ظننت وبعض الظن إثم، أن مسميات "جرائم ضد الدولة".. "الأمن القومي".. "تهديد المصالح العليا".. "نيابة أمن الدولة" معنية بكل ما له علاقة بالجاسوسية والتخابر مع الجهات الأجنبية، والسعي لتعريض مصالح السودان (شعبا وحكومة وأرضا) إلى تهديد (خارجي) أو حتى (داخلي) من قبل فئات معينة. لكن اتضح أن فهمي خاطئ وقاصر، فتسريب وثائق ضد مسئول يعتبر مهددا للدولة، ونشر أوراق تخصه يعد مهددا لمصالح السودان والأمن القومي، ولأن المفاهيم اختلطت فلا بد من إعادة التعريف!. هذا المعنى (الهلامي، الفضفاض) تساءلت عنه أكثر من مرة وطلبت إعادة شرحه وتوضيحه حتى لا نقع في أخطاء قاتلة، ما هو الأمن القومي أو المصالح العليا؟ وفي أي حالة تربط الجهات المختصة (الفرد) بالدولة؟، ولم أجد سوى بعض الردود المصحوبة بسخرية "كيف لا يعرف الصحفي هذه المفاهيم؟!". ظننت ويا له من ظن، أن حظر النشر عادة ما يكون حول مواضيع تخص القوات النظامية وعلاقات السودان الخارجية، لكنه صدر خلال أيام معدودة، في قضية فساد مكتب والي ولاية الخرطوم، وقضية وكيل العدل، وحبس الصادق المهدي، وليس أخيرا في قضية الزميلة (الصيحة)، ولأن التقديرات تختلف، فإننا نتساءل فقط، ما الذي نشرته أو يمكن أن تنشره الصحف ومن شأنه التأثير على سير العدالة في هذه القضايا؟. حينما تسوء أو تتوتر العلاقة بين الإعلام واجهزة الدولة، تكون هناك رغبة بالشكوى إلى القضاء واللجوء إليه لوجود إيمان أن الاجهزة العدلية هي الحكم الذي يفصل بالعدل بين الطرفين، ولكن حينما تتوتر العلاقة بين الإعلام وبعض قيادات الأجهزة العدلية، وتصبح الأخيرة هي الخصم، فلمن تشتكي الأولى؟!. أجواء أصبحت عكرة، مسممة بعد حملة شرسة تجاه الصحافة باستخدام تلك المسميات الفضفاضة أو عبر حظر النشر بحجج عدم التأثير على سير العدالة.. خلال اليومين الماضيين، كانت تنعقد ورش وندوات معنية بتطوير الإعلام في الخرطوم وبعض الولايات، وتعقد اللجان المعنية بالتحضير لمؤتمر الإعلام اجتماعاتها، وفي ذات الوقت، كانت نيابة الأراضي تداهم مقر الصيحة وتقتاد رئيس التحرير ومدير التحرير وبعض المحررين إلى النيابة، ومن قبلها تم استدعاؤهم في نيابتي أمن الدولة والصحافة، ومن المقرر أن يمثلا غدا في نيابة المعلوماتية. كنا ننوي الكتابة عن الموضوع، فجاءنا في ذات الوقت خبر حظر النشر عن قضية الصيحة.. لم تمر ساعات ليأتينا خبر آخر، وهو إيقاف صحيفتنا (السوداني) من قبل مجلس الصحافة لمدة يومين لنشر مادة اعتبرها المجلس غير لائقة!. كيف يستقيم أن نتحدث عن تطوير ما يسمى (بالإعلام) وإيقاف الصحف وحظر النشر واستدعاء الصحفيين ومداهمة مقارهم من قبل النيابات المختلفة يحدث في كل يوم؟. لا تطوير ولا حديث إيجابي سيكون عن الإعلام في السودان، ما لم تنتهِ هذه الهجمة!. كشف الفساد وإن تم في الإعلام بصورة انتقائية ولأفراد معينين، خير ألف مرة، من التستر عليه نهائيا، فلا يمكن فضح تجاوز جميع المفسدين. ونحن إلى الآن لم نجزم أن الصيحة قالت الحقيقة ولا نقف معها في الحق والباطل.. لكن نأمل أن يذهب الملف برمته إلى القضاء ليحكم لها أو عليها.