بعيداً عن قصائده المحفوظة في الصدور وعن بساطته وحبه لتراب هذا البلد، فهو سوداني جداً حين يفرح وسوداني جداً حين يحزن، عاش أفراح الوطن بكل تفاصيلها، وعاش خيباته وإخفاقاته، محجوب شريف شاعر الشعب لم يكن شاعراً عادياً أعطاه الله موهبة صياغة الكلمات شعراً، كان ذاكرة للأمة ولسانها وروحها وإحساسها، كيف لا وهو لا ينظم الشعر إلا بالعامية السودانية، لأنه سوداني جداً، ظل يحلم بوطن تسود فيه قيم المحبة والمساواة والإخاء والحرية والنهضة، وظل عائشاً على هذا الحلم حتى فارق الحياة، رجل مدهش في كل شيء، ظل وفياً وراكزاً على مبادئه، عاش نظيفاً ومات نظيفاً وكان شريفاً ورحل شريفاً، لا يعرف اللون الرمادي، واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، لم يبدل مواقفه أو ينحني للعواصف التي انحنى لها الكثيرون، عاش بسيطاً بين البسطاء ونبيل بين النبلاء، كان وجعه الأكبر هذا الوطن الذي يتنفسه ويعطيه أوكسجين الحياة، حتى أنهك جسده، وهو بين كمامات الأوكسجين قبل يومين من رحيله رثى نفسه بأبيات وكأنه يعلم أنه أوشك على مغادرة هذه الفانية، ووجه أبياتاً إلى الشعب السوداني وقال: (منْ وجْداني صَحَّة وعَافية، لكل الشعب السوداني، القَاصِي هناك والداني، شُكراً للأرض الجابتني، والدرب الليكم ودَّاني، يا طارف وتالد يا والد، النيل الخالد شرَّفني، واحد من نسلك عدَّاني، إنتَ الأول وما بتحوَّل، وتَب ما عندي كلام بتأوَّل، أنت الأول، وكل العالم، بعدك تاني، يا متعدِّد وما متشدِّد، ما متردِّد... ما متردِّد، ملء جفوني بَنوم مُتأكِّد، بل متجدِّد.. تنهض تاني، ولما تعاني.. بَعاني واعاني، وقلبي واعَاني أحبك أكتر، وما كفَّرتَ.. ولا نفَّرتَ، ولم تستعصي عليكَ مَعَاني، علمتونا نسِد الفرقة، واتقاسمنا رحيق الطَرَقَة، وكم شلناهو ثباتك دَرَقة، بكل البَيْ وعَلَىْ وحياتك، أتحدَّاه كما أتحدَّاني). رغم آلام المرض التي أنهكت جسده لم يفارق الشعب خاطره في كل الظروف، وكأنه يريد أن يقول للشعب السوداني القادم أحلى ويزرع بارقة الأمل للناس بأن الوطن الذي نذر نفسه وحياته له سيأتي اليوم الذي يراه الناس كما كان يحب له أن يكون (حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي، وطن شامخ وطن عاتي، وطن خيّر ديمقراطي، وطن مالك زمام أمرو، ومتوهج لهب جمرو، وطن غالي، نجومو تلالي في العالي، إرادة .. سيادة .. حريّة، مكان الفرد تتقدم، قيادتنا الجماعيّة، مكان السجنِ مستشفى، مكان المنفى كليّة، مكان الأسر ورديّة مكان الحسرة أغنيّة، مكان الطلقة عصفورة تحلق حول نافورة، تمازج شُفّع الروضة، حنبنيهو، البنحلم بيهو يوماتي، وطن للسلم أجنحتو ضدّ الحرب أسلحتو، عدد ما فوق ما تحتو مدد للأرض محتلة، سند للإيدو ملويّة، حنبنيهو..، البنحلم بيهو يوماتي، وطن حدّادي مدّادي ما بنبنيهو فرّادي، ولا بالضجة في الرادي ولا الخطب الحماسيّة، وطن بالفيهو نتساوى نحلم .. نقرا .. نتداوى، مساكن .. كهربا .. ومويه تحتنا الظلمه تتهاوى، نختّ الفجرِ طاقيّة، وتطلع شمس مقهورة، بخط الشعب ممهورة، تخلي الدنيا مبهورهة إرادة ووحدة شعبيّة). اللهم ارحم عبدك الفقير الشريف محجوب شريف، اللهم اغفر له وارحمه وأسكنه فسيح جناتك، اللهم تجاوز عن سيئاته وأبدلها له حسنات، اللهم نقِّه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسله بالثلج والماء والبرد، وإنا لله وإنا إليه راجعون. خربشات هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته