لم تحظَ رياضة من الرياضات بما حظيت به كرة القدم من الذيوع والاهتمام والحشد؛ فهي التي تُنفق فيها الأموال الطائلة، وتُبذَل فيها الجهود الجبارة، وتُهدَر فيها الأوقات الثمينة! حُشِدت لكرة القدم من الحشود ما لم يُحشَد للجهاد في سبيل الله، وأُلهبَت فيها من المشاعر ما لم يُلهَب في نصرة المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، ورُصِدَت لها من الأموال ما فاق ميزانيات دولٍ تجرجر أذيال الفقر!. لقد صارت هذه الكرة المستديرة –كما يسمونها- عند الكثيرين شغلهم الشاغل، يتخاصمون بسببها، ويعقدون الولاء والبراء فيها، ويفجرون في الخصومة من أجلها! كرة القدم والعقيدة: كثير من مشجعي الكرة بلغ بهم حب اللاعبين أن علقوا صورهم، أو لبسوها، أو أبدوا إعجابهم الشديد بهم، يستوي في ذلك المسلم والكافر، والبر والفاجر؛ مما يقدح في عقيدة المسلم الذي نُهي عن موالاة الكفار وحبِّهم. وصارت الكرة عند الكثيرين معقداً للولاء والبراء، فيها يوالون ويحبون، وفيها يعادون ويبغضون! حتى إن أحدهم أصيب بنوبة قلبية حين هزم فريقه؛ فمات بعد لحظات! وآخر أحيل إلى العناية المكثفة بعد ارتفاع ضغط دمه! بل وصل الأمر أن تتسبب الخلافات في كرة القدم بين مشجعي الفرق إلى مقتل العشرات، كما حصل في أحداث مدينة بورسعيد المصرية! هذا غير لجوء بعض مشجعي فرق كرة القدم للدجالين والسحرة؛ حتى يحققوا لهم النصر على خصومهم، وهذا ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم). أخرجه أحمد والأربعة، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (3047). كرة القدم وإضاعة الفرائض: صار من المعتاد أن ترى شباباً يلعبون بينما الصلاة تُقام، وأن تشغل مشاهدة الكرة في الإستادات أو في التلفاز وقت المشاهدين؛ فتفوِّت عليهم الصلاة، وقد قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ? فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [سورة مريم: الآية 59]. كرة القدم وإضاعة الأوقات: كثيرون يعدون العدة لمشاهدة كرة القدم، ويتهيأون لها قبل وقت طويل؛ فإذا كانت المبارة في الرابعة عصراً تهيأوا لها منذ الصباح الباكر، ودخلوا الإستاد قبل ست أو سبع ساعات من موعد المباراة، ولم يكتفوا بمشاهدة المباراة فحسب، بل قرأوا الصحف والمجلات التي تحلل مجرياتها، وشاهدوا البرامج التي تتنبأ بنتائجها، وتتطرق لأسباب النجاح والقصور فيها، ثم إذا اجتمعوا بأمثالهم من عشاق (المستديرة) ناقشوا، وحللوا، وعللوا المباراة، دون أن تفوت عليهم شاردة ولا واردة، وكأن الواحد منهم يتحدث في أعتى المسائل العلمية الشائكة! فتضيِّع المباراة الواحدة عليهم أضعاف وقتها، مخصوماً على أعمارهم القصيرة التي لا تعوّض إذا مضت، وسيسألون عن كل صغيرة وكبيرة فيها؛ مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ، عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ، وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ، وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ) رواه الترمذي. كرة القدم وضياع الأموال: صارت كرة القدم اليوم تجارة من التجارات التي تُدِرُّ أرباحاً طائلة، ويكتنز المشتغلون بها من الثروات الشيء الكثير؛ ومن حين لآخر تتصدر أخبار الصحف أنباء عن شراء لاعبين بمبالغ فلكية، وتعاقد مدربين وفنيين بعقود باهظة القيمة، غير ما يذكر من دخول عالية للمباراة الواحدة!. وينفق كثير من الناس على إشباع حبهم لكرة القدم ما لو خُصِّص في مجالات أخرى لكان أعظم نفعاً، وأبلغ أثراً؛ إذ أن مباراةً واحدةً قد تكلف عاشق الكرة الواحد مبلغاً طائلاً، ينفقه في شراء تذكرة الدخول -ولا يهم إن كانت في المقصورة الرئيسية أو تم شراؤها عن طريق السوق السوداء- ثم ينفق مالاً آخر في شراء الصحف والمجلات، أو الدخول في رهان خاسر على نتيجة المباراة!. كرة القدم والأخلاق: يتحدث الكثيرون عن ما يسمى (بالروح الرياضية)، ولكن المتتبع للمشهد الرياضي يجد أن هذه الروح تغيب في أغلب الأحيان، فما إن تنتهي مباراة حتى يجتمع مشجعو الفريقين، ليكيلوا الشتائم لبعضهم البعض بألفاظ نابية، ويتبادلوا السباب بعبارات بذيئة، حتى ترتفع أصواتهم وتراهم يرغون ويزبدون؛ هذا إذا لم يبلغ الأمر حد الضرب والطعن، بل والقتل كما حدث من قبل! وقد أخبرني بعضهم بأنه بعد انتهاء المباراة بهزيمة لأحد الفريقين، غاب بعض مشجعي الفريق المهزوم عن عملهم في السوق يومين، خوفاً من شماتة مشجعي الفريق المنتصر!. وإذا انتصر فريق كرة قدم انطلق مشجعوه يجوبون الشوارع رجالاً وركباناً، يزعجون الأحياء بأبواق السيارات، وأصوات الهتافات، وإغلاق الشوارع، ورش المارَّة بالمياه، أو إلقاء بعض الأشياء عليهم!. وحين لعب فريقان من دولة عربية في السودان، انطلق مشجعو أحد الفريقين إلى الأسواق، فاشتروا سكاكين وخناجر ومُديات؛ ليهددوا ويتوعدوا ويخيفوا بها مشجعي الفريق الآخر!. وقفة صادقة: كرة القدم بشكلها الحالي تحتاج منا جميعاً –رُعاةً ورعية– وقفة صادقة ومتجردة؛ لتقييمها في ضوء معطيات واقعها، من حيث المصالح والمفاسد الدنيوية والأخروية؛ فقد صارت قادحاً من قوادح العقيدة، وسبباً في تضييع العبادات، وطرفاً في إهدار الأوقات والأموال، وباعثاً على إفساد الأخلاق وقطع الصلات. رابط الموضوع على شبكة الهداية الإسلامية http://alhidaya.net/node/2368 -- امية علي صالح طمبل مدير العلاقات العامة والإعلام بصندوق إعانة المرضى سابقاً مدير تحرير مجلة صحتك معد برنامج (بصراحة يا شباب) بقناة طيبة الفضائية المشرف العام على الموقع الإلكتروني لمنظمة سبيل الرشاد الخيرية العالمية هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته