كتبت قبل فترة في هذه المساحة عن وزير الاعلام الجديد عبدالله مسار والذي بشّر بعهد جديد في اجهزة الاعلام الرسمية، تكون فيه الحرية هي دستور العاملين في هذه الاجهزة التي تخشبت من كثرة دفاعها عن الحكومة في الحق والباطل. ونادى الوزير صراحة في تلك الكلمة بفتح الاذاعة والتلفزيون لقضايا الناس ولعكس التعدد والتنوع الذي يتميز به السودان، وكنت قد قلت في تعليقي يوم ذاك إن الكرة الآن في ملعب العاملين بهذه الاجهزة والذين يتمتعون بمهنية لا ينكرها أحد الا انهم ينساقون خلف رؤساهم الذين يخافون نقد أي شأن حكومي! في نهاية الاسبوع الماضي زار الوزير مباني التلفزيون واجتمع بالعاملين وطلب أن يكون الحديث بصراحة شديدة دون خوف من أحد، ومعلوم أن بالتلفزيون قضايا شائكة وصلت إلى حد المواجهات والتلويح بالاضراب وهي قضايا حقوق وأموال للعاملين على الادارة وقد وجه العاملون نقدا لاذعا لادارة التلفزيون واتهموها بهضم حقوقهم المادية وسوء الادارة وفشلها المستمر في الايفاء بمستحقاتهم، وتطور الامر إلى المطالبة بإقالة المدير لكن الاخوة في المكتب الصحفي للتلفزيون خرجوا الينا بخبر "علاقات عامة " تم توزيعه على كل الصحف وهنا تكمن المصيبة ! المصيبة هي أن المكتب الصحفي في التلفزيون وفي أية جهة حكومة يرى أن مهمته الاساسية هي الدفاع عن مديره دون عرض وجهات النظر المختلفة من خلال القواعد المهنية المعروفة في العمل الصحفي، حيث جاء في صدر خبرهم ما يلي"أكد وزير الإعلام المهندس عبد الله علي مسار اهتمامه بتطوير وتحديث التلفزيون القومي لمواكبة تطور تقانة الصورة والصوت، وقال لدى مخاطبته العاملين بالتلفزيون، إن وزارته ستعمل مع وزارة المالية ووزارة العمل لتطوير اللائحة المالية واجازة الهيكل الوظيفي للهيئة"! وهذا صحيح بالطبع، ولكن ليس أهم ما دار في اللقاء المفتوح مع العاملين وبداية الخبر بهذه الطريقة يعني في عُرف الاعلام أن كلبا عض انسانا وليس العكس، والذي حدث هو أن العاملين اظهروا غضبهم على المدير بوجود الوزير ووجهوا انتقادات شديدة للطريقة التي يدار بها التلفزيون، واذا كان العاملون بالتلفزيون يخشون من الرأي الآخر بينهم" في حوش التلفزيون" فلن يتمكنوا من عرض الرأي الآخر الذي يوجد في الحوش الكبير " الوطن! والواقع أن الحكومة هي التي تحتاج لأن يثق الناس بهذه الاجهزة وليس العكس، لأن التطور التقني جعل وسائل المعرفة والتعبير في متناول يد الجميع، ولن تستطيع قوة- مهما كان جبروتها - أن تحجب المعلومات أو تمنع الشعب من أن يقول رأيه في كل ما يخص حياته. إن وزير الاعلام مطالب النظر إلى هذه القضية بجدية اكثر. واقصد قضية تدجين الاذاعة والتلفزيون وتحويلهما من اجهزة مملوكة للرأي العام إلى ممالك خاصة بالمسؤولين، وهذا الامر ضروري اذا كانت الحكومة "ووزير الاعلام تحديدا "جادين في زعمهم حول حرية الرأي والتعبير وعكس قضايا ومتطلبات واحتياجات الجماهير، والا فإن الكلام حول هذا الموضوع لن يتجاوز حدود الاستهلاك السياسي!