لواء ركن (م) بابكر ابراهيم نصار ما حدث مؤخرا بين الولاياتالمتحدةوروسيا في أكرانيا وفي جزيرة القرم على وجه الخصوص يعيدنا إلى الوراء ويجعلنا نقارن ذلك بالأزمة التي حدثت سابقا بين الدولتين قبل نصف قرن من الزمان في منطقة خليج الخنازير في أمريكاالجنوبية عندما كان خرتشوف رئيسا للاتحاد السوفيتي السابق وجون كندي رئيسا للولايات المتحدة. وكانت الحرب الباردة بين الدولتين في قمتها. وكانت أزمة خليج الخنازير قد بدأت بقيام وكالة المخابرات الأمريكية بإعداد خطة للهجوم على دولة كوبا وقامت بتدريب مجموعات من الكوبيين المهاجرين للولايات المتحدة والرافضين للنظام الثوري الجديد في كوبا وقامت أيضا بتجميع وتدريب أعداد أخرى من المرتزقة لغزو كوبا واحتلالها بدعم من الجيش الأمريكي لإزاحة النظام الثوري الجديد الموالي للاتحاد السوفيتي – ووافق الرئيس الأمريكي جون كنيدي على تنفيذ تلك الخطة في ابريل 1961م وتهدف الخطة إلى إنزال هذه القوات التى تم تجميعها في جنوبكوبا وأعطيت هذه العملية الاسم الكودي (زاباتا), وكان التخطيط المبدئي هو ضرب القواعد الجوية في كوبا قبل يومين من عملية إنزال الجنود بطائرات تحمل إشارة الطيران الحربي الكوبي ويقود هذه الطائرات طيارون كوبيون بهدف شل حركة الطيران الكوبي وتمهيد الطريق للتدخل البري, واعتمدت الولاياتالمتحدة هذه الخطة وهذا السيناريو المموه لتظل بعيدة عن الشبهات وللتظاهر بأن هذه العملية عملية من داخل كوبا وليست موجهة من الخارج. ولكن هذه القوات التى تم إنزالها وجدت مقاومة شرسة من مواطني الشعب الكوبي ومن عناصر الجيش الثوري الكوبي التي كانت في انتظارهم واستطاعت إيقافهم وهزيمتهم. وهكذا فشل هذا المخطط باعتراف الرئيس الأمريكي جون كنيدي نفسه. وأشارت المعلومات لاحقا إلى أن الرئيس الثوري الكوبي كاسترو كان على علم مسبق بتفاصيل خطة الغزو حيث أخطرته المخابرات الروسية (كي.جى.بى) بتفاصيلها. وبعد هذه العملية الفاشلة تنبه الرئيس السوفيتي خرتشوف إلى النوايا الأمريكية فقام بإرسال العديد من منصات إطلاق الصورايخ التى تحمل رؤوساً نووية إلى المنطقة, واكتشفت طائرات الاستطلاع الأمريكي أن هذه الصواريخ الروسية منصوبة على الساحل الكوبي وموجهة نحو جزيرة (فلوردا) في الولاياتالمتحدة, وهذا يعني أن معظم الأراضي الأمريكية أصبحت مهددة وفي منطقة مرمى هذه الصواريخ النووية. وقد أدى هذا العمل من قبل الاتحاد السوفيتي إلى نشوب أزمة خطيرة بين واشنطنوموسكو كادت أن تؤدي إلى حرب نووية لولا الجهود والمساعي الكبيرة التي بذلت من بعض قادة العالم ومن سكرتير عام الأممالمتحدة ( يوثانث) حيث تم التوصل إلى صيغة تفاهم بين الجانبين تقضي بأن يفكك الاتحاد السوفيتي صواريخه التي نصبها على السواحل الكوبية مقابل أن يتعهد الجانب الأمريكي بعدم التدخل في الشأن الكوبي مستقبلا. وهكذا سجل الاتحاد السوفيتي السابق بقيادة موسكو انتصارا داويا على الولاياتالمتحدة وكسبت موسكو حليفا استراتيجيا (كوبا) في منطقة بعيدة جدا عنها وقريبة جدا من الولاياتالمتحدة واستمر تحالف كوبا مع روسيا إلى يومنا هذا. أما إذا رجعنا إلى ما حدث مؤخرا في جزيرة القرم في أوكرانيا نجد أن روسيا نفذت سيناريو مشابه للسيناريو الأمريكي السابق الذي أشرنا إليه أعلاه لغزو كوبا, إذ قامت روسيا باحتلال جزيرة القرم بواسطة جنود أكرانيين كانوا موجودين أصلا في الجزيرة بعد أن انحازوا لها وكانوا يدينون بالولاء لروسيا وانحاز أيضا مواطنو الجزيرة إلى روسيا ولجأ بعضهم إلى الأراضي الروسية. زد على ذلك نجاح روسيا في استقطاب أعضاء برلمان جزيرة القرم الذين أعلنوا تأييدهم لروسيا وصوتوا لصالح الاستفتاء ولصالح انضمام الجزيرة إلى روسيا وتم تنفيذ ذلك بالفعل وبالسرعة المطلوبة. وإذا نظرنا إلى ردود الفعل الأمريكية تجاه هذا الانضام نجده لا يقارن بردود فعل روسيا عندما حاولت الولاياتالمتحدة غزو كوبا حيث اكتفت الإدارة الأمريكية بمناشدة روسيا بالانسحاب من الجزيرة وهددتها بفرض بعض العقوبات الاقتصادية عليها ومنع المسئولين الروس من دخول امريكا ومقاطعة اجتماعات الدول الثمانية الكبرى, التى سوف تعقد اجتماعاتها لاحقا في مدينة سوشي الروسية وعندما احتجت الولاياتالمتحدة لدى مجلس الأمن تحدث مندوبها فقط عن بطلان التصويت الذى جرى في جزيرة القرم حول تقرير المصير الذى فاز بنسبة كبيرة لصالح الانضمام إلى روسيا والوحدة معها وقبل اتخاذ المجلس لأي قرار فجر مندوب روسيا قنبلته واستخدم حق الفيتو وأنهى كل شيء وشتان ما بين موقف وموقف. وهكذا نجحت روسيا في هزيمة الولاياتالمتحدة مرتين- الأولى في عهد الرئيس خرتشوف في موضوع كوبا الذى أشرنا إليه سابقا والثانية في عهد الرئيس الحالي بوتن ونجاحه في ضم جزيرة القرم الأوكرانية إلى الأراضي الروسية عن طريق التصويت على مبدأ تقرير المصير وهذا يعني أن روسيا ألحقت الهزيمة بالولاياتالمتحدة عسكريا وسياسيا الأولى عسكرية عن طريق التهديد العسكري في كوبا والثانية سياسية دبلوماسية في جزيرة القرم في أكرانيا وقد تكون هذه الانطلاقة الروسية هى البداية لإعادة التوازن العالمي من جديد. الملحق العسكري الأسبق في إثيوبيا 1