الحصار الاقتصادي..الحرب السرية على الخرطوم! حظر البنوك السودانية من الاستفادة من النظام المصرفي الأمريكي يشرف على تنفيذ هذا الحظر مكتب مختص في وزارة التجارة الخارجية الأمريكية يسمى (الأوفاك) +++ د.عادل عبد العزيز: ضعف قدرات البنوك السودانية هو السبب الأساسي في إيقاف بعض البنوك الخارجية المقاصة مع نظيرتها السودانية . +++ د. مصطفى عبدالله: لابد من تفعيل الدبلوماسية وصولاً لتفاهمات حول كيفية تصحيح مسار العلاقة بينهما وتسريع خطى اندماج الاقتصاد السوداني في المنظومة المالية الدولية. +++ -حسب الله عمر : سياسة احتواء تقوم على توظيف علاقات المحيط الإقليمي وتهدف للتجريد من أي دعم سياسي وضمان عدم تصدير الأذى تقرير : هالة حمزة – عبدالباسط إدريس في كل يوم تنساب الأخبار غير (السارة) عن الواقع الاقتصادي الذي لم يتأثر بانفصال دولة جنوب السودان واشتعال الحروب الداخلية فحسب .. وإن اعتبر البعض أن هذين العاملين إضافة لعدم الاستقرار السياسي اللاعب الأساسي في تلك الأزمات إلا أن كثيرين يعتبرون حتى تلك الأسباب نتائج لسياسة ممنهجة وحرب خفية تعتمد إغلاق الطوق في عنق (السودان) لخنقه اقتصادياً منذ إعلان الحكومة الأمريكية الحظر الاقتصادي على البلاد وهي سياسة اعتبرها المراقبون مدخلها اقتصادي وأسبابها سياسية. اتفاق أمريكي سوداني المحلل الاقتصادي د. عادل عبدالعزيز الفكي قال ل(السوداني) إن الحظر الاقتصادي الأمريكي على السودان ليس بجديد حيث بدأ منذ عهد جورج بوش الأب في عام 1997 وظل يجدد سنوياً بواسطة الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين في أكتوبر من كل عام ، مشيراً إلى أن آخر تجديد للحظر كان في أكتوبر المنصرم بواسطة الرئيس باراك أوباما بتبرير دائم بأن الحكومة السودانية تتبع سياسات تؤثر سلباً على الأمن الأمريكي والعالمي وهي مبررات لا أساس لها من الصحة لأنه من المعلوم أن السودان عبر مؤسساته وأجهزته المختصة متعاون جداً مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والمجتمع الدولي فيما يلي مكافحة الإرهاب غير أنه من الواضح كذلك أن المبررات هي مبررات سياسية تستهدف الضغط على الحكومة السودانية من أجل تغيير بعض السياسات التي لا ترضى عنها الحكومة الأمريكية . وأجمل د .الفكي آثار العقوبات الاقتصادية على السودان في حجز تحويلات مالية لصالح الحكومة أو مؤسسات وشركات حكومية، ومنع الشركات الأمريكية من الاستثمار في السودان، منع المتاجرة مع السودان صادراً ووارداً فيما عدا سلعة الصمغ العربي، حظر البنوك السودانية من الاستفادة من النظام المصرفي الأمريكي ويشرف على تنفيذ هذا الحظر مكتب مختص في وزارة التجارة الخارجية الأمريكية يسمى (الأوفاك) وقد تم مؤخراً استثناء مجالات البحوث الزراعية والطبية ومجالات التعليم وابتعاث الطلاب للحصول على درجات علمية من أمريكا ولكن قضايا الحظر الرئيسية لا تزال مستمرة ويتوقع لها الاستمرار لسنوات قادمة ما لم يحدث اتفاق سياسي ما بين السودان وأمريكا حول مطلوبات فك هذا الحظر . وأشار إلى أن الحظر الأمريكي المفروض على السودان من الاتجاه العالمي لإيقاف المقاصة مع السودان، وقال ل(السوداني) إن الحظر ليس مسؤولاً بالدرجة الأولى عن إيقاف المقاصة وإنما المسؤولية تقع على البنوك السودانية لعدم قدرتها على الوفاء بالمدفوعات الخارجية، وزاد:" صحيح أن الحظر الأمريكي يفرض قيوداً على البنوك التي تتعامل مع النظام المصرفي السوداني ولكن في الفترات السابقة كانت هذه البنوك تجد طرقاً عبر وسطاء للتعامل مع البنوك السودانية "، مؤكداً أن ضعف قدرات البنوك السودانية هو السبب الأساسي في إيقاف بعض البنوك الخارجية المقاصة مع نظيرتها السودانية. تفعيل دبلوماسي وقال الباحث والمحلل الاقتصادي د. مصطفى محمد عبدالله ل(السوداني) إن الحظر الاقتصادي يحمل في طياته أبعادًا سياسية، مشيرًا لاشتماله على تجميد أرصدة الحكومة أو الوحدات والمؤسسات الحكومية في المؤسسات المالية الأمريكية وحظر الشركات الأمريكية من التجارة مع السودان في الاستثمار والصادر والوارد وبالتالي فإن العقوبة كانت صارمة ومع مرور الوقت اتخذت ترتيبات داخلية للتصدي لتجنب مصادرة الأموال عبر (الأوفاك) باصدار البنك السوداني المركزي قراراً بأن تتم عمليات النقد الأجنبي كافة باليورو بدلاً عن الدولار، فضلاً عن اتجاهه لتوسيع شبكة المراسلين الأجانب في اتجاه دول الشرق الأوسط وآسيا وأوربا فيما يعرف بتوجه السودان شرقاً، الأمر الذي مثل تغيراً كبيرًا في نشاط التجارة الخارجية حيث أصبحت وجهة الصادرات السودانية جلها لدول كالصين، اليابان، كوريا، الهند، السعودية، مصر، الإمارات والتي أصبحت تمثل أكبر شركاء للسودان في التجارة الخارجية والاستثمار، مما قلل من عمليات التجارة الخارجية وانحسار نشاط تدفق الاستثمارات مع أمريكا، ولكن بدأت مؤخراً بعض القيود تبرز في الوقت الذي أبدى فيه السودان تفاعلاً كبيراً على المستوى المحلي والإقليمي في القضايا المطروحة وكان من المتوقع أن تتم إزالة الحظر خصوصاً بعد التقدم في ملفات السلام مع دولة الجنوب ودارفور ومفاوضات الدوحة والترتيبات المعمول بها في التفاوض حول قضايا المنطقتين. وقد كان من المؤمل أن تؤدي كل هذه التحركات الإيجابية إلى إزالة الحظر المفروض على السودان وفتح المجال واسعاً للتجارة والانفتاح الاقتصادي مع أمريكا والدول الغربية على وجه العموم . وقال د. عبدالله في تقديري إن الوقت أصبح ملائماً لبذل الجهد من أجل رفع العقوبات الاقتصادية عبر تفعيل الدبلوماسية ونشاط بعثات السودان والاتصال بالمنظمات الإقليمية والدولية والتعامل المباشر بين حكومة السودان وأمريكا وصولاً لتفاهمات حول كيفية تصحيح مسار العلاقة بينهما وتسريع خطى اندماج الاقتصاد السوداني في المنظومة المالية الدولية، وهذا يتطلب أن تكون هنالك مواءمة نحو التوجه الآسيوي للسودان وجهود أخرى لجذب الاستثمارات الأمريكية والأوربية من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي واستدامة التنمية والخروج من دوامة الصراعات لأبواب رحبة في اتجاه التعامل السياسي والاقتصادي والدولي بشكل متوازن يضمن الحفاظ على مقدرات الدولة السودانية. سياسة أمريكية وليس جديداً القول أن العقوبات والحصار الاقتصادي تجاه السودان قديماً وفرضته الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ تسعينيات القرن الماضي، ولكنه تفاقم خلال العام الماضي وإلى الآن بصورة مضطردة واتسعت مظلة الدول التي تحارب السودان وتسعى لخنقه اقتصادياً كواحدة من الأدوات الفعالة التي يرتبط بعضها بمتقلبات مواقف بعض الدول لحسابات سياسية تتعلق بأمنها القومي من جهة وتكتلاتها الاقتصادية التي تفرض عليها مجاراة وغض الطرف عن استمرار المعاناة الاقتصادية بالبلاد، برغم كافة الوعود الدبلوماسية التي حصدها السودان في سعيه لانهاء تلك العقوبات وفك الطوق الذي يلتف حول عنقه لخنقه. وتجدر الإشارة إلى التعاون اللامحدود الذي قدمه السودان في حواره مع الولاياتالمتحدة بحسب ما صرح بذلك أكثر من مسؤول أمريكي فيما كانت النتيجة استمرار تجديد تلك العقوبات سنوياً لأسباب ظل البيت الأبيض يمد بها الكونجرس الأمريكي طبقاً لآخر حديث للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي قال في رسالة للكونجرس معللاًً استمرار العقوبات على بلادنا :" إن تصرفات وسياسات الحكومة السودانية تشكل تهديداً مستمراً استثنائياً وغير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، لذلك قررت أنه من الضروري الإبقاء على سريان مفعول العقوبات للرد على هذا التهديد " وهو ما دعا وزير الخارجية علي كرتي لوصف تلك العقوبات الشهر الماضي بأنها " ظالمة للسودان"، وفي هذا الصدد يقول الخبير السياسي د. صفوت فانوس في تعليقه ل(السوداني) إن تمدد تأثرات العقوبات الاقتصادية الأمريكية على الاقتصاد السوداني كان نتيجة لممارسات البنوك الأمريكية بحسب قانون بلادها وأصبحت تلك البنوك ملزمة بعدم التعامل مع أي بنك في العالم يقبل التعامل مع مواطنين سودانيين أو أجانب مقيمين في السودان، ويشير إلى أن المؤسسات الاقتصادية العالمية حين توازن بين تعاملاتها بين المؤسسات السودانية والأمريكية فإن الكفة ترجح لمصلحة الأخيرة. ويرى فانوس أن هذه القضية تضع السودان أمام خيارين الأول أن يسعى لتغيير سياساته الداخلية ومن ثم العمل على رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية أو أن يسعى السودان لمواجهة ذلك الحصار والعقوبات التي قال إنها في تزايد سيؤثر على التجارة الخارجية للبلاد وتعاملاتها. سياسة التركيع دائرة الخناق تتسع لتغطي إلى جانب الحلف الأمريكي الأوربي، دول آسيوية وعربية وحتى إقليمية ولا يقتصر الأمر على الإجراءات الروتينية فحسب ولكنه يتلون بعباءات سياسية تخفي اأجندة يمكن وصفها ب(ذات التدمير الممنهج" الذي يعتمد إغلاق أبواب ونوافذ الأوكسجين ، ويلحظ المراقبون أن الجهات الخارجية باتت تستخدم أسلحة أكثر فاعلية وأشد قساوة بخاصة فيما يلي الاحتياجات العاجلة للبلاد من دواء ومواد بترولية وقائمة طويلة من السلع الحيوية الأخرى وكسر عظم منتجات السودان وتشتيت صادراته، وفي هذه الزاوية يقول مدير جهاز المخابرات السابق اللواء(م) حسب الله عمر الأمين في تعليقه ل(السوداني) إن موقف ما يسمى بالمجتمع الدولي والغربي على وجه التحديد مبني على سياسة كاملة وأن العقوبات والحصار الاقتصادي واحدة من تلك السياسية المسماة بسياسة (الاحتواء) والمقصود منها الحد من قدرة الطرف المستهدف بهذه السياسة وعدم استطاعته تصدير ما لديه من (أذى) للخارج. وحتى يحدث ذلك فإنه يستدعي دعم كل سياسة تقود إلى استنفاز طاقات الطرف الآخر داخلياً وهو – الحديث لحسب الله- يتمثل في الصراعات الداخلية سواء كانت سياسية أو عسكرية، إضافة لمحاصرته خارجياً لتجريده من أي دعم سياسي ودبلوماسي واقتصادي وثقافي عبر نوعين الأول عبر سياسة عامة ومباشرة مثل الذي حدث إبان العدوان الثلاثي على السودان في وقت سابق من قبل جيوش ( أوغندا وإرتريا وأثيوبيا) أو غير مباشرة عبر الحلفاء الإقليميين. ويعتقد الله عمر أن هذه السياسة ستتصاعد لأنها في تقييم أصحابها ، تؤتي ثمارها وتحقق أهدافها بصورة جيدة وهي سياسة أهم سماتها أنها قليلة التكلفة وعادةً لا تكلف مصدريها أكثر من قرارات عبر المؤسسات الدولية ومنظمات الأممالمتحدة أو توظيف علاقات المحيط الإقليمي.