ظلت العلاقات السودانية الامريكية تشهد تدهوراً من تسعينات القرن الماضى، حيث عمدت الادارة الامريكية لمحاصرة (حكومة الإنقاذ) ذات التوجهات الاسلامية عبر العديد من الطرق بينها المساهمة في تصعيد الحرب فى جنوب السودان واحياناً اخرى بالحصار الاقتصادى والعقوبات الاقتصادية وفرض عزلة دولية والضغط على مؤسسات التمويل الدولية والاقليمية من اجل منع التمويل عن الحكومة، وتارة اخرى بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية. ولعل أبرزها مصادرة اموال للحكومة ومؤسسات القطاع الخاص بل وبعض الافراد. وتأثر بموجب تلك العقوبات الجهاز المصرفى، وعمل شركات الصرافة التى تتخوف من مصادرة الاموال فى المقاصة الدولارية بواشنطن خاصة وان هذه الاموال تعود لمودعين. وكشف بنك السودان المركزى أخيراً عن المبالغ التي تمت مصادرتها بواسطة الإدارة الأمريكية والبالغ مقدارها (10) ملايين دولارالامر الذى اضطر البنك الى اصدار قرار بالتحول الى سلة عملات بدلا عن الدولار على ان يكون اليورو عملة القياس لتفادى المقاصة الدولارية ومصادرة الاموال السودانية من قبل الادارة الامريكية عبر هذه المقاصة .. وحول مدى تأثير هذا المصادرة وحجم الاموال التى تمت مصادرتها وتأثيرها على البنوك والصرافات والقطاع الخاص، ومدى فاعلية التوجه الجديد الى سلة العملات فى تجاوز هذه المصادرة يقول محافظ بنك السودان د. صابر محمد حسن إن وقف التعامل بالدولار غير ملزم للبنوك الخاصة والأفراد والقطاع الخاص، لكنه فقط للتعاملات الحكومية. وعزا هذه الخطوة الحكومية لتفادى المقاطعة الأمريكية التى تمت من خلالها مصادرة اموال افراد ومؤسسات حكومية ،والمشاكل التي تعرض لها الدولار الامريكي خاصة فى ظل التراجع المستمر لقيمته الشرائية بنسبة (40%) خلال العامين الماضيين، وزاد «بعض الدول قررت فك ارتباطها بالدولار كما في الكويت ودول التعاون الخليجي، بينما تتجه ماليزيا لذات الطريق». وأضاف أن العقوبات الأمريكية يترتب عليها قيود في التعاملات والتحويلات التى تخضع لتسوية في غرفة (المقاصة) الأمريكية في نيويورك، وتتم مصادرة أموال السودان منه، الأمر الذي نتجت عنه مخاطر اقتصادية على البلاد. وكشف د.صابر عن شروع الحكومة في إجراء اتصالات مع مكتب الأصوال الأمريكية الخارجية لمتابعة الأموال المصادرة..غير انه اشار الى عدم استجابة الادارة الامريكية فى الرد على مكاتبات وخطابات السودان فى هذا الصدد ،واردف : (لم يردوا على خطاباتنا). ويؤكد عبد الحميد عبد الباقي رئيس اتحاد شركات الصرافة ان الصرافات تأثرت كثيراً بالعقوبات الامريكية الاقتصادية على السودان بمصادرة الاموال ،وتضييق العمل فى التحويلات الخارجية بجانب تزايد المخاوف من تكرار مصادرة الاموال . واضاف ل(الرأي العام ) نحن كشركة للصرافة تمت مصادرة اموالنا فى بعض التحويلات الخارجية التى اجريناها لبعض عملائنا والذين ليست لديهم علاقة بالحكومة او الارهاب وتمويله وانما تجار يمارسون النشاط التجارى مع الدول الآسيوية. ومضى الى القول : تمت مصادرة (12) ألف دولار لاحد التجار الذين قامت صرافته بتحويل امواله الى كوريا حيث يعمل رجل الاعمال هذا فى تجارة السيارات مع كوريا وليست لديه علاقة بالحكومة، ولم تقم الادارة الامريكية بتوضيح اسباب المصادرة او طلب معلومات منا عن هذا العميل وتابع : (لذلك قررنا التحول الى سلة عملات اجنبية فى تعاملاتنا الخارجية وتفادى التعامل بالدولار منذ تلك الحادثة وحتى قبل إقرار بنك السودان الى التحول الى سلة عملات بدلا عن الدولار والتى بدأ التعامل بها فى يناير الجارى خاصة بعد ان اصبحت هنالك مخاطر فى التعامل بالدولار ومصادرة الاموال . واعتبر عبد الحميد ترك التعامل بالدولار واللجوء الى سلة عملات اجنبية هو المخرج والعلاج الشافى لقضية مصادرة الاموال السودانية فى المقاصة الدولارية وتفادى خطورة التعامل مع تلك الدول الخاضعة للمقاصة الدولارية للتعامل بعملاتها فقط دون الدولار واردف : (مضطرون الى ترك التعامل بالدولار رغم اننا تعودنا على التعامل به كما ان اليورو غير معروف فى التعامل ولديه مخاطر حقيقية تكمن فى عدم استقرار اسعاره التى تشهد ارتفاعاً ملحوظاً فى الاسبوع اكثر من مرة لذلك فيه خطورة على العملاء والبنوك وشركات الصرافة لكنها اقل من خطورة المصادرة بالتأكيد خاصة وان اثر التعامل الايجابى باليورو وسلة العملات الاجنبية الاخرى تكمن فى تفادى المقاصة الدولارية ومصادرة الاموال). وفى الجهاز المصرفى تعرضت بعض البنوك الى مصادرة اموالها خاصة البنوك الحكومية وتلك التى لها تعاملات مع الحكومة وشركاتها لاسيما وان المصادرة والعقوبات الاقتصادية الامريكية تركز على الاموال الحكومية والمؤسسات الحكومية بغية اضعاف النظام الحاكم . ويؤكد كمال عبدالقادر نائب مدير البنك السودانى الفرنسي ان البنوك التجارية لم تتعرض لمصادرة اموال كبيرة مقارنة بالبنوك الحكومية التى تأثرت سلباً بالعقوبات الامريكية ومصادرة الاموال التى تمت والتى تحدث عنها محافظ بنك السودان المركزى، وقال انها تعادل ال (10) ملايين دولار. واضاف كمال ل (الرأي العام) منذ العام 1998 لجأت البنوك الى تقليل التعامل بالدولار واللجوء الى عملات اخرى بديلة حتى قبل صدور منشور بنك السودان الاخير والذى وجه بالتعامل بسلة عملات بدلا للدولار اعتباراً من يناير الجارى مع ترك المنشور الخيار للقطاع الخاص فى التعامل بالدولار من عدمه دون الزام -مسألة اختيارية - لتقليل المخاطر على العملاء والبنوك بينما الزم المنشور الحكومة ومؤسساتها بترك التعامل بالدولار واللجوء الى سلة عملات والتى أعرب عن امله فى ان تسهم فى تفادى آثار العقوبات الامريكية الاقتصادية على البلاد ومنع مصادرة الاموال كما كان يحدث فى المقاصة الدولارية بواشنطن.