قصة خبر أثار ردود أفعال وما يزال تقرير: القسم السياسي المراقبون عن كثب للتفاوض وذوو الآذان عالية الالتقاط، يدركون أن ما يدور داخل الغرف التفاوضية بين الحكومة وقطاع الشمال حول المنطقتين ولعبة " السلم والثعبان" ربما كانوا الأكثر إدراكاً أن المواقف التي تعقب انفضاض المقاعد ربما كانت في كثير من الأحيان انفعالات ثورية لا تعبر بالضرورة عن المواقف الحقيقية إن لم تكن مجانفة لها بدرجة كبيرة، حين تغلق الأبواب حيث تكثر الطلبات والرجاءات، وتصبح خيارات المناورة والتاكتيك التفاوضي أمراً مكشوفاً. فندق " راديسون بلو" الذي كان يحتضن مفاوضات الحكومة والحركة الشعبية شمال، جدرانه كلها آذان، ما أن ترفع الجلسات حتى ينسكب بعض من الحيثيات ومجريات اللقاءات في آذان المراقبين والدبلوماسيين والإعلاميين أيضاَ، ولكن (بدرجات متفاوتة)، بالطبع هناك الكثير الذي يمكن أن يسمع ولا يقال وهناك فرق بين ماهي أحاديث خاصة وأسرار تستوجب مكانها الأمين في صدور الرجال وبين ما يكتب! بداية الخيط من وحي تلك الثرثرات انسلت، ذات مساء، معلومة ذات قيمة صحفية وخبرية كانت حين انسلالها، الأهم، في يوميات مفاوضات الجولة السادسة!!، المعلومة مفادها أن رئيس وفد الحركة الشعبية ياسر عرمان كان من المقرر أن يصل إلى الخرطوم على رأس وفد كبير من الحركة. إلى هنا انتهى الهمس، لم يكن في خاطر (السوداني) ولا حساباتها في سياق بحث مضن لتأكيد هذه المعلومة الخبرية، أية تفسيرات يمكن أن تمضي بالخبر - لتأويلات او تحليلات –. في اليوم الثاني لتلك المعلومة وذات صباح أديسي ماطر جلست (السوداني) إلى الناطق الرسمي لوفد الحركة مبارك عبدالرحمن أردول – طرحنا عليه السؤال بهدوء حذر:" هل ياسر ينوي زيارة الخرطوم؟!" الناطق الرسمي اكتفى بالقول:" ياسر كان من المقرر أن يزور الخرطوم " وأمسك عن أي تفاصيل أو معلومات أخرى. مشترك مع د. الترابي في سياق بحثنا عن تأكيدات إضافية توسعت دائرة مصادرنا، التي لم تبخل علينا وقامت بتزويدنا بمعلومات إضافية، وحين شعورنا باكتمال قصة " زيارة الخرطوم" وضعنا ماتوصلنا إليه من معلومات أمام رئيس وفد الحركة ياسر عرمان، من واقع تغطياتنا الصحفية لمحادثات أديس أبابا، اكتشفنا ثمة قاسم مشترك بين عرمان والأمين العام للمؤتمر الشعبي د. حسن الترابي، المشترك أن كليهما حينما يواجه بسؤال يجيب بقدر من الصراحة بلا ارتجاف أو خشونة لفظية تتناسل من ورائها رغبة في التحقق عن مصدر السؤال أو المعلومة. عرمان يؤكد الخبر عرمان لم يتردد في تأكيد أنهم كانوا فعلاً بصدد (العودة) إلى الخرطوم في أعقاب مشاورات بينه ورئيس الحركة مالك عقار تمخض عنها تشكيل الأخير لوفد يقوده عرمان، تلته اتصالات مع قادة تمرد دارفور.. الأهم أن ياسر عرمان قام بتصحيح الكثير من المعلومات التي وضعناها أمامه وقدم ثلاثة أسباب قال إنها دعتهم للتراجع عن الزيارة، واحداً منها أنهم لم يتلقوا أي ردود من قبل الآلية الإفريقية الرفيعة بخصوص طلب الحركة التي أرادت أن تأتي عبرها إلى الخرطوم.. " بعدها وجدنا أن الذي نطق بمعلومة زيارة عرمان للخرطوم والناطق الرسمي ورئيس الوفد وجدنا بعد ذلك كله ان ماتوصلنا اليه خرج بالأساس من قبل الحركة الشعبية". اكتمال دائرة التحقق جزء من القصة طرفها الوساطة الإفريقية التي حين وصلنا إليها لم ينف لنا مصدرنا الموثوق (بالوساطة) القصة لكنه –رفض بشدة- الحديث، بل ونصح –لأمر يخص الوساطة- بعدم إثارة هذه الزيارة.. بعد ذلك أمسكنا عن نشر الخبر أثناء سير المفاوضات لتوسيع مظلة التأكد، وما ذلك إلا لإدراكنا أنه خبر من الأهمية والحساسية بمكان، ثم قمنا بنشر خبر ظلت درجة التحقق منه ثابتة كماهي، كلما أجرى – معمل الصحيفة السيني- اختبارات التحقق والدقة والمصداقية. وبعد انتهاء المفاوضات بنحو اثنين وسبعين ساعة كان الخبر الأول ب(السوداني) بتاريخ الإثنين الذي وافق الخامس من مايو. أصل الحكاية وفي سياق الحدث ورد أنه من المتوقع أن تناقش جولة المفاوضات المقبلة بين الحكومة والحركة الشعبية طلباً تقدم به الأمين العام للحركة ياسر عرمان لزيارة السودان ضمن وفد برئاسته للوقوف على الحوار الوطني وآلياته ونتائجه، فضلاً عن طرح رؤيتهم على الأحزاب السياسية فيما يتعلق بقضايا السودان من جهة وقضايا المنطقتين من جهة أخرى، وسلم عرمان طلباً للوساطة الإفريقية عبر عضوها "عبدول" لمخاطبة رئيس الآلية الافريقية ثابو أمبيكي بتوفير ضمانات. وضم الوفد الذي شكل من قبل رئيس الحركة مالك عقار كل من الأمين العام للحركة ياسر سعيد رئيساً وعضوية كل من د. احمد عبدالرحمن وجقود مكوار والعمدة وبثينة ومبارك أردول. لكن ما بين كل ردود الأفعال هذه تجدر الإشارة إلى أن بطل القصة " ياسر عرمان " لم ينفِ تلك الواقعة حتى الآن، أيضاً ورد في سياق ردود الأفعال التي خلفها نشر الخبر سؤال حول الأمر وجه لكبير مفاوضي الحكومة ومساعد رئيس الجمهورية البروفيسور إبراهيم غندور، من قبل مقدم برنامج "مؤتمر إذاعي" حيث ورد طبقاً للزميلة -الرأي العام- أمس:" واعتبر مساعد رئيس الجمهورية البروفيسور إبراهيم غندور الحديث عن طلب ياسر عرمان رئيس وفد قطاع الشمال زيارة الخرطوم "مناورة سياسية فقط" وقال إن الحكومة لم تصلها أية دعوة مكتوبة بطلب زيارة لكنه قال: "إن عرمان كان ينوي ذلك". مابين كلمات غندور من وحي تلك الإجابة التي أتت في سياق حديث مطول حول العملية التفاوضية في ذات البرنامج يتضح أن كبير مفاوضي الحكومة من واقع إدارته للمفاوضات ومعرفته الدقيقة بالطرف الآخر وصف تلك الخطوة بأنها:" مناورة سياسية فقط" أما نفيه بعدم تلقي الحكومة لأية دعوة مكتوبة بطلب زيارة، فإنه أمر صائب ودقيق، حيث لم يرد لا في الخبر ولا التقرير الذي نشرته (السوداني) أن تقدم طرف للحكومة بذلك، على أن الإفادة الأهم في هذه الجزئية هي تأكيد كبير مفاوضي الحكومة وقوله في مؤتمر إذاعي الجمعة الماضية: "أن عرمان كان ينوي ذلك".