سيطرت فكرة الاغتراب في دول الخليج على الغالبية العظمى من الشباب بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة والمعقدة التي يمر بها السودانيون بعد انفصال الجنوب وتصاعد أسعار السلع، وضيق العيش وصعوبة وجود فرص عمل. الآن بين كل مئة شاب بما فيهم الذين يعملون في وظائف نجد "90" يبحثون عن فرص عمل في الخارج، الكل يسعى لتوسيع مصدر رزقه وتحقيق أحلامه التي أصبحت مستحيلة في السودان. حتى الآن لم تنشر جهات الاختصاص إحصائية رسمية عن أعداد المغتربين خلال العامين الماضيين، لكن الازدحام الكبير الذي تشهده مكاتب التوثيق والجوازات ومطار الخرطوم هو بمثابة تيرموميتر للذي يهتم بمعرفة معدلات الاغتراب، وكلما نظرت إلى ذلك أجد نفسي متحسرا على الدماء الحارة التي يحتاجها السودان أكثر من غيره تغادر مرغمة للبحث عن عمل. مساء أمس الأول كنت أتصفح مجموعة لشباب سودانيين في "الفيس بوك" خاصة بفرص العمل في دولة الإمارات، وجدت شخصاً يروي مأساة شباب سافروا للعمل كأفراد أمن عن طريق وكالة سفر وسياحة تمارس نشاطها من وسط الخرطوم بعقودات عمل "غالية الثمن" في إمارة دبي، حيث تم استقطابهم بأن الراتب مغر بالإضافة إلى تأمين طبي وسكن وإعاشة، ليفاجأوا عند وصولهم بأن الراتب الذي وعودوا به غير حقيقي والذي يتقاضونه فقط "800" درهم بالإضافة للسكن غير اللائق وكذبة التأمين الطبي، وأطلق كاتب الموضوع نداء للمقيمين بالإمارات لإنقاذ هؤلاء الشباب ومساعدتهم للعودة إلى السودان. هذه المأساة ليست الأولى أو الأكثر قسوة، هناك حوادث مشابهة في الفترة الماضية من قبل بعض وكالات السفر "الفاسدة" التي يديرها أشخاص لا يحملون من صفات السوداني سوى الجنسية . قضايا عقودات العمل المضروبة التي تسوق على الملأ أصبحت معضلة حقيقية تواجه الباحثين عن عمل وتواجهم أيضا أصحاب الوكالات المحترمة التي تسوق عقودات عمل حقيقية بعد تفشي ظواهر الغش والخداع التي أضرت بسمعة الوكالات. المسؤولية الكاملة الآن تقع على وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل في مراجعة العقودات التي تقوم ببيعها الوكالات المذكورة وتشديد ضوابط عمل الوكالات في هذا المجال، كما تقع أيضا مسؤولية تكاملية تتحمل جزءا منها وزارة السياحة والآثار في متابعة عمل الوكالات ومنح التصاديق ومدى مطابقتها للمواصفات والضوابط، وأيضا لابد من تنبيه ضحايا "وكالات النصب" لضرورة توخي الحذر في إجراء أي تعاملات في شراء عقودات إلا بعد التأكد التام من المخدمين.