برامج (التوك شو).. ضيوف (خارج السيطرة).! فلاشات: محمد محمود البرامج التلفزيونية تتميز بخصوصية الصورة عكس الاذاعة والصحف، حيث ثظهر أدق التفاصيل عبر تلك الشاشة البلورية، ومن ضمن تلك البرامج التي يقدمها التلفزيون البرامج الحوارية أو ال(توك شو) التي تتسم بالمناقشة وتبادل الأسئلة حول موضوع أو قضية ما كاشفة عن حقائق معينة، حيث أنها تسهم بشكل كبير جدا في تشكيل الرأي العام وتكوينه، ومن مقومات نجاح البرنامج الحواري اختيار الموضوع المناسب والضيف الأنسب والأسئلة الموضوعية، لكن الملفت للنظر أن تجد بعض ضيوف البرامج الحوارية يخرجون عن طورهم أثناء الحلقة و(يفقدون المنطق)، وتسود العصبية والانفعال أثناء الحديث، ويزداد الموقف تأزما إذا ما كانت الحلقة كانت على الهواء مباشرة، ولكي يتفادى بعض مقدمي البرامج مثل هذه المواقف تقوم البعض منهم بإطلاع الضيف على الأسئلة والمحاور التي يدور حولها الموضوع، أما الآخرون فيميلون لطرح الأسئلة مباشرة دون (اتفاق مسبق)، وبين هذا وذاك تظل القضية بحاجة للكثير من الدراسة والتنقيب والتناول. أرضية هشة: مقدمة برنامج (حالة استفهام) بقناة النيل الأزرق نسرين النمر قالت ل(السوداني): (البرامج الحوارية في مصر أكثر تقدما وتطورا من السودان نسبة لطبيعة الإعلام في مصر الذي يتميز بالحرية والتعدد، حيث إن الإعلام الرسمي في السودان هو الذي يعبر عن مختلف القضايا)، وتضيف: (أما عن الحرية في تناول الأحداث نعم لدينا مساحة حرية لا بأس بها مقارنة بدول أخرى، وإن التراشق الذي يحدث في البرامج الحوارية لا أستطيع نفيه فهو موجود بيد أن البرنامج يقدم الشخصيات الاعتبارية وشخصيات مسؤولة عما تقوله في البرنامج وخاصة أن البرامج الحوارية تكون أغلبها على الهواء مباشرة، فأنت تستضيف الشخصية الاعتبارية التي يمكن أن تمثل المؤسسة أو الجهة موضوع النقاش). وأضافت نسرين في حديثها ل(السوداني): (يجب أن يكون المذيع هادئاً ويلتزم بالحياد ويكون على مستوى أو مسافة واحدة)، وتمضي نسرين في الحديث قائلة: (الضيف يغضب إذا كان يقف على أرضية هشة)، وزادت: (لا يحتاج توصيل المعلومة للانفعال والتراشق بالألفاظ، فالمعلومة يمكن أن تصل بكل شفافية وبكل هدوء، والمشاهد هو الذي يقيم مصداقية الضيف)، وتزيد: (طبيعة بعض الضيوف حدة وانفعالية ويمكن أن يكون البرنامج عاديا جدا لكن طبيعة الضيف الذي يتحدث طبيعة انفعالية فما بالك في البرامج الحوارية الاستقصائية)، وعن كشف الأسئلة للضيوف قبل الحلقة تقول نسرين: (أمر خاطئ جداً أن يطلع الضيف على الأسئلة قبل البرنامج وليس من الضرورة أن يكشف له عن الأسئلة، كل مذيع ولكل محطة فضائية أسلوبها، نعم هنالك ضيوف يشترطون قبل التحدث في البرنامج الاطلاع على الأسئلة ولكن من حقي أن أحفظ مصادري والضيف من حقه أن يجيب بعد أن أطرح عليه السؤال). إظهار حقائق: أما مقدم برنامج الصالة بقناة الخرطوم خالد ساتي فقال ل(السوداني) إن البرامج الحوارية وخاصة التي تتصل ببحث قضايا ساخنة يكون فيها الضيوف عادة من الوزن الثقيل وحينما يلتقون ويتناقشون حول أمر ما فإن من المؤكد أنه يأخذ منعطفا آخر ويبدو أكثر سخونة وترتفع الأصوات هنا وهناك، وهذا اللون من البرامج يحتاج لمقدم مقتدر لكي لا تكون المسألة مجرد ظاهرة صوتية فحسب. ويواصل ساتي في حديثه ل(السوداني): (الهدف من أي برنامج حواري إظهار الحقائق، وهنا يكمن الدور المهم الذي تقدمه هذه البرامج). وعن ماعون الحريات، ودوره في إنجاح برامج ال(التوك شو) قال ساتي: (إن مستوى الحريات لم يصل بعد للشكل المطلوب، ولكن في ظل هذا المتاح يمكن أن نتغلب على الكثير من الأمور وطرح القضايا التي تصب في مصلحة المواطن والوطن)، واختتم ساتي حديثه قائلا: (ليس من الجيد أن يطلع الضيف على الأسئلة فهذا يفقد من البرنامج الكثير)، وأضاف: (أنا لا ألتقي بالضيف إلا على منضدة الحوار ولا أفضّل أن أناقش الضيف في الأسئلة وعادة ما أحضر البرنامج بنفسي واعتمد على التسلسل العفوي التلقائي في طرح الأسئلة). شخصيات معدومة: مقدم برنامج الاتجاه المعاكس د.فيصل القاسم في حوار سابق أجرته معه صحيفة الأهرام المصرية قال: (نحن نعاني من اختيار الشخصية المناسبة في البرنامج الحواري فقد لا نجد شخصيات مناسبة نواصل معها الحوار في موضوع محدد وبذات الحيوية والقدرات الإقناعية، فنحن نجد صعوبة شديدة في إيجاد شخصيتين مناسبتين ذاتي كفاءة عالية وذاتي مقاييس معينة ومهمة تثري الحوار، خاصة وهو على الهواء، وتقنع المشاهد حول الموضوع المطروح)، وأضاف فيصل: (نحن نموت حتى نلقى شخصيات مقنعة ذات مستوى معين وبمعايير محددة يتطلبها البرنامج، وأحيانا لا نجد الشخصية المناسبة مطلقا في الوسط العربي)، وواصل القاسم حديثة قائلا: (توجد معاناة قاتلة، فثقافة التعدد نادرة في الوطن العربي، لأن ثقافتنا هي ثقافة الرأي الواحد والاتجاه الواحد، فنحن نتعب كثيرا في البحث عن هؤلاء المتكلمين)، وزاد القاسم: (إننا الآن في الوطن العربي داخلون في جو حواري جاد وهناك في بعض الحلقات قد لا نستكمل الحديث في الموضوع المحدد، لكن في حلقات أخرى قد نجد أناساً يتحدثون في ذات الموضوع وبكفاءة عالية في مناسبة أخرى تعيدنا إلى خطوط حلقات سابقة، فمثلا مسألة التطبيع مع إسرائيل: فقد تم طرح الموضوع مع شخصيات مختلفة لأكثر من عشر حلقات مختلفة الأطروحات في الاتجاه المعاكس، ولكنها تتحدث في ذات الأمر بطريق أو بآخر، وفي كل حلقة كنا نطرق لونا جديدا وهدفا جديدا). تأثير سالب: المستشار الإقليمي لجامعة ستنافورد الأمريكية، د.موسى نجيب قال إن ظاهرة التراشق بالألفاظ في البرامج الحوارية التلفزيونية، تؤثر على بنية السلوك العام داخل المجتمع، وأضاف أن التلفزيون من الأجهزة سريعة النقل للحدث ويدخل كل البيوت وكما أنه قوي التأثير على المشاهد، وبالتالي يُحدث خللاً مجتمعياً كبيراً في السلوك العام وآداب الحوار التي حرصت عليها الأديان جميعا، كما يضاعف من حجم الظاهرة وتضخمها في المجتمع، وتابع موسى أن ظاهرة التراشق بالألفاظ تعكس مدى الاهتزاز النفسي، وعدم الاتزان الانفعالي وعدم القدرة على التحكم في انفعال الغضب عند التعبير عن الرأي أو قبول الآخر، مما يخلق نماذج مشوهة من القدوة التي من المفترض أن يتبعها الأطفال والشباب في حياتهم، وأوضح موسى أن كل ذلك يؤثر على الصحة النفسية، سواء للأفراد المتعاركين أو المتراشقين أو على المشاهدين، مما يؤدى إلى خلق حالة من المزاج الجمعي السيئ والمود العام المضطرب، وأكد أن التصدي لهذه الظاهرة يأتي من خلال التعود على آداب الحوار واحترام الآخر، وتعلم قبول رأي الآخرين حتى لو كان مخالفاً لرأينا، وتتم مقابلة الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان والدليل بالدليل وليس بالتراشق والسب والقذف في حق من يختلف معنا.