نظمت أمانة المؤتمر الوطني ملتقى حول آفاق الحوار الوطني ومآلاته دعت إليه عددا من الأحزاب في تظاهرة تسعى لحشد القوى السياسية في دار الحزب الحاكم. الأحزاب التي حضرت كان خطابها موحداً حول أهمية الحوار. نجح التمرين المشترك، والنقاط النهائية هي الفاصلة في ملعب التوافق الوطني. بادرة أمانة المؤتمر الوطني للملتقى، شكرها القيادي بالحزب الاتحادي الأصل تاج السر محمد صالح ووجه شكره أيضاً لرئيس الجمهورية على مبادرة الحوار وقال إنها الفرصة الأخيرة لنجلس للحديث في الشأن العام منذ فترة طويلة من التباعد والاستقطاب، فالحوار وسيلة البشرية في حل مشكلاتها والطريق للسلامة والسلام، وقال: "نحن أمام منعرج خطير لن نفلح في حله إذا كنا متباعدين"، وأضاف أنهم في الحزب الاتحادي حينما رحبوا بدعوة الحوار كانت لهم شواهد في التاريخ منذ عام 1953م في إطلاق مبادرات الحوار. وناشد القيادي الاتحادي الكافة للاستجابة للحوار على الرغم من التحفظات والشروط لدى بعض القوى السياسية وهي شروط يجب أن لا تعطل مسيرة الحوار والصبر على بعضهم البعض، بما يتيح للكل طرح وجهات نظرهم، وزاد: "من المهم أن يكون هذا الحوار منبراً مفتوحاً لكل الفاعلين في الساحة السياسية دون استثناء أحد، ويكون شفافاً تطرح فيه كل قضايا البلاد ومعضلاتها، فإن أنجزنا هذا نسجل في تاريخ شعبنا نقطة مضيئة"، وأضاف خاتماً حديثه بطلب من رئيس الجمهورية بالرعاية الشخصية لتذليل أي عقبة تعترض طريق الحوار ويصدر توجيهاته للمركز والولايات من أجل حملات توعية حول ميزات الحوار. وفي ذات السياق القاضي بأهمية الحوار وميزاته، قال الأمين السياسي لحزب العدالة، بشارة جمعة: "قد وصلنا لقناعة بأن المدخل الصحيح هو الحوار الذي يوحد البلاد وكنا من أوائل الساعين لإسقاط النظام والآن نريد أن نصل بالحوار إلى ثوابت تحقق بناء السودان مهما اختلفت أجناسه، فنحن سودانيون قبل أن نكون حاكمين ومحكومين وآن الآوان لأن يتغير الفهم السياسي في السودان، ليحدث تمرد فكري وثورة جريئة للبلاد، وقد تداعينا من أجل الوطن وليس من أجل السلطة آملين أن يلحق بنا الرافضون للحوار ولا تكون استحقاقاتهم وشروطهم تمترساً". لن ننتظر أكثر منطلقات الإصلاح لدى المؤتمر الوطني وآليته الفاعلة تنزيلاً له على أرض الواقع، أفصح عنها الأمين السياسي للمؤتمر الوطني د.مصطفى عثمان بأن الإصلاح هو الهدف والحوار آليته، وحينما طرح المؤتمر الوطني وثيقة الإصلاح لم ينطلق من فراغ، فهو ليس حزباً سياسياً وإجتماعياً فحسب؛ وإنما حزب له تأصيل فبادر بالحوار حينما أحس بحراك داخل المؤتمر أفضى به إلى وثيقة الإصلاح عبر إعادة بناء المؤتمر على أساس فكري وثقافي وهيكلي، وإصلاح الجهاز التنفيذي وإصلاح البيئة السياسية ووضع خارطة طريق لمستقبل السودان، يتوافق عليها الجميع، وحول سقوفات طرح المؤتمر الوطني في الحوار، أوضح أن الطرح كان واضحاً لم يُجعل له سقفاً ولم يُحدَّد المشاركون فيه، فالقوى السياسية تحدد ذلك، كما لم يُحدَّد جدوله الزمني ومخرجاته وشروطه، وأضاف: "إن الحوار شعارنا ونصف رأيك عند أخيك وهذا لا يعني أننا ندخل هذا الحوار وليس لدينا رؤية أو ترتيبات، بل للمؤتمر الوطني موقف ورأي لكل قضية تثار، ولكن تقديمها مع الآخرين وما يتفق عليه يشكل لنا مخرجات، وما نتفق عليه نصل به إلى خارطة طريق"، وقال: "إن البعض يظن المؤتمر تعرض لضغوط خارجية والضائقة الاقتصادية تهدد الحكم، غير أننا في النهاية نريد هذا الحوار الذي يحد من الاستقطاب السياسي ويعيد الثقة في القوى السياسية ويقود إلى الوفاق وينهي الحرب، وكله ينعكس خيراً على السودان ثم إن من يحكم السودان مسألة تقررها صناديق الانتخابات، فالهدف الوصول إلى تداول السلطة وإذا قرر الشعب ذهاب المؤتمر لمقاعد المعارضة فنحن مستعدون لذلك، وإذا قرر أن تكون الحكومة القادمة حكومة ائتلافية فلا مشكلة في ذلك"، ومن واقع تجربته العملية في إدارة الحوار بين جبهة الشرق والحكومة السودانية نبه د.مصطفى عثمان إلى خطورة التدخلات الأجنبية، مؤكداً أن الحوار لا بد أن يكون حواراً سودانياً في الداخل، كما ناشد بقية الأطراف الخارجة عن مظلته بالدخول إليه باعتباره قيمة إنسانية تعكس مدى تقدم القوى السياسية لمعالجة المشكلات، فالحسم بالبندقية ليس قيمة حضارية والذين يعترضون على الحوار ويضعون شروطاً تعجيزية، فالحوار لا يصب في مصلحتهم الحزبية، لأن الشعب جربهم ولن يعيد التجربة مرة أخرى، وقال في معرض جهود المؤتمر في دعوته للبقية للانخراط: "لقد دعوناهم ليلاً نهاراً، سراً وجهراً، بطريقة مباشرة وغير مباشرة عبر القوى المعارضة، ولا أتوقع أن ننتظر أكثر من هذا الشهر الذي نحن فيه لنبدأ الحوار بمشاركة واسعة". مرافعات عن الإسلام والحوار في حديث الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر، تناول العديد من القضايا في وثبات متعاقبة حول الدستور والإسلام السياسي ومستقبل الحركة الإسلامية وموقفهم من الحوار ومناخه ومطلوباته وباقي القوى الممتنعة، واستهل حديثه مشيراً إلى أن أزمة السودان ليست متعلقة بهذا النظام، وإنما هي تاريخية منذ الاستقلال، فلم يعرف السودان منظومة دستورية، ومن وثيقة الحكم الذاتي جاءت جملة من الدساتير ليس لها علاقة بالواقع الفعلي. وعلى جهة ممارسة الإسلام السياسي في السودان، دافع بقوة نافياً أن يكون انقلاب 30 يونيو انقلاباً على الديمقراطية، وإنما كان على الممارسة التي أثارتها من قبل مذكرة الجيش، وكل من يحاول أن يحاكم الإسلام بمسميات الإسلام السياسي لا يستند إلى حق وعدالة، فالإسلام قدم نموذجاً مميزاً منذ دولة المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ووضع أول دستور يقنن الحريات وهي تجربة رائدة لم تعرفها أوروبا التي تتكلم عن حقوق الإنسان، وكان النظام الفيدرالي مطبقاً في ذاك العهد، ثم الإسلام كان خيار الشعب المصري والتونسي والجزائري، وأكد أن الحركة الإسلامية ستتوحد، وقال: "قد قبلنا الحوار دون شروط لقناعتنا بأن قضايا السودان لن تحل إلا من خلاله". وعن الشروط التي وضعتها باقي القوى الخارجة عن دائرة الالتئام ودافعة بإلغاء القوانين المقيدة للحريات، قال: "هذه القوانين لا تلغى بالممانعة وإنما بمناقشتها نقاشاً موضوعياً مثل مناقشة الدستور والحكومة الانتقالية في داخل الحوار، وإلا ليس هنالك فائدة منه"، وعن الداعين لمؤتمر دستوري، فقال: "مؤتمر الحوار هو أشمل وأقوى من المؤتمر الدستوري، ونحن نطلب الحريات لتعرف الناس أحزابها ولم يحدث انفراج في الحريات بهذا المقدار الموجود الآن"، وشدد على أهمية أن يكون الحوار في الداخل وغير مرهون للإرادة الخارجية فتكفي مخرجات نيفاشا وأبوجا والقاهرة وأديس، وعلى كل الأحزاب أن تتوحد لتوحيد خيارات الديمقراطية والحكم الراشد، وأضاف: "لا نخاف من خيار الديمقراطية، فالديمقراطية لن تأتي عبر الدبابة، ولا من الخارج، والشعب السوداني هو الفيصل ونسعى للحوار من أجل معاناة الناس في المعسكرات، ومن أجل وضع دستور ثابت ووضع انتقالي لا يستثني أحداً".