النحت على الصخر الخرطوم:زينب بُدل – تصوير : أحمد طلب هند صاحبة البسمة الخجولة لم تكن تدري وهي تكتب على خلفية كرساتها (انها تخشى أن لا تجتاز امتحانات مرحلة الاساس) بسبب الوعكة الصحية التي تعرضت لها قبل اول جلسة ب( 24 ساعة) فقط بأن النجاح كان يستعد لاستقبالها بكافة الطرق وايضاً لم تعلم وهي تحلم صبيحة كل يوم بأن تكون من العشرة الاوائل في الولاية فقط من اجل إسعاد ابيها وامها بأنها ستكون الاولى على مستوى ولاية الخرطوم بإحراز مجموع (279) درجة ولكن الارادة والعزيمة تصنع المعجزات، وغير هند )ابرار( الفتاة الصغيرة التى كانت تردد يومياً لنفسها انها من الاوائل بالرغم من ظروف المدرسة الصعبة التى كانت تدرس بها، وبالفعل كانت من الاوائل حيث حلت في المرتبة الثانية على مستوى الولاية بمجموع 278 . طوال عدة سنوات مضت كانت المدارس الخاصة وما زالت هي التي تتربع على عرش النجاح سواء اكان ذلك في مرحلة الاساس أم الثانوي، مما ادى إلى غياب جزئي للمدارس الحكومية عن قائمة الشرف لعدة اعوام، هذه القاعدة التى كسرت هذا العام ب(هند) و(أبرار)، ويبدو أن للفرح اشكالا عدة لم تكتشف، وللنجاح اوجه متعددة لا يمكن أن تكتمل الا في اوان معين، وكلما مضى العمر نعلم أن للصبر حكايات لم تكتب وللعزيمة والارادة قصصاً يطول عليها أمد السرد، ويبدو انه قد آن الاوان لترى احدى القصص النور لتضيء بعضاً من عتمة الورق. حفظت القرآن فحفظها هند أحمد محمد كانت تخرج من منزلها بالثورة الحارة 74مع خيوط الفجر الاولى لتكون جلوساً في مدرستها (الصديقة بنت الصديق) في الثورة الحارة 11 والتي تبعد عنها مسافة لك أن تصفها بأنها (تَهِد الحيل) ثابرت من اجل هدف معين وضعته نصب عينيها وقد كان لها ذلك، هند من اسرة بسيطة جداً عرفت التفوق منذ أن كانت تجتاز عتبات التعليم الاولى، هى الاخيرة بين اخواتها تهوى القراءة وترغب بأن تكون طبيبة في المستقبل ولكن بشرط الدخول عبر بوابة جامعة الخرطوم، هند اخبرتني انها كانت جل ما تتمناه أن تكون ضمن العشرة المتفوقين ولكنها لم تستطع أن تمنع دمع الفرح من النزول عندما تم اعلان اسمها من بين الاوائل، هي من عين هند دمعة عبرت عن حالة فرح من الصعب وصفها ومن امها الحاجة عواطف الإمام سجدة شكر لله سبحانه وتعالى، استاذة فاطمة عبيد الله المسؤولة من الفصل التي تدرس به هند قالت ل(السوداني )إن هند من الطالبات المميزات قادها إلى التوفيق التهذيب الذي تحلت به فهي من حفظة القرآن الكريم الذي وصلت فيه إلى حد (العشرين جزءاً)، اما الاستاذة ستنا محمد عباس مديرة مدرسة (الصديقة بنت الصديق) فأشارت في حديثها الى انها سعيدة بالعمل في المدرسة لأن بيئتها معدة للنجاح لان بها معلمين اصحاب خبرة طويلة كما أن نسبة نجاحها منذ عدة سنوات هي 100 % وان النتيجة التى تحصلت عليها هند كانت متوقعة مما اسهم في ذلك انه تم ترشيحها لنيل لقب الطالبة المثالية على مستوي المحلية لثلاث مرات. تفوق مُستحق هنا يُطرح سؤال هل توفر لمدرسة "هند" الامكانيات المادية المهولة التي تتمتع بها عشرات المدارس الخاصة التي تملأ اعلاناتها الصحف الآن؟ أو حتى وجدت مدرسة الصديقة بنت الصديق الدعم الذي تجده المدارس النموذجية التي ترعاها الدولة ممثلة في وزارة التربية والتعليم؟ (السوداني) توجَّهت بهذه الاسئلة لمديرة المدرسة الاستاذة ستنا محمد عباس فأجابت بقولها : اصدقكم الحديث اننا لا نتلقي اي دعم حكومي، بل نعتمد على اموال التسيير من قبل الاسر وهو دعم شعبي غير الزامي، اما بالنسبة للمدارس الحكومية فهي ترى أن المدارس الحكومية ما زالت بخير رغم الظروف الراهنة من كثرة التلاميذ وشح الامكانيات المتاحة الا أن العطاء من قبل المعلمين ما زال مستمراً لان التعليم مهنة رسالية، اما بالنسبة لتفوق المدارس الخاصة فأوضحت أن المدارس الخاصة قد اخذت نصيباً من التفوق لعدة سنوات وأن تلميذها يتمتع بامكانيات اكثر كما أن الشعب السوداني شعب انطباعي، ولكن كل ذلك لا يمنع أن بها اساتذة اكفاء وطلابا اذكياء ومتفوقين. "أبرار".. على طريقة "هند" على طريقة الدنيا مازالت بخير كان لابد لنا من القول إن المدارس الحكومية ما زالت بخير وخير دليل على ذلك (هند) و(أبرار) وبالرجوع إلى أبرار وهي ابنة الثلاثة عشر عاما والتى احرزت مجموع 278 واستطاعت بذلك أن تكون على قائمة الشرف حيث كانت الثانية على مستوى ولاية الخرطوم وابرار تنتمي إلى مدرسة (خديجة بنت خويلد ) التابعة لمحلية الشهداء، التقينا بمديرة المدرسة الاستاذة حرم محمد الحسن التى حدثتنا عن المدرسة قليلاً حيث ذكرت أن المدرسة بدايتها منذ العام 1975 وظلت تحصد التفوق منذ 15 عاما، واشارت إلى أن المدرسة لا تقبل اي رسوم الا رسوم قبول الصف الاول وهي لا تعتبر رسوما فعلية فقط على حسب المساهمة وايضاً تعاون الآباء واسر التلاميذ، بالاضافة إلى منظمة "راجين" لدعم التعليم وتنمية القدرات التي ساهمت بشكل كبير في مساعدة المدرسة بكل الجهات، التقينا ايضاً بالاستاذة "فرحة اسماعيل" مؤسسة ورئيسة منظمة راجين لدعم التعليم وتنمية القدرات والتى اثنت على المدرسة واوضحت أن الفضل يعود إلى المجهودات الشخصية التى تقوم بها المديرة تجاه المدرسة بالاضافة إلى الدور القيادي الذي تقوم به، اما ابرار البنت صاحبة الملامح الطفولية والتى التقينا بها وهى تضع على يدها (نقش الحناء) استعداداً لبدء مراسم الاحتفال بالنجاح الباهر الذى حققته ولها كل الحق في ذلك، أبرار اخبرتني وبريق الفرح في عينيها انها كانت تتوقع هذه النتيجة فهي تعلم انه على قدر أهل العزم تأتي العزائم وانها بقدر ما اجتهدت وثابرت كان لها هذا النجاح الذي تذوقنا طعمه ونحن في وسط مدرسة خديجة بنت خويلد، ايضاً لم تنسَ ابرار أن تثمن الجهود التى قامت بها المدرسة بكامل معلميها من اجل الوصول إلى هذه المرحلة، وفي الختام اكدت الاستاذة حرم أن المرجعية الاساسية للمدرسة هي مصلحة التلميذ كما اشارت إلى أن التعليم في المدارس الخاصة هو ذات الامر لأن المعلمين هم ذاتهم المعلمين الذين لجأوا إلى المدارس الخاصة من اجل تحسين اوضاعهم. مجانية التعليم بكل تأكيد فإن هناك آلاف المتفوقين من ابناء البسطاء الذين خاضوا امتحان شهادة الاساس وحققوا تفوقاً لا يستهان به قياسا بالظروف التي جلسوا للامتحان من خلالها من حيث المصاريف الدراسية والمدارس الحكومية التي تعتمد على الله ثم على العون الذاتي من اولياء امور جلهم من الطبقة الفقيرة وبالتالي فإن نجاح هؤلاء لا يُضاهى بغيره حتى ولو لم ينالوا المرتبة الاولى او الثانية، هذا الحديث يقودنا إلى مادة اساسية اشار اليها الدستور الانتقالي لجمهورية السودان 2005م وهى أن التعليم في السودان للمراحل الابتدائية ينبغي أن يكون إلزامياً ومجانياً. ووفقا لتقديرات البنك الدولي لعام 2002، فإن معدل معرفة القراءة والكتابة لدى البالغين الذين تتراوح أعمارهم من 15 عاما فما فوق يبلغ 60 في المئة، وكانت النسبة في عام 2000م، تقدر بحوالي 58 بالمئة (69 ٪ للذكور و46 ٪ للإناث)، وتقدر نسبة الأمية وسط الشباب (15-24 سنة) بحوالي 23 في المئة. بين الشعبية والخاصة في دراسات سابقة وبالعودة للوراء تحديدا في العام الدراسي 95- 96 م نجد أن فكرة التعليم الخاص بدأت بالمدارس الشعبية لانه في ذلك الزمان لم يدخل بعد مفهوم التعليم الخاص في قاموس الثقافة السودانية. وكان يطلق كلمة (شعبي) علي اي تعليم غير حكومي لان غاية من اسسوا هذه المدارس الشعبية لم تكن المال وانما المساعدة في تعليم التلاميذ والتلميذات، وحتى نهاية العام الدراسي 95-96 كان يبدو التعليم العام الحكومي متماسكا برغم العواصف العاتية التي بدأت نذرها في السماء لكن عند بداية العام الدراسي التالي اجازت ادارة التعليم غير الحكومي بولاية الخرطوم للمعاهد أن تتحول الى مدارس خاصة أن استوفت الشروط والمعايير والتي من ضمنها أن يكون صاحب الرخصة معلماً ليبدأ اعصار المدارس الخاصة لتتحول المنازل السكنية التي تطل على الشوارع والنواصي بين ليلة وضحاها الى لافتات مدارس خاصة ليبدأ مسلسل إدبار التعليم الحكومي العام. التعليم الحكومي العام تنبع فلسفته ليست فقط من انه يقوم بتوفير تعليم جيد للجميع بل تتعداه الي اهداف سامية وهي حفظ التوازن في المجتمع بين اعراقه وثقافاته وكذلك بين طبقاته بين الغني والفقير وذلك بتوفير بيئة خصبة للتعايش والتوافق والتلاقح الفكري والتي جميعها تصب في اتجاه تنمية الحس القومي لدى الصغار، و خلال العقد الاخير من القرن الماضي ومع انتشار المدارس الخاصة والتي بلغت في ولاية الخرطوم فقط (1273) مدرسة (على حسب احصائية قديمة) أخذت مشاكل التعليم الخاص تطفو على سطح الاحداث بدءاً بالمفهوم وانتهاءً بغياب التشريعات مما افرز العديد من المشاكل التي اصبحت من أهم المعوقات امام تطوره بل ألقت هذه المشاكل بظلال سالبة وآثار اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة خلال هذا التحقيق نستعرض هذه المشاكل التي تواجه المدارس الخاصة من اصحاب الاختصاص وإدارة التعليم غير الحكومي بوزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم. انتشار بلا مقوِّمات!! وبحسب خبراء تربويين تحدثوا ل(السوداني) فإنَّ أهمية التعليم الخاص تكمن من واقع الحال في السودان كدولة نامية تعجز امكاناتها عن تلبية الحاجات المتزايدة للسكان في مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، كما أن أهمية التعليم الخاص تنبع من كونه هو أصل العمل المجتمعي الذي يساعد في بناء السودان الحديث لذلك فإن انتشار التعليم الخاص عمَّ معظم ولايات السودان المختلفة. واستدرك بعض من تحدث لنا من الخبراء التربويين أن هذا الانتشار لم يواكبه انتشار نوعي في السياسات والخطط والبرامج والتشريعات مما افرز بعض الآثار السالبة على العملية التربوية برغم الايجابيات، مُستدلين برسالة الدولة تجاه التعليم الخاص حسب ما جاء في توصية مجلس الوزراء للعام 2006م، والمتمثلة في الاستمرار في سياسة التوسع في التعليم العام والعالي حتى يبلغ المعدلات العالمية في القبول ودفع مؤسسات التعليم الخاص في اكتساب كادر بشري مدرب يغطي الاحتياجات بالاضافة إلى سد النقص بواسطة مؤسسات التعليم الخاص وفقاً لاحتياجات الدولة . أخيراً جداً خُلاصة ما نود قوله انه وفي ظل تدني البيئة التعليمية في المدارس ونقصان مقوماتها حسبما قال ذلك بكل صراحة نواب البرلمان بحضور وزيرة التربية والتعليم الاتحادية سعاد عبد الرازق في بيان وزارتها امام البرلمان الثلاثاء الماضي، وذهب نائب برلماني إلى ابعد من ذلك حين وصف البيئة التعليمية في المدارس بالمتدهورة، مؤكداً أن بعض المدارس ليس بها طبشيرة واحدة للكتابة ما يجبر اولياء الامور على الدفع من حر مالهم، مُهاجماً حديث الوزيرة عن سياسة التعليم المجاني. في ظل تلكم الظروف فإن تفوق مدرستي " هند" و"أبرار" وغيرهما من المدارس الحكومة، لهو تاجٌ يتلألأ على رؤوس تلك المدارس وإداراتها ومجالس أولياء الامور بها، وكذلك تلاميذها النُّجباء الاذكياء الذين طوَّعوا المستحيل وحققوا نتائج تضعهم بكل تأكيد فوق الأوائل لسببٍ بسيط هو أن هؤلاء لم تتحقق لهم (عُشر) المُقوِّمات التي تحققت لتلاميذ ملأت مدارسهم (الخاصة)؛ الدُّنيا ضجيجاً لنجاحٍ مُزِجت (صناعته) ب(المال).