواصل الأسرة الحصول عليه بعد أن يصيبها الضنى والنصب والتعب. أما الترقيات فعليك أن ترتاد الديوان ومكاتب شؤون الخدمة يوميا لتسأل فقط وتكون الإجابة (لسه) بعد أن تكون قد استنفدت كل ما في جيبك من أموال في الرحلات الطويلة غالية الثمن من وإلى مكاتب شؤون الخدمة، أما العلاوات فإنها تسقط بالتقادم أو بالمطالبة التي لا تتحصل عليها حتى لو كنت أنت وزير المالية نفسك. إن الله مع العاملين في ولاية الجزيرة التي تتفرد بإجراءات مختلفة. وتجد فرق المرتب واضحا في ولاية الجزيرة عند المقارنة مع أية ولاية أخرى لموظف في درجة واحدة، إذ أن طبيعة العمل لم تنفذ كاملة كما أن البديل النقدي ناقص، وبالتالي مرتب الموظف في ولاية الجزيرة أقل من رصفائه في أية ولاية أخرى. وإلى متى هذا الأمر؟ أم أن هذا غضب إلهي على أهل الجزيرة. ومعروف أن ولاية الجزيرة هى صانعة النضال الوطني، والتاريخ يشهد على أن ولاية الجزيرة رائدة في النضال الوطني، ويتمثل ذلك في الثورات التي قامت في الجزيرة في أيام المهدية، ونذكر منها ثورة الأرباب محمد دفع الله في عبود، وفضل الله ود كريف في قرية الرخاء، والشريف أحمد طه في الشرفة، وعامر المكاشفي في سنار، وأحمد المكاشفي في شات ود حبوبة في الحلاوين، وأحداث الشكابة.. فالجزيرة صانعة النضال الوطني، ومؤتمر الخريجين والحركة الوطنية خرجت من رحم الجزيرة من ودمدني و(أحمد خير المحامي والجمعية الأدبية) ومعظم قادة العمل الوطني كانوا في ود مدني يدرسون، منهم الأزهري ونميري والترابي ونقد، وبالأمس القريب جاء الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم يقود جحافل الجيوش من الجزيرة لاسترداد والحكم من هاشم العطا، وتغنى ود الأمين لأكتوبر أجمل أغانيه وهو من ودمدني. ومعلوم أن ود مدني كانت عاصمة البلاد 1824م حيث قام بنقلها عثمان بك جركس إلى الخرطوم في عام 1825م فالجزيرة هي النضال، وقد خرجت المظاهرات على نميري أول ما خرجت من ودمدني، وإذا سألت عن الجهاد والدفاع عن الوطني تجدها الولاية الأولى، وقد استشهد أهل الجزيرة في الدفاع عن الوطن، وواليها مجاهد من الطراز الأول. إذن بعد كل هذا لماذا الجزيرة مظلومة وتقل فيها التنمية، حيث إن المفروض أن تكون ودمدني هي المدينة الثانية بعد العاصمة لأن ود مدني صانعة التاريخ وقائدة الوطن ومركز الإنتاج المادي والبشري، وهي رحم السودان وأمه الرؤوم، فنرجو العناية والاهتمام بهذه الولاية التي تمثل الريادة والسيادة للدولة. إن الاهتمام بولاية الجزيرة أمر تمليه الظروف الحالية، لأنها ولاية العطاء والنماء، ولا أبالغ إن قلت لك إن سكان ولاية الجزيرة أكثر من سكان ولاية الخرطوم وهم الأكثر عطاءً وإنتاجاً. والمطلوب الآن من الدولة والجهات الأخرى أن تولي اهتمامها بهذه الولاية لما بها من مزايا متعددة وإمكانات كبيرة يمكن أن تترك أثرا على الحياة الاقتصادية في السودان.