هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته الصورة الذهنية عن التعاون لدى المواطن السوداني مرتبطة بدكان صغير في الحي يديره شخص كبير السن لتوزيع السكر عبر كرت تدور حوله دائماً معارك ما بين لجنة التعاون ومواطني الحي. هذه الصورة فرضتها ظروف الضائقة الاقتصادية التي مرت على السودان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وفرضت على المسئولين في ذلك الوقت العمل بالبطاقة التموينية لتوزيع السلع الأساسية عبر آلية التعاون. بعد الانفراج النسبي في الأحوال الاقتصادية، بتطبيق سياسات اقتصاد السوق، وتوفر السلع، قل الاهتمام بالتعاون وانحسر عنه الضوء. في الوقت الحالي وبالنظر للظروف الاقتصادية الحالية. وتحت ضغوط الارتفاع المستمر لأسعار السلع الاستهلاكية. عاد النظر والتفكير في التعاون كأحد آليات تخفيف العبء عن المواطنين. تجربة التعاون في السودان قديمة وراسخة. فجمعية ود رملي الزراعية سُجلت ومارست عملها في ثلاثينيات القرن الماضي، والعشرات من الجمعيات التعاونية الزراعية بالذات لعبت، وما زالت، تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد الزراعي. في بدايات الفترة المايوية، وانطلاقاً من الأفكار الاشتراكية التي تبناها نظام مايو في بداياته، وجد التعاون دفعة قوية لحد تخصيص وزارة له، كان أشهر وزرائها الدكتور عثمان أبو القاسم. تم سن قانون جعل التعاون قطاعاً اقتصادياً مميزاً، وعلى قدم المساواة مع القطاع العام والقطاع الخاص. انتشر التعاونيون في جميع أنحاء البلاد، وأنشئت إدارات للتعاون بالأقاليم (حينذاك)، وخصص بنك للتعاون هو بنك التنمية التعاوني الإسلامي الذي تحول الآن لبنك النيل، وتم تأسيس مراكز لتدريب التعاونيين، ونشطت عشرات الجمعيات التعاونية في المجالات الزراعية والاستهلاكية والحرفية. معنى هذا أنه يوجد رصيد وفير من التجربة التعاونية، ومن الناس المتشربين بالتعاون وأفكاره، فهل يمكن أن يعين هذا في معالجة جانب من الصعوبات الاقتصادية الحالية. أعتقد أن هذا ممكن جداً خصوصاً إذا استصحبنا التجارب العالمية للتعاون من حولنا وفي العالم. في الكويت ينتشر التعاون الاستهلاكي انتشاراً واسعاً، ولا تشتري الأسر احتياجاتها إلا من منفذ التعاون. تنتشر التعاونيات الزراعية في كل أنحاء العالم، ويعتبر الحلف التعاوني الدولي الذي يبلغ عمره الآن أكثر من مائة عام من أقدم المنظمات في العالم. يتخذ التعاون الآن في السودان أشكالاً أربعة هي: التعاون الاستهلاكي، والتعاون الزراعي، والتعاون الحرفي، والتعاون الائتماني. والأخير مقصود به الجمعيات التعاونية التي تؤسس بغرض ضمان منسوبيها عند الاقتراض من البنوك في إطار سياسات التمويل الأصغر. وتشرف على الحركة التعاونية الآن وزارة التجارة على مستوى المركز، وإدارات عامة للتعاون بوزارات المالية بالولايات. التعاون الاستهلاكي يمكن أن يلعب دوراً رئيساً في خفض الأسعار إن تم تخصيص رأسمال مناسب له يمكنه من استيراد السلع الاستهلاكية الرئيسة، أو من إنتاج أخرى داخلياً. إن عرض التعاون للسلع سيكون أقل من الأسعار السائدة في السوق بنسبة لا تقل عن 15%-20% لسبب بسيط هو أن الموردين حالياً يستوردون سلعهم ويسعرونها بسعر الدولار المستقبلي حسب توقعاتهم، وغالباً ما يشتطون في ذلك لعدم وجود المنافسة. وعلى العكس من ذلك فإن التعاون سيبيع السلع بعد وضع أرباح معقولة ولن يشتط في أسعاره لأن الدولة تراقبه والمواطنون أعضاء الجمعيات التعاونية يراقبونه أيضاً. إن تمكين التعاون ضرورة قصوى في المرحلة القادمة لتخفيف عبء غلاء الأسعار عن المواطنين. والله ولي التوفيق.