لحقت الحكومة بإعلانها التقليص من استئجار مقار للوحدات الحكومية، حال المواطنين الذين بدؤوا بالفعل ضغط ميزانية الأسرة ما أمكن عندما اتخذوا قرارات عملية، وخرجوا من البيوت المستأجرة، إلى بيوتهم وإن كانت غير جاهزة أو بعيدة، أو استتئجار منازل أقل سعراً من التي يستأجرونها لمواجهة متطلبات المعيشة المتصاعدة يوماً بعد يوم الأمر الذي جعل لافتات (بيت للإيجار) و(بيت للبيع)، و(عمارة للإيجار) و(عمارة للبيع) تنمو بصورة أميبية، وهو اتجاه يؤشر إلى كساد سوق العقار، بعد أن كان استثماراً مربحاً، ووجد رواجاً أسهم بصورة لافته في تحسين وجه المدينة، وهل تعلمون أن الأزمة المالية العالمية التي بدأت بأمريكا كان سببها المباشر الاستثمار العقاري. إن أول من هزم الاستثمار المربح هذا هو خروج بعثة الأممالمتحدة التي كانت تستأجر وتدفع بالدولار، بعد انفصال دولة الجنوب في يوليو من العام المنصرم، وارتبط وجودها الكثيف في العاصمة الخرطوم، باتفاقية السلام، المعروفة باتفاقية (نيفاشا) التي اكتملت دائرتها بانفصال الجنوب، فبخروج البعثة وتوابعها، وخروج عدد من الأثرياء من أبناء الجنوب وذهابهم إلى دولتهم، هزت عروش الذين يستثمرون في العقار بالخرطوم. معروف أن الحكومة هي أكبر المشترين والمؤجرين بعد بعثة الأممالمتحدة وها هي وزارة المالية توجه رسميا بحصر المواقع المستأجرة للوزارات والوحدات الحكومية تمهيداً لفسخ عقوداتها وتوفير مبانٍ مملوكة للدولة بديلة لها لترشيد الإنفاق الحكومي، وهي تنصب بذلك صيوان العزاء، للمستثمرين في هذا المجال، الذي ارتاده النافذون في الحكومة بصورة كبيرة، حيث تتناقل الروايات عن بعض المسئولين الذين يسكنون في بيوت حكومية، ويستأجرون بيوتهم الملك لها، كما يروج في الولايات أن بعض الموظفين، يشترون عربات الحكومة المدللة ثم يعاد إيجارها لها. والجيد أن وزير المالية والاقتصاد الوطني علي محمود ، في ذات الاجتماع الذي أعلن فيه عزم الحكومة تقليص البيوت المستأجرة، وجه بضبط صيانة العربات والسيطرة على الموارد وهي خطوة إن وجدت التطبيق العملي فستعيد إلى وزارة المالية هيبتها المفقودة، وولايتها للمال العام المسروق، وهو قرار موفق ويتسق مع السياسة المعلنة، ومع طبيعة الأحوال التي تحتاج لأي مورد جديد يدعم ميزانية الدولة بعد خروج البترول.